كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
29 - (وَقَالُواْ) مُنكرو البعث (إِنْ هِيَ ) أي ما هيَ (إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ) الّتي نحنُ فيها ولا حياة بعدها ولا حساب ولا عقاب (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) بعد الموت .
30 - ثمّ أخبر الله تعالى رسوله عن حال من مات من هؤلاء المشركين الّذينَ كذّبوا بآيات الله ورُسُلهِ فقال (وَلَوْ تَرَى ) يا محمّد حالهم (إِذْ وُقِفُواْ ) يعني حين أوقفتهم الملائكة (عَلَى) عذاب (رَبِّهِمْ) أي أطلعتهم على العذاب . يُقال وقفَ زيدٌ على حال عمرو ، أي تبيّنَ لهُ شأنهُ واطّلع على أمورِهِ (قَالَ) الملَك الموكّل بعذابهم (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ) أي بالوعد الحقّ ، يعني أليس هذا العذاب الّذي وعدناكم بهِ وأنذرناكم عنه؟ (قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ ) الملَك (فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) بآيات الله . ومِثلها قولهُ تعالى فيما سبق من السورة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ) ، ومِمّا يؤيّد هذا قولهُ (فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) .
31 - (قَدْ خَسِرَ الّذينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ ) أي بلقاء ثوابهِ وعقابهِ وفرّطوا في حقّهِ فأكلوا رزقهُ وعبدوا غيرهُ (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ ) أي ساعة الموت (بَغْتَةً) أي فجأةً ، حينئذٍ (قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ) يعني على ما ضيّعنا في الدنيا من وقتٍ بلا فائدة فحملنا أوزاراً بدل الحسنات ، فالتفريط معناه التقصير في الأعمال والتضييع في الوقت ، ومن ذلك قول لبيد :
أقضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً أو أنْ يَلُومَ بِحاجَةٍ لَوَّامُهَا
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ ) كتاب (أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ ) ، لأنّ الكافرين يحملون كتاب أعمالهم على ظهورهم ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الإنشقاق {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ، وَيَصْلَى سَعِيرًا } ، (أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) ، والمعنى : ألا ساءَ حِملهم الّذي أخذوهُ معهم لآخرتهم إذ أخذوا السيّئات بدل الحسنات .
32 - (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) للّذينَ يجهلون الآخرة (وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ ) من الدنيا (لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) المعاصي ويفعلون الطاعات (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) أيّها المكذِّبون المعاندون ؟
33 - (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ) قولهم (الَّذِي يَقُولُونَ ) إنّه مجنون وساحر وشاعر (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ) في قلوبهم لأنّهم يعرفونك صادقاً في أقوالك (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ ) منهم ، أي رؤساءهم (بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) تكبّراً منهم وعناداً ، أي بالمتشابه من القرآن يجحدون ويُنكرون . رُوِي أنّه التقَى أخنس بن شُريق وأبو جهل بن هشام فقال له : "يا أبا الحكم أخبرني عن محمّد أصادقٌ هو أم كاذب فإنّه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا؟ " فقال أبو جهل : "ويحك والله إنّ محمّداً لصادق وما كذبَ قطّ ولكن إذا ذهبَ بنو قُصي باللِّواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش؟ "
34 - (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد (فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) وكذلك أنتَ إصبرْ حتّى يأتيك النصر من عندنا (وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ) أي لا تبديل لِما وعدَ بهِ من النصر لك ولأصحابك في المستقبل (وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) أي من أخبار المرسَلين في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على المكذّبين من قومهم ، فاصبرْ ولا تطلبْ مُعجزة مادّية .
35 - لَمّا جاء النبيّ (ع)إلى قريش ودعاهم إلى الإسلام قالوا ائتِنا بمعجزةٍ فنؤمن لك ونصدّقك ، فسأل النبيّ من الله أن يُعطيَهُ معجزة ، فنزل قوله تعالى في سورة العنكبوت {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } ، فقالوا الكتاب وحده لا يكفي نريد معجزة مادّيّة ، فعاد النبيّ يدعو قومه إلى الإسلام ، فقالوا نريد معجزة ، فقال هذا القرآن معجزة ، فقالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، فنزل قوله تعالى في سورة الطور {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } ، فقالوا نريد معجزة كما جاء بِها موسى وصالح وغيرهما من المعجزات المادّية كعصا موسى وناقة صالح ، فسأل اللهَ أن يُعطيَهُ معجزة مادّيّة غير القرآن ، فنزل قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } ومعناه لقد أعطيناك معجزة عِلميّة وهي القرآن فادعُ قومك بِها ، أمّا المعجزة المادّية كالعصا والناقة وغيرها لا فائدة فيها لأنّنا لو أعطيناك معجزة مادّية كما اقترحوا عليك ورأوها بأعينهم لقالوا هذا سِحرٌ مُبين ، فحينئذٍ يجب إهلاكهم ونحنُ لا نُريد إهلاكهم .
ثمّ عاد النبيّ يدعو قومه إلى الإسلام فكرّروا عليه القول وطلبوا منهُ المعجزة وحلفوا بالله أنّهم يؤمنون إن أعطاهم معجزة مادّيّة ، فقال ربِّ إنّ قومي يُريدون معجزة مادّية فنزلت هذه الآية:
(وَإِن كَانَ كَبُرَ ) أي عظُمَ واشتدّ (عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ) وانصرافهم عن الإيمان بدَعوى المعجزة (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ ) أي فإن قدرتَ وتمكّنتَ (أَن تَبْتَغِيَ ) أي تطلب وتتّخذ (نَفَقًا فِي الأَرْضِ ) أي نقباً ومنفذاً في جوف الأرض فادخُل فيهِ وأخرِجْ لهم معجزة إن أمكنك ذلك (أَوْ) اتّخذْ لك (سُلَّمًا) أي مصعداً (فِي السَّمَاء ) فاصعدْ فيهِ إلى السماء وائْتِهم بمعجزةٍ إن كان ذلك باستطاعتك وإرادة قومك ، وذلك قوله تعالى (فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ) أي بمعجزة ، ولكنّ الأمر بأيدينا فإنّنا لا نرى فائدة في المعجزات المادّية ، والأحسن منها اُدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمةِ والموعِظةِ الحسنة (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ) بغير معجزة ، ولكنّ الله يهدي من كان مهيئاً للهداية (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) بتكرارك طلب المعجزة .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |