كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 60) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

60 - (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللّيل ) أي يقبض نفوسكم وقت النوم ثمّ يُعيدها إلى أجسادها وقت اليقظة (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ) يعني ما كسبتم من سيّئات بالجوارح ، وأهمّ جارحة في الإنسان هي اللّسان ، أي يعلمُ ما جرحتم من عواطف بريئة ، وبعبارة اُخرى : ويعلمُ ما تكلّمتم على المؤمنين من غيبةٍ ونميمة ، والخطاب للمشركين (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) أي يبعثكم من نومكم في النهار (لِيُقْضَى) لكم (أَجَلٌ مُّسَمًّى ) أي وقت مُعيّن ، وهي أعماركم فيها إلى وقتِ آجالكم (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) بعد موتكم ، يعني إلى عالم النفوس يكون مرجعكم (ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) من أعمال باطلة وعادات سيّئة . والدليل على أنّهُ خطاب للمشركين قوله تعالى (ثُمَّ يُنَبِّئُكُم ) فالتَنبِيء [أو الإنباء] للكافرين والمشركين ، والحساب والجزاء للموحّدين المذنِبين . وملخّص الآية يقول الله تعالى لا تظنّوا أيّها المشركون أنّ الله غافل عن أعمالكم أو لا يقدر على إماتتكم فإنّ أرواحكم في قبضتهِ وقت نومكم فلو شاء لأماتكم ولكن لا يفعل ذلك حتّى تنتهي آجالكم فيعاقبكم بعد موتكم على ما كسبتم من ظُلمٍ وكفرٍ ونفاق .

61 - (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ ) قهرِ (عِبَادِهِ) يعني كلّ من يقهر المساكين والضُعفاء فالله يقهرهُ (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ) من الملائكة تحفظ عليكم أعمالكم وتكتبُ أقوالكم (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي أسباب الموت (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) أي قَبَضَتْهُ وأخذَتهُ رُسُلنا ، وهم الملائكة الّذينَ أرسلهم ليكونوا عليهِ حفظةً ، وإنّما قال تعالى (تَوَفَّتْهُ) ولم يقل توفّت روحه ، لأنّ النفس الروحانيّة هي الإنسان الحقيقي وما الجسم إلاّ قالب تكوّنت فيهِ النفس ونَشَأت (وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) أي لا يُضيّعون من أعماله شيئاً بل يحتفظون بها ، ولا يضيّعون من حقّه شيئاً فإن كان مُحسناً رافقوهُ في الآخرة وعاملوهُ بالإحسان ، وإن كان مُسيئاً تركوه وعاملوه بالهجران وإن كان كافراً ضربوه وعذّبوه .

62 - (ثُمَّ رُدُّواْ ) الملائكة ، أي رجعوا بعد أن أكملوا أعمالهم مع المتوفّى ، ردّوا (إِلَى اللّهِ ) يعني إلى جواره إلى السماوات الأثيريّة (مَوْلاَهُمُ) أي سيّدهم (الْحَقِّ) أي الّذي يحكمُ بالحقّ فلا يظلم أحداً (أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ ) في جميع ذلك وليس للملائكة شأن فيه (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) أي أسرع المجازين على الأعمال والأفعال . فالإنسان عند انتقاله من الدنيا إلى الآخرة بسبب الموت يلقى جزاءهُ فإن كان مُحسناً جُوزيَ بالإحسان وإن كان مُسيئاً استولى عليهِ الشيطان فيُعذّبُ ويُهان .

63 - (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) إذا تِهتُم فيهما أو أصابتكم شِدّة في إحداهما . الظُلمة كناية عن الشِّدّة ، تقول العرب لليوم الّذي تلقى فيهِ شِدّة "يومٌ مُظلم" حتّى أنّهم يقولون "يومٌ ذو كواكب" أي قد اشتدّت ظُلمتهُ حتّى صار كاللّيل ، وأنشد شاعرهم :

                                    بَنِي أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُون بَلاءَنا      إذا كانَ يَوْماً ذا كَواكِبَ أشْنَعا

(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً ) أي مُتضرّعين جهراً (وَخُفْيَةً) يعني جهراً وسِرّاً ، قائلين (لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ ) الشِّدّة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لنعمائك علينا .

64 - (قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ) أصابكم غيرها (ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ) بهِ ولا توحّدونهُ في العبادة . وقد جرت هذه العادات اليوم في المسلمين وانطبقت فيهم هذه الآية فترى أكثرهم يعبدون قبور المشايخ والأئمّة والأنبياء ويُقدّسونها وينذرون لها ويتبرّكون بتربة تلك القبور ويُقبّلون جُدران الأضرحة ، ولكن إذا أصابتهم شِدّة تضرّعوا إلى الله فيكشف ما بهم من ضُرٍّ فإذا زال الخوف عنهم عادوا إلى إشراكهم .

65 - (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ) أيّها المشركون ، وذلك كالصواعق والشهُب والنيازك والمذنبّات والأعاصير والحرّ والبرد فيُهلككم بإحداها (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) وذلك كالخسف والزلزال والبُركان والغرَق بمياه البحر والميكروبات الّتي على وجه الأرض فيهلككم بواحدةٍ منها (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ) يعني أو يجعل الأمر مُلتبساً عليكم فتصبحون شيَعاً ، يعني فِرقاً وأحزاباً مُتضادّة فتقع العداوة بينكم (وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) بالقتال الّذي ينشب فيما بينكم نتيجة العداوة (انظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها ونكرّرها على شكل أمثال ومواعظ وإنذارات (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) أي لكي يعلموا الحقيقة وتزول عنهم الشبهة والشكّ .

66 - لَمّا أنذرهم بالعذاب في الآية السابقة كذّبوا بهِ وسخروا ، فنزل قوله تعالى (وَكَذَّبَ بِهِ ) أي بالعذاب (قَوْمُكَ) يا محمّد كما كذّبت اُمَمٌ من قبلهم (وَهُوَ الْحَقُّ ) أي وهو مُصيبهم لا محالة (قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) أي بحفيظ ، والمعنى : قل لهم إذا حلّ العذاب بكم فلا أقدر حينئذٍ على رفعهِ ولا دفعهِ عنكم فماذا يكون حينئذٍ مصيركم؟

67 - (لِّكُلِّ نَبَإٍ ) أي لكلّ خبرٍ أخبرناكم عنه (مُّسْتَقَرٌّ) يعني وقتٌ يستقرّ العذاب عندكم ويدوم عليكم (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ذلك حين وقوعه .

68 - (وَإِذَا رَأَيْتَ الّذينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ) بالتكذيب لها والاستهزاء بها (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) ولا تكلّمهم بأمر الدين والدعوة (حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) من أمر الدنيا (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ) أي يُنسيك إتمام حديثك مع من تُكلّمهم من قريش ، ويريد به شيطان الإنس وهو أبو جهل جاء والنبيّ جالس مع جماعة من قريش يُحدّثهم ويدعوهم إلى الإسلام وإلى عبادة الله ، فلمّا رآه أبو جهل أخذَ في تأنيبهِ وإهانتهِ فسكتَ النبيّ عن حديثهِ ، فهذا معنى قوله تعالى (فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى ) "الذِكر" معناه الموعظة ، والمعنى : فلا تقعد معهم بعد أن وعظتهم وذكّرتهم بعقاب الله (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الناس ويسلبون حقّهم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم