كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
92 - (وَهَـذَا) القرآن (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ) على محمّد كما أنزلنا التوراة على موسى ، هو (مُبَارَكٌ) لأتباعهِ فيزدادون بسببهِ ويتكاثرون يوماً بعد يوم (مُّصَدِّقُ) رسالة محمّد (الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) الكتاب ، يعني أنزلنا القرآن مُصدّقاً لمحمّد الّذي بين يديه الكتاب بما فيهِ من أدلّة وبراهين تثبتُ صِدقهُ . ثمّ وجّه الخطاب إلى النبيّ فقال تعالى (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) بهِ ، يعني لِتُنذِرَ أهل مكّة ومن سكنَ حولها بالقرآن (وَالّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) يعني المسلمين الّذينَ أيقنوا بوجود الأرواح والعالم الآخر (يُؤْمِنُونَ بِهِ ) أي يُصدّقون بالقرآن ويوقنون بالعالم الثاني الّذي ينتقلون إليهِ بعد الموت (وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) أي يواظِبون .
93 - ونزل فيمن ادّعَى النبوّة باطلاً كمُسيلمة وغيره (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ) بادّعائهِ النبوّة أو الرسالة (أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ ) من الله (وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) من ذلك (وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ) من آيات في القرآن ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حال الماضين من هؤلاء الّذينَ ادّعَوا النبوّةَ باطلاً في بني إسرائيل فقال تعالى (وَلَوْ تَرَى ) يا محمّد حال هؤلاء الْمُفترين على الله الكذب بادّعائهم هذا (إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ) أي في سكرات الموت وشدائدهِ . "الغمرة" معناها الشِّدّة ، تشبيهاً بالغريق الّذي غمرتهُ مياه البحر ، ومن ذلك قول عنترة :
يا عبلُ كم من غَمرةٍ باشَرتُها بالنفسِ ماكادَتْ لَعَمْرُكِ تَنْجَلِي
وقال الفرزدق :
ونَجَّى أبا الْمِنْهالِ ثانٍ كَأَنّهُ يَدا سابِحٍ في غَمْرَةٍ يَتَذَرَّعُ
وجمع غَمْرة غمَرات ، ومن ذلك قول عنترة :
من كلّ أرْوَعَ لِلكُماةِ مُنازِلٍ ناجٍ منَ الغمَراتِ كالرِّئبالِ
(وَالْمَلآئِكَةُ) أي ملائكة الموت (بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ ) إلى الْمُستحضر منهم الّذينَ هم على فراش الموت ، يقولون لهم (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ) من أجسامكم (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) أي عذاب الهوان ، يعني الذلّ والإهانة ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني :
لا أَخذَعُ البَوّ بَوّ الزَعمِ أَرأَمُهُ وَلا أُقيمُ بِدارِ العَجزِ وَالهُونِ
وقال ذو الإصبع العدواني :
إذهبْ إلَيْكَ فَما اُمِّي بِراعِيَةٍ تَرْعَى الْمَخاضَ ولا أُغْضِي عَلَى الْهُونِ
وقال الآخر :
أَنّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللّهِ وَاسِعَةً تُنْجِي مِنْ الذّلّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
(بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ) الكذب (غَيْرَ الْحَقِّ ) أي غير الحقيقة (وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) فلا تؤمنون بها بل تقولون لو نشاءُ لقلنا مثل هذا ، ثمّ لا تقولون .
94 - (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا ) بعد موتكم (فُرَادَى) بلا أزواج ولا أولاد ولا لباس (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ ) عُراةً (أَوَّلَ مَرَّةٍ ) حين خرجتم من بطون اُمّهِاتكم (وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ ) من المال والأزواج والأولاد (وَرَاء ظُهُورِكُمْ ) أي خلفكم في الدنيا لم ينفعكم اليوم شيئٌ منها ، والمعنى : تركتم الأموال وحملتم من الذنوب الأحمال واستمتع غيركم بما خلّفتم من المال وحوسبتم عليه فيا لها من حسرة (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ ) أي ليس معكم من كنتم تزعمون أنّهم يشفعون لكم (الّذينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ ) أي في رأيكم وعقائدكم أنّهم (شُرَكَاء) لله (لَقَد تَّقَطَّعَ ) الإتّصال (بَيْنَكُمْ وَضَلَّ ) أي ذهبَ وضاعَ (عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) في الدنيا من شفاعتهم .
وكذلك اليوم أصبحت أكثر المسلمين تذنب وتعمل الموبقات وتقول هؤلاء المشايخ شفعاؤنا عند الله ، فيجعلون المشايخ والأئمّة وقبور الإنبياء شفعاء بزعمهم كما زعمت قريش والمشركون من العرب بأنّ الملائكة تشفع لهم عند الله ، فردّ الله عليهم وكذّب عقائدهم فقال تعالى في سورة الزُمَر {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } ، وقال تعالى في سورة الأنبياء {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } ، وقال تعالى في سورة المدّثّر {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } .
95 - (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ) لا أصنامكم ولا أوثانكم لها القُدرةُ على ذلك فيجب عليكم أن تعبدوهُ وحدهُ ولا تعبدوا غيرهُ ، ومعنى "فالق" شاقُّ الحبّة بالنبات ، وشاقّ النواة بالشجر والنخل ، يعني يشقُّ الحبّة فيخرج منها النبات ويشقُّ النواة فيخرج منها الشجرة أو النخلة وذلك حين زرعها في الأرض (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) يعني يُخرج النبات الحيّ النامي المتكاثر من الأرض الميّتة (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ) وذلك كالصمغ من الشجر ، والزيت من شجر الزيتون ، والألياف من النخيل ، واللّؤلؤ من حيوان داخل محّارة ، والمسك من الغزال ، والعنبر من الحوت ، والشعر من المعز ، والصوف من الغنم ، والوبر من الإبل ، والعاج من الفيل ، والريش من الطير ، والعسل من النحل ، واللّبن من الأنعام ، والقزّ من الحشرة ، كلّ هذه جعلها لمنافعكم وأنتم تعبدون غيره (ذَلِكُمُ) الّذي خلقَ لكم هذه الأشياء هو (اللّهُ) ربّكم (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) يعني فكيفَ تُصرفون عن عبادتهِ إلى عبادة غيره إذ الْمُنعم عليكم بهذه النِّعم هو الله لا غيره من المخلوقين .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |