كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 55) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

55 - (وَكَذَلِكَ) أي كما ضربنا لهم الأمثال كذلك (نفَصِّلُ) لك (الآيَاتِ) بعد الإيجاز لتعلم أخبار الماضين (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) أي وليتبيّنَ لك طريق المجرِمين الّذي هم فيهِ سائرون

56 - (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ) الملائكة (الّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) وتجعلونهم شُفعاء عند الله (قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ ) فيما تدّعون (قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا ) إن اتّبعتُ أهواءكم (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) لأنّ عبادة المخلوقين إشراك بالله .

57 - (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ) بما جاءني من الوحي وما أعطاني من كتاب (وَكَذَّبْتُم بِهِ ) أي بالقرآن (مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) من العذاب (إِنِ الْحُكْمُ ) في ذلك (إِلاَّ لِلّهِ ) يعني ما الحُكمُ في إنزال العذاب عليكم إلاّ لله وليس لي (يَقُصُّ الْحَقَّ ) علينا بكتابهِ ووحيهِ ويفصلُ بيننا بحُكمهِ (وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) يوم القيامة .

58 - (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) من العذاب (لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) بأن اُنزِل العذاب عليكم وأستريح من شرِّكم ولكن ليس ذلك بيدي (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) ولكن يُمهلهم لمصلحةٍ لا تعلمها .

59 - كانت قريش تحيك المؤامرات ضدّ النبيّ (ع) وتريد الفتك بهِ ، وكان اللهُ تعالى يُخبرهُ بذلك فيأخذ الحذر منهم ، فقال بعضهم لبعض : "مَن أخبر محمّداً بما أضمرناهُ لهُ فهل محمّد يعلم الغيب أم أنّ أحداً من قريش يُخبرهُ بذلك فيأخذ الحذر؟ " فنزلت هذه الآية (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) أي عند الله أنباء الغيب وكشفها ، فكلمة "فتح" معناها كشف عن مُستقبل ، وجمعها "مفاتِح" ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذينَ كَفَرُواْ } أي كان اليهود يُنبئون المشركين من العرب ويكشفون لهم عن نبيٍّ يخرج من أرضهم وبلادهم . وقوله (لاَ يَعْلَمُهَا ) أحدٌ من الناس (إِلاَّ هُوَ ) يعلمها فيخبر بها رسوله ويكشف لهُ عن أسرارهم ليأخذ الحذر (وَيَعْلَمُ) أيضاً (مَا فِي الْبَرِّ ) من مخلوقات برّية (وَالْبَحْرِ) من مخلوقات بحريّة (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ ) من الأشجار (إِلاَّ يَعْلَمُهَا ) فهو يُحصي أعمالكم والملائكة تكتبها (وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) يعني مهما عملتم من صغيرة أو كبيرة تُكتَب في صحائف أعمالكم ويتبيّن لكم ذلك في الآخرة . ونظيرها في سورة سبأ قوله تعالى {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .

60 - (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللّيل ) أي يقبض نفوسكم وقت النوم ثمّ يُعيدها إلى أجسادها وقت اليقظة (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ) يعني ما كسبتم من سيّئات بالجوارح ، وأهمّ جارحة في الإنسان هي اللّسان ، أي يعلمُ ما جرحتم من عواطف بريئة ، وبعبارة اُخرى : ويعلمُ ما تكلّمتم على المؤمنين من غيبةٍ ونميمة ، والخطاب للمشركين (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) أي يبعثكم من نومكم في النهار (لِيُقْضَى) لكم (أَجَلٌ مُّسَمًّى ) أي وقت مُعيّن ، وهي أعماركم فيها إلى وقتِ آجالكم (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) بعد موتكم ، يعني إلى عالم النفوس يكون مرجعكم (ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) من أعمال باطلة وعادات سيّئة . والدليل على أنّهُ خطاب للمشركين قوله تعالى (ثُمَّ يُنَبِّئُكُم ) فالتَنبِيء [أو الإنباء] للكافرين والمشركين ، والحساب والجزاء للموحّدين المذنِبين . وملخّص الآية يقول الله تعالى لا تظنّوا أيّها المشركون أنّ الله غافل عن أعمالكم أو لا يقدر على إماتتكم فإنّ أرواحكم في قبضتهِ وقت نومكم فلو شاء لأماتكم ولكن لا يفعل ذلك حتّى تنتهي آجالكم فيعاقبكم بعد موتكم على ما كسبتم من ظُلمٍ وكفرٍ ونفاق .

61 - (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ ) قهرِ (عِبَادِهِ) يعني كلّ من يقهر المساكين والضُعفاء فالله يقهرهُ (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ) من الملائكة تحفظ عليكم أعمالكم وتكتبُ أقوالكم (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي أسباب الموت (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) أي قَبَضَتْهُ وأخذَتهُ رُسُلنا ، وهم الملائكة الّذينَ أرسلهم ليكونوا عليهِ حفظةً ، وإنّما قال تعالى (تَوَفَّتْهُ) ولم يقل توفّت روحه ، لأنّ النفس الروحانيّة هي الإنسان الحقيقي وما الجسم إلاّ قالب تكوّنت فيهِ النفس ونَشَأت (وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) أي لا يُضيّعون من أعماله شيئاً بل يحتفظون بها ، ولا يضيّعون من حقّه شيئاً فإن كان مُحسناً رافقوهُ في الآخرة وعاملوهُ بالإحسان ، وإن كان مُسيئاً تركوه وعاملوه بالهجران وإن كان كافراً ضربوه وعذّبوه .

62 - (ثُمَّ رُدُّواْ ) الملائكة ، أي رجعوا بعد أن أكملوا أعمالهم مع المتوفّى ، ردّوا (إِلَى اللّهِ ) يعني إلى جواره إلى السماوات الأثيريّة (مَوْلاَهُمُ) أي سيّدهم (الْحَقِّ) أي الّذي يحكمُ بالحقّ فلا يظلم أحداً (أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ ) في جميع ذلك وليس للملائكة شأن فيه (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) أي أسرع المجازين على الأعمال والأفعال . فالإنسان عند انتقاله من الدنيا إلى الآخرة بسبب الموت يلقى جزاءهُ فإن كان مُحسناً جُوزيَ بالإحسان وإن كان مُسيئاً استولى عليهِ الشيطان فيُعذّبُ ويُهان .

63 - (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) إذا تِهتُم فيهما أو أصابتكم شِدّة في إحداهما . الظُلمة كناية عن الشِّدّة ، تقول العرب لليوم الّذي تلقى فيهِ شِدّة "يومٌ مُظلم" حتّى أنّهم يقولون "يومٌ ذو كواكب" أي قد اشتدّت ظُلمتهُ حتّى صار كاللّيل ، وأنشد شاعرهم :

                                    بَنِي أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُون بَلاءَنا      إذا كانَ يَوْماً ذا كَواكِبَ أشْنَعا

(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً ) أي مُتضرّعين جهراً (وَخُفْيَةً) يعني جهراً وسِرّاً ، قائلين (لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ ) الشِّدّة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لنعمائك علينا .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم