كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
136 - (وَجَعَلُواْ لِلّهِ ) نصيباً ولأصنامهم نصيباً (مِمِّا ذَرَأَ ) في الأرض ، أي مِمّا خلقَ ونشرَ في الأرض (مِنَ الْحَرْثِ ) أي من الزرع (وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا ) النصيب (لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ ) يعني بحكمهم وشريعتهم (وَهَـذَا) النصيب (لِشُرَكَآئِنَا) يعني جعلوا حصّة من الأنعام لله وحصّة لأصنامهم (فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ ) من نصيب (فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ ) يعني إذا قصّرت عندهم حصّة الأصنام يأخذون من حصّة الله لإكمال ما يحتاجون إليهِ من اللّحم أو الخصروات أو غير ذلك ، ولكن إذا قصّرت عندهم حصّة الله فلا يُضيفون عليها من حصّة الأصنام لأنّها لا توافق على ذلك بزعمهم (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) أي ساءَ الحكم حكمهم هذا .
137 - (وَكَذَلِكَ) أي كما جعلوا نصيباً من الأنعام لأصنامهم كذلك (زَيَّنَ) الشيطان (لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ ) فكان بعض المشركين ينذر للأصنام بأن يُقرّب إبنهُ أو بنتهُ فإذا حصلَ مرادهُ ذبح ابنهُ للأصنام ، وكان بعضهم يذبح أحد أولاده قرباناً للأصنام ، أمّا قُريش فكانت تدفن بناتها وهيَ حيّة خوف العار ، (شُرَكَآؤُهُمْ) وفي الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : زيّن للمشركين شركاؤهم من الجنّ قتل أولادهم يعني الشياطين زيّنت لهم ذلك (لِيُرْدُوهُمْ) أي ليوقعوهم في الردى ، والمعنى : زيّنت لهم الشياطين قتل أولادهم ليوقعوهم في الردى (وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ) أي وليلتبس عليهم دينهم الحقيقي ، لأنّهم كانوا قبل ذلك على دين إبراهيم فأغرتهم الشياطين وغيّرت دينهم (وَلَوْ شَاء اللّهُ ) هدايتهم (مَا فَعَلُوهُ ) ولكن خلّى بينهم وبين أعمالهم لأنّهم ظالمون (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) أي اتركهم وما يكذبون بهِ على الله فسيلقَون عقابهم .
138 - ثمّ حكَى سُبحانهُ عنهم عقيدة اُخرى من عقائدهم الفاسدة فقال (وَقَالُواْ) أي المشركون (هَـذِهِ أَنْعَامٌ ) أي مواشٍ وهي الإبِل والبقر والغنم والمعز (وَحَرْثٌ) أي الزرع (حِجْرٌ) أي محجورة عندنا للأصنام ، يعني محجورة عندنا للأصنام ، يعني محجوزة ، ومن ذلك قول حاتم الطائي يصف أرضاً :
فَإنْ يَكُ أمْرٌ بِأعْجازِها فإنِّي عَلَى صَدْرِها حاجِرُ
(لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاءُ ) أي لا يُطعَمُ ألبانها إلاّ خدَمَة الأصنام وخاصّةً الرجال منهم دون النساء (بِزَعْمِهِمْ) أي حكموا بهذا الحُكم بأهوائهم بلا كتاب سماوي يعتمدون عليه في نهجهم (وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا ) لا يركبونها ، وهيَ السائبة والبحِيرة والحامي (وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا ) وقت ذبحها . فالأنعام تُجنَى لثلاث فوائد : إمّا لتحصيل اللّبن والصوف منها وهي البقر والغنم وقد خصّصوا ألبانها لخَدَمة الأصنام ، وإمّا أن تُستعمل للركوب وحمل الأثقال وهي الإبل وقد منعوا ركوبها إلاّ خَدَمَة الأصنام ، وإمّا أن تُستعمل للذبح لأجل اللّحم وقد ذكروا على ذبحها إسم الصنم ولم يذكروا إسم الله ، وقد بيّنَ الله سُبحانهُ أنّ المشركين لا يجعلون شيئاً منها لله في هذه الحالات الثلاث (افْتِرَاء عَلَيْهِ ) لأنّهم يقولون الله أمرنا بهذا (سَيَجْزِيهِم) بالعقاب (بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) على الله بهذهِ الأكاذيب .
139 - (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ ) من أجنّةٍ ، يعني في بطن السائبة والوصِيلة والبَحِيرة (خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا ) يأكلونها (وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ) أكلها (وَإِن يَكُن مَّيْتَةً ) في بطنها (فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء ) الرجال والنساء (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ) هذا بالعقاب (إِنَّهُ حِكِيمٌ ) في أفعالهِ (عَلِيمٌ) بما يفعلونهُ .
140 - (قَدْ خَسِرَ الّذينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا ) أي سفاهةً منهم ، يعني بناتهم وهي الموؤودة قتلوها خوف العار ، والّذينَ ذبحوا أولادهم قرباناً للأصنام أو نذراً لها ، وكلمة "ولد" تُطلق على كلّ مولود سواءً ذكراً كان أو اُنثى (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) منهم لعواقب الاُمور (وَحَرَّمُواْ) على أنفسهم (مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ ) من الأنعام كالسائبة والوصيلة وغير ذلك (افْتِرَاء عَلَى اللّهِ ) بادّعائهم أنّ الله أمرهم بهذا (قَدْ ضَلُّواْ ) عن طريق الحقّ (وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) إلى الصواب . أقول لقد أعاد التاريخ نفسه فأصبحت بعض فِرق الإسلام تعمل كما كانت تعمل الجاهليّة من تقديم الهدايا والنذور للأصنام الّتي يجعلونها رمزاً للملائكة ، فكذلك اليوم يُقدّمون الهدايا والنذور لقبور المشايخ والأولياء ويجعلونها رمزاً لهم ، ويجعلون لها نصيباً من أنعامهم وحرثهم كما كانوا يفعلون ذلك في زمن الجاهليّة ، ولا يكتفون بهذا بل يقتلون أنفسهم وأولادهم لأجل الحُسين بن علي (ع) ظنّاً منهم أنّ الله تعالى راضٍ بذلك وأنّ الحُسين يشفع لهم عند الله يوم القيامة ، فترى يوم عاشوراء يضربون رؤوسهم بالسيوف والدماء تسيل على وجوهم وعلى أكتافهم وعلى الأكفان الّتي لبسوها فتراهم بحالةٍ تشمئزّ منها النفوس وتقشعرُّ منها الجُلود فيموت كثيرٌ منهم في ذلك اليوم وهم يحسبون أنّهم يُحسنونَ صُنعاً ، فقد قال الله تعالى في سورة الكهف {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }
141 - (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ ) أي بساتين ذات عُروش ، وعرش البستان هو "السيباط" (أو "القمريّة") الّتي يوضع فوقها الكرم ("أو شجرة العنب") ، (وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ) يعني وبعضها غير معروشات (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ ) يعني وأنشأ لكم النخل لإنتاج التمر ، والزرع لإنتاج الحبّ (مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ) يعني ما يؤكل منهُ وهو الثمَر ، واختلاف الثمر يكون بالطعم واللّون والحجم والجنس والرائحة (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ) مختلفاً اُكُله كذلك (مُتَشَابِهًا) ، والمعنى : إنّ ثمر الزيتون يشبه ثمر النخيل من حيث الشكل واللّون والحجم ، وكذلك الرمّان يشبه الزرع في تراكب الحبّ لأنّ حبّ الرمّان متراكب بعضه فوق بعض كالذرة مثَلاً ، وحيث أن الرمّان يعصر ولكن عصير الرمّان حامض ويسمّى "رُبُّ الرمّان" ، وكذلك عصير الزيتون زيت نقي يُستعمل في الأكل والطبخ وقلي اللّحم ولأشياء كثيرة ، وقوله (وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) يعني غير مُتشابه في الجنس ولا في الطعم ، فالزيتون لا يشبه التمر في الطعم لأنّ الزيتون مُرُّ الطعم ، والتمر حلو الطعم وإنّما التشابه بينهما في اللون والشكل فقط ، فالزيتونة تشبه التمرة وخاصةً منها تمر البربن تماماً ، وكذلك حبّ الرمّان لا يشبه الحبوب النشويّة في الطعم ولا في الجنس وإنّما التشابه بينهما في تراكب الحب فقط (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ ) للفقراء والمساكين ، يعني أعطوا زكاتهُ (يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ ) بِنَثرِه على الأرض ، يعني لا تُبذّروا الحبّ وتتلفوهُ بإهمالكم وانشغالكم عنهُ فتصيبهُ نار وتُحرقهُ أو تصيبهُ حشرة فتتلفهُ أو يُصيبهُ ماء فيغرقهُ أو مطر فيتعفّن ويفسد (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) أي المبذّرين .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |