كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
143 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ عدد الأنعام الّتي كانت فوق الجبل ونزلت منهُ إلى الأرض المنبسطة مع نزول آدم وحوّاء ، وقد ذكرها في سورة الزُمَر باختصار فقال تعالى {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أي ثمانية أفراد ، يعني أربعة منها ذكور وأربعة إناث ، ومعنى الزوج هو الّذي يزدوج مع صاحبهِ فالذَكر زوج الاُنثى والاُنثى زوج الذَكر . ثمّ فصّلها في هذه السورة فقال تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ ) أي من الغنم (اثْنَيْنِ) ذكر واحد واُنثى واحدة (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) وهيَ الّتي يكسو جلدها شعر أي التيس والعنزة (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذينَ حرّموا على أنفسهم لحمها وركوبها (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ) الله عليكم أكل لحمها (أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ) النعجة والعنزة ، يعني أيّهما حرّم عليكم أكل لحم الذكور منها أم الإناث أم الأجنّة الّتي في بطن الإناث (نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم بأنّ الله حرّمهما ، يعني أخبروني بخبر حقيقي عن كتاب سماوي بأنّ الله حرّم هذه الأنعام في ذلك الكتاب إن كنتم صادقين في دعواكم
144 - (وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ ) ذكر واحد واُنثى واحدة (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ) منها عليكم (أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ ) الناقة والبقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء ) أي حضور (إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا ) التحريم ، كلاّ لم يوصِكم الله بهذا ولم يُحرّمهُ عليكم ولكنّكم تفترون على الله الكذب (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ ) عن طريق الحقّ (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) منهُ لكتاب سماوي بل بهوَى نفسه (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) إلى الصواب .
145 - (قُل) يا محمّد لهؤلاء المشركين (لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ ) شيئاً (مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) أي على آكلٍ يأكلهُ من الأنعام (إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا ) أي سائلاً ، وإنّما خصّ السائل بالذِكر لأنّ ما يختلط باللّحم منهُ مِمّا لا يمكن إزالتهُ مُباح (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) فهذه الثلاثة مُحرّمة تحريماً مؤكّداً (فَإِنَّهُ) أي هذه المحرّمات الثلاثة (رِجْسٌ) أي مرضٌ فاجتَنِبوها (أَوْ فِسْقًا ) "الفِسق" معناه الخروج عن الطاعة ، تقول العرب "فسقت التمرة" إذا خرجت من قشرها ، و"فسقت النواة" إذا خرجت من التمرة ، (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ) يعني أو ذُبِحَ شيءٌ من الأنعام لغير الله قرباناً كان أو نذراً فهو حرام لا يجوز أكلهُ ، والنذر لغير الله لا يجوز سواء من اللّحم كان أو من الأطعمة أو من السُكّريّات أو من الفواكه أو غير ذلك ، ومعنى "الإهلال بالشيء هو إظهار الصوت بالفرح والبهجة ، والمعنى : لا تذبحوا الأنعام قرباناً لغير الله ولا تفرحوا وتبتهجوا بذبيحةٍ لغير الله فإنّ ذلك خروج عن طاعة الله (فَمَنِ اضْطُرَّ ) إلى أكل شيءٍ من هذه المحرّمات (غَيْرَ بَاغٍ ) اللّذّةَ (وَلاَ عَادٍ) أي ولا مُعتدٍ حُدود الله بل ألجأتهُ المجاعة إلى أكل شيءٍ من هذه المحرّمات (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ ) للمضطرّينَ (رَّحِيمٌ) بالجائعين .
146 - (وَعَلَى الّذينَ هَادُواْ ) أي اليهود (حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) من البهائم ، أي كلّ ذي ظفر غير مشقوق وتجترّ ، وهي الجمل والأرنب والوبر ، وكذلك الخنزير مُحرّم عليهم (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ) من الشحم ، وهو اللّحم السمين (أَوِ الْحَوَايَا ) أي ما حملتهُ الحوايا من الشحم فهو غير مُحرّم ، والحوايا هيَ المباعر (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) فهو غير مُحرّم (ذَلِكَ) التحريم (جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ) أي بسبب بغيهم وعصيانهم أمرَ ربّهم (وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ) فيما أخبرناكم بهِ عن بغيهم وعصيانهم وتعنّتهم على موسى نبيّهم فلا يهمّكَ تكذيبهم .
وإليك ما جاء في التوراة من تحريم بعض البهائم على اليهود ، وكذلك تحريم الشحوم ، فقد جاءَ في سِفر التثنية في الإصحاح الرابع عشر قال : [هذهِ لا تأكلوها مِمّا يجترُّ ومِمّا يشقُّ الظلفَ المنقسِمَ الجملُ والأرنبُ والوبرُ لأنّها تجترُّ لكنّها لا تشقُّ ظلفاً فهيَ نجسةٌ لكم ، والخنزيرُ لأنّهُ يشقُّ الظلفَ لكنّهُ لا يجترُّ فهو نجسٌ لكم ، فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا . ]
وأمّا الّذي جاء في تحريم الشحوم عليهم فهو في سِفر لاويين في الإصحاح السابع قال [وكلّمَ الربُّ موسى قائلاً كلّم بني إسرائيل قائلاً كلَّ شحمِ ثورٍ أو كبشٍ أو ماعزٍ لا تأكلوا ، وأمّا شحم الميتة وشحم المفترِسةِ فيستعملُ لكلِّ عملٍ أو صناعةٍ لكن أكلاً لا تأكلوهُ .]
147 - (فَإِن كَذَّبُوكَ ) اليهود فيما أخبرناك بهِ (فَقُل) لهم (رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) ولذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة بل يُمهلكم إلى وقتٍ آخر محدود (وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ ) إذا جاء وقتهُ (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) وهم أنتم .
148 - ثمّ أخبرَ سُبحانهُ عن قول المشركين من العرب حين دعاهم النبيّ إلى الإيمان ونهاهم عن عبادة الأوثان فقال تعالى (سَيَقُولُ) لك (الّذينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ) يعني لو أمرنا الله أن نترك عبادة الملائكة لتركناها ولو أحلّ لنا لحم السائبة والوصِيلة والبَحِيرة لأكلنا لحمها ولكنّ الله حرّم علينا لحومها فحرّمناها نحنُ ، وإنّ الله أحبَّ الملائكة وقرّبها وأمرنا بتقديسها فعظّمناها وقدّسناها لكي تشفع لنا عند الله (كَذَلِكَ) أي كما كذّبوك كذلك (كَذَّبَ الّذينَ مِن قَبْلِهِم ) كذّبوا أنبياءهم (حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ) أي عذابنا (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ ) في كتاب سماوي يُثبت قولكم (فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ) لنقرأهُ كي يتبيّن كذبكم ، ثمّ أخبر عنهم فقال تعالى (إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ) في عقائدكم (وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) أي تقطعون على الكذب وتصرّون عليهِ . وقد سبق تفسيرها في آية 116 ، وكذلك اليوم أصبحت أكثر فِرق الإسلام تُشرك بالله فتعبد قبور المشايخ والأئمة والأنبياء وتقدّسها وتطوف حولها وتقبّلها وتتبرّك بتربتها وتستعين بالمشايخ عند قيامهم وقعودهم وتنذر لها وتسأل حوائجهم منها ، فهذا هو الإشراك الصريح ثمّ يقولون هؤلاء شُفعاؤنا عند الله ، فردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى في سورة الزُمَر {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .
أقول إنّ الّذينَ تدعونهم من دون الله وتزورون قبورهم لا يسمعون دُعاءكم ولا يعلمون بمجيئكم لأنّهم ذهبوا إلى الجنان في السماوات العُلى تحت العرش ولم يبقَ في القبور منهم إلاّ الأجسام البالية الّتي لا تسمع ولا تُبصر ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } يعني عنده في الجنان في السماوات يُرزقون أي يأكلون من أثمار الجنّة ، أمّا الأجسام فلا فائدة فيها لأنّها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بل تتبعثر وتكون تراباً . فمهما تدعوا وتصرخوا وتستغيثوا فلا يسمعوكم ولا يُجيبوا . وكذلك كانت قريش تسأل حوائجها من الملائكة ، لأنّها كانت تعتقد أنّها بنات الله ، فنزل قوله تعالى في سورة فاطر {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ } لأنّهم في السماء بعيدون عنكم {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } لأنّ الأمر كلّهُ بيد الله وليس بأيديهم شيء من ذلك {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } ويتبرّأون منكم لأنّكم أشركتم بالله ما لم يُنزّل بهِ سلطاناً .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |