كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
44 - (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ) من مواعظ رُسُلهم ولم يعملوا بها ولم تلِنْ قلوبهم بالبأساء والضرّاء (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) من خيرات الدنيا (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ ) من المال (أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ) بالعذاب أو بالقتل أو بالطاعون (فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) أي مُفلِسون من المال ومن خيرات الدنيا والآخرة .
45 - (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذينَ ظَلَمُواْ ) يعني فاستُؤصِلَ الّذينَ ظلموا بالعذاب فلم يبقَ لهم عقب ولا نسل (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هذا تعليم لنا وللمؤمنين بأن يقولوا الحمدُ للهِ ربّ العالَمِين الّذي نجّانا من القوم الظالمين . ومِمّا يؤيّد هذا في سورة المؤمنون قولهُ تعالى مخاطباً نوح {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } .
46 - (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ) يعني أخبروني ما رأيكم (إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ ) بالصمم (وَأَبْصَارَكُمْ) بالعمى (وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم ) بالغِشاوة فأصبحتم لا تسمعون صوتاً ولا ترَون شيئاً ولا تفهمون حديثاً (مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ) الهاء من قوله (بِهِ) تعود للسمع لأنّ ذِكرهُ جاء مُفرداً ، وما عطف على السمع داخل الحديث معه ، يعني من يقدر من آلهتكم الّتي تعبدونها من دون الله أن تُعيدَ لكم سمعكم وأبصاركم وتفتح قلوبكم فتزيل ذلك الضرّ عنكم (انظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ) يعني نوضّح لهم الأدلّة ونكرّر لهم الأمثال بأساليب مُختلفة ليفقهوا قولنا ويهتدوا إلى ديننا (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) بعد هذهِ الأمثال والبيّنات الدالّة على صدقك ، ومعنى "يصدفون" يصدّون عنك ويُعرضون عن القرآن ، ومن ذلك قول أبي سُفيان :
عجباً لِحلمِ اللهِ عنّا وقدْ بَدَا لهُ صِدْفُنا عن كلّ حقٍّ مُنزلِ
47 - (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ) أي أخبِروني ما رأيُكم (إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً ) أي فجأةً لا عِلمَ لكم بهِ (أَوْ جَهْرَةً ) أي علانيةً ترَونهُ بأعينكم (هَلْ يُهْلَكُ ) بهِ (إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ) أي الكافرون الّذينَ ظلَموا أنفسهم فأصابوها بالعذاب وظلَموا غيرهم أيضاً إذ دعَوهم إلى عبادة الأصنام .
48 - (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ ) بالنعيم في الجنان لمن وحّد الله وأطاعهُ (وَمُنذِرِينَ) بالعذاب لمن أشرك بالله وعصاهُ (فَمَنْ آمَنَ ) بما جاءَ بهِ المرسَلون (وَأَصْلَحَ) أعماله وسرائرهُ (فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) في الآخِرة من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدنيا .
49 - (وَالّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) الّتي جاءت بها رُسُلنا ولم يؤمنوا بها (يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ ) في الآخِرة (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) أي بسبب فسقهم وتكذيبهم للرُسُل .
50 - قالت قريش للنبيّ (ع) أن كنتَ نبيّاً كما تدّعي فائتِنا بما جاء بهِ عيسى بنُ مريم فنصدّقك فإنّهُ أبرأ الأكمهَ والأبرص وأحيا الموتى وأنبأ بالمغيّبات ، فنزلت هذه الآية ردّاً عليهم (قُل) يا محمّد لهؤلاء المقترِحين عليك (لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ ) أي خزائن رحمته فاُبرئ الأكمه والأبرص واُحيي الموتى كما تقترحون (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) فاُنبِئُكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم كما أنبأ عيسى (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) نزلتُ من السماء ، فإنّ عيسى ملَك أمرهُ الله أن ينزل إلى الأرض ويدخل في جسم الجنين الّذي تكوّن في رحم مريم فكان المسيح ، وقد أعطاهُ الله تلك المعجزات ليرهَبوهُ ولا يقتلوهُ ، ومع ذلك فلم تجدِ نفعاً هذه المعجزات مع بني إسرائيل فإنّ اليهود لَمّا رأوا تلك المعجزات الّتي لم يأتِ بها موسى من قبل أنكروها وقالوا ليست هذه معجزات أنبياء بل هيَ سِحرٌ عظيم من شيطان عليم بالسِحر . أمّا النصارى لَمّا رأوا منهُ تلك المعجزات غالَوا فيه حتّى نسبوهُ إبن الله ، وفرقة اُخرى إدّعت فيه الربوبيّة فقالت هو الله .
إذاً المعجزات المادّية لا فائدة فيها لأنّ عاقبتها تكون الهلاك ودخول النار ، وذلك إذا رأيتم المعجزات الّتي طلبتموها قد حصلتْ فإمّا أن تكذّبوا بها وتقولوا هذا سِحرٌ مُبين كما قالت اليهود في معجزات عيسى ، وإمّا أن تُغالوا فيّ وتقولوا هو إبن الله كما قالت النصارى فيكون مصيركم إلى النار ، إذاً لا فائدة من المعجزات المادّية في إيمانكم ، والأحسن منها أن تفكّروا بعقولكم وتنظروا بأعينكم إلى هذه الأحجار الّتي تعبدونها هل تقدر على نفعكم أو ضُرّكم ، فإن عرفتم أنّها لا تقدر على شيء من ذلك فاتركوها واعبدوا لله ربّكم وخالقكم ورازقكم إن كنتم مؤمنين بقولي (إِنْ أَتَّبِعُ ) أي ما أتّبع من أوامر (إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) من ربّي (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) يعني هل الأعمى عن طريق الحق والبصير بهِ عندكم سواء ، فالأعمى يريد به رئيس المشركين وهو أبو جهل والبصير يريد به رئيس المسلمين وهو محمّد ، والمعنى : كيف تتّبعون أبا جهل وهو أعمى عن طريق الحقّ وتنفرون من محمّد وهو بصير بالحقّ وبالدِين (أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) في ذلك .
51 - (وَأَنذِرْ بِهِ ) أي بالقرآن (الّذينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ ) لسوء بعض أعمالهم ، يعني : أنذِر المؤمنين ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الرحمن {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وقال تعالى في سورة النازعات {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } ، (لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ ) يتولّى أمرهم غير الله (وَلاَ شَفِيعٌ ) يرجون شفاعتهُ غير رحمة الله وعفوهِ عنهم ، أنذِرْهم بهِ (لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) المعاصي ، أي يتجنّبونها .
52 - ولَمّا طعنَ المشركون في فقراء المسلمين وطلبوا من النبيّ أن يطردهم ليُجالسوهُ ، نزل قوله تعالى (وَلاَ تَطْرُدِ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) يعني يذكرون الله في الصباحِ والمساءِ ، والمعنى : يدعونهُ ويذكرونهُ على الدوام ، لأنّ هذه الجُملة مُستعمَلة عند العرب وهي تعبيرٌ عن الدوام (يُرِيدُونَ) بذلك الدعاء (وَجْهَهُ) أي جهتهُ ، يعني يريدون الجنّة الّتي هي في السماء في جهة الله تحت عرشهِ فيكونوا بجواره ، فكلمة "وجه" يُراد بها الجهة وهيَ مُستعملة عند العرب ، والشاهد على ذلك قول اُميّة بن أبي الصّلت :
إذا اكْتَسَبَ المالَ الفَتَى مِنْ وُجُوهِهِ وأَحْسَنَ تَدْبِيْراً لَهُ حِيْنَ يَجْمَعُ
وقال عنترة :
فما تَرَكْتُ لهمْ وَجْهاً لِمُنْهَزِمٍ ولا طريقاً يُنجِّيهِمْ منَ العَطَبِ
(مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ ) إن كان باطنهم غير مُرضٍ ، لأنّ مشركي قريش قالوا للنبيّ : "ما تبعك هؤلاء إلاّ لفقرهم واحتياجهم إلى مواساتك ولكنّهم غير مؤمنين بك إيماناً صادقاً " ، فلا تسمع لقول المشركين (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) لهم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |