كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
122 - ثمّ ضرب الله مثَلاً بالمؤمن والكافر (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) الموت هنا كناية عن الذلّ والفقر والعبوديّة ، والحياة كناية عن العزّ والغنى والحريّة ، والمعنى : أوَ مَن كان فقيراً حقيراً فهديناهُ إلى الإيمان فآمَن وصار حُرّاً عزيزاً ، والألف من قوله (أَوَ مَن ) للاستفهام (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ) وهو نور البصيرة والهداية (يَمْشِي بِهِ فِي ) هداية (النَّاسِ) مُستضيئاً بهِ عاملاً الخير وداعياً إلى الله (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) أي كمن هو كافر ، والكافر مَثَلهُ كالميّت المدفون في القبر والمختبئ في ظُلماتهِ لا يسمع ولا يبصر ولا يستفيد منه أحد وليس الميّت بخارج من تلك الظُلمات ، والمعنى : أتجعلون المؤمن الذي يُفيد الناس بإرشاداتهِ كالكافر الذي يضرّ الناس بجهلهِ ولا ينفع أحداً كالميّت المدفون في القبر لا يستفيد منه أحد (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) أي زيّنت لهم آباؤهم وأجدادهم هذه الأعمال الباطلة ، وكذلك الشيطان زيّنها لهم .
123 - ونزل في رؤساء مكة لَمّا اجتمعوا في دار الندوة وأرادوا أن يمكروا بالنبيّ فيقتلوهُ (وَكَذَلِكَ) أي كما في مكّة أكابر يعني رؤساء ليحكموا بين الناس بالعدل ويُعاقبوا المجرم ، كذلك (جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ ) فلمّا أرسلنا إليهم رسولَنا ليرشدهم إلى عبادة الله ويُنذرهم عن عبادة الأصنام طغَوا عليهِ وتكبّروا وأصبحوا هم (مُجَرِمِيهَا) أي مُجرمي القرية فتشاوروا فيما بينهم (لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ) برسولنا فيقتلوهُ (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ) لأنّ الله يرعاهُ وملائكتهُ تحرسهُ وجبريل يُخبرهُ بمكرهم فيأخذ الحذر منهم (وَمَا يَشْعُرُونَ ) .
124 - (وَإِذَا جَاءتْهُمْ ) يعني الأكابر الّذينَ سبق ذكرهم (آيَةٌ) أي مُعجزة عِلميّة تثبتُ صدق محمّد ، وهي القرآن (قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ ) بها ولا بالّذي جاء بها (حَتَّى نُؤْتَى ) مُعجزة ماديّة (مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ ) من قبل من المعجزات كعصا موسى وناقة صالح ، فقل يا محمّد (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) يعني الله أعلم بمصالح العباد وبالمعجزة الّتي ينقادون إليها ويؤمنون بها ، وأعلم بمن يقدر أن يقوم بأداء الرسالة ويتحمّل مشاقّها وأتعابها ، فلو أعطيناكم معجزة ماديّة كعصا موسى وناقة صالح لكذّبتم بها وقلتم إن هذا إلاّ سِحرٌ مُبين ، كما كذّب من قبلكم قوم فرعون لَمّا رأوا العصا وكذّب قوم صالح لَمّا رأوا الناقة فعقروها فأهلكناهم بذنوبهم ، فكذلك أنتم تكذّبون إذا رأيتم المعجزة قد حصلت فحينئذٍ يجب علينا إهلاككم ونحن لا نُريد ذلك بل نريد أن يسود دين الإسلام جميع الأديان (سَيُصِيبُ الّذينَ أَجْرَمُواْ ) إلى النبيّ وأرادوا قتلهُ ، وهم الأكابر الّذينَ سبق ذكرهم في الآية السابقة (صَغَارٌ) أي ذلٌّ وخزيٌ ، ومن ذلك قول حسّان يهجو عبد الدار :
وإذا ما سَمَتْ قُرَيْشٌ لِمَجْدٍ خَلَّفَتْها في دارِها بِصَغارِ
أي بذلٍّ وخزيٍ بدل المجد ، وقال أيضاً :
وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ صَغاراً وَتابَعُوْا فَأَوْلَى لَكُمْ أَوْلَى حُداةَ الزَّوامِلِ
(عِندَ اللّهِ ) في عالم البرزخ (وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ) في الآخرة (بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ) برسولنا وبالمؤمنين من أصحابهِ .
125 - (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ ) إلى الإسلام بسبب عطفه على الفقراء والضعفاء وحُسن أخلاقهِ (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) بأن يُحبّب لهُ الإسلام ويُلقي نوراً في قلبهِ فيهتدي ويُسلِم (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ ) عن طريق الحقّ بسبب ظُلمهِ للناس واعتدائهِ على الضعفاء يُلقي عليه مرضاً نفسيّاً (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا ) عن قبول الدعوة إلى الإسلام (حَرَجًا) أي مُتحرّجاً لا يميل إلى الدعوة ولا يصغي إلى استماعها (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) لشِدّة ضيقهِ منها وتحرّجهِ فيها . وإنّما ضرب الله مثَلاً في ضيق الصدر بالصعود إلى السماء لأنّ الأوكسجين يقلّ كلّما ارتفع الإنسان في الفضاء فلا يجد هناك من الأوكسجين ما يكفي لاستنشاقهِ ، ثانياً كلّما ارتفع الإنسان يصعب عليهِ التنفّس [بسبب انخفاض الضغط الجوّي في طبقات الجوّ العليا ] (كَذَلِكَ) أي مِثل ذلك المرض النفسي (يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ ) أي المرض (عَلَى الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بالآخرة .
126 - (وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ ) أي طريق ربّك ، والمعنى : مَن سلك هذا الطريق يوصلْهُ إلى ربّهِ وإلى الجنان الأثيريّة في السماوات العالية فيكون بجواره تحت العرش ، والصراط يريد به دين الإسلام (مُسْتَقِيمًا) لا اعوجاج فيهِ ولا ميلَ عن الحقّ ، كما مالت اليهود إلى عبادة الأصنام والنصارى إلى عبادة المسيح واُمّهِ (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) وأصلها يتذكّرون فحُذِفَتْ التاء تسهيلاً للكلام ، ومعناها يتّعِظون . ثمّ بيّن سُبحانهُ ما لهؤلاء المتّعِظين من الكرامةِ عند الله فقال :
127 - (لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ ) أي دار السلامة والأمن (عِندَ رَبِّهِمْ ) في الجنان الروحانيّة تحت العرش (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ) أي الله يتولّى أمرهم وهو سيّدهم (بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) من أعمال صالحة .
128 - (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ) أي نجمعهم في المحشر (جَمِيعًا) الجنّ والإنس ، وذلك يوم القيامة فنقول للشياطين من الجنّ (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ ) أي قد أغويتم كثيراً من الإنس ، فيقولون : "أبونا أمرنا بذلك فامتثلنا أمرهُ" ، وأبوهم هو إبليس ، ثمّ يوجّه السؤال إلى الإنس الّذينَ اتّبعوا الشياطين ولم يؤمنوا بالرُسُل فيقول لهم : "لماذا لم تؤمنوا برُسُلي ولم تتّبعوهم ؟" فيقولون : "ربّنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيل" (وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ ) أي وقال أتباع الشياطين (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ) في الحديث والمجالَسة والسَمَر فلم نتمكّن أن نترك رؤساءنا الّذينَ استمتعنا بحديثهم ونتبع الرُسُل ، وقد أمرونا أن نُعاديَ الرُسُل ونطردهم من أرضنا ففعلنا كما أمَرَتنا رؤساؤنا (وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا ) يعني وقد أمهلتنا وبقينا أحياء حتّى جاء أجلنا بالموت ولم تُعاقبنا في ذلك الوقت حين كذّبنا الرُسُل لنعلم أنّ ذلك العقاب كان بسبب تكذيبنا لهم ، ومِمّا يؤيّد هذا قولهُ تعالى في سورة المجادلة {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } ، يعني بما نتكلّم على محمّد وعلى المؤمنين بهِ من كلام سيّء (قَالَ) الله تعالى (النَّارُ مَثْوَاكُمْ ) أي مصيركم ومقامكم (خَالِدِينَ فِيهَا ) أي دائمين فيها . ثمّ استثنى المذنبين من الموحِّدين فقال تعالى (إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) أن يعفو عنهم بعد تعذيبهم (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ) في أفعالهِ (عَليمٌ) بعبادهِ .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |