كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
16 - (قَالَ) إبليس (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ) بتقريبي منك وجعلتني رئيساً على الملائكة فظننتُ أنّك لا تطردني من منزلتي إن أنا تركتُ بعض واجباتي ولا تُعاقبني إن أنا لم أمتثل بعض أوامرك . فهذا معنى "أغويتني" ، فإنّ الله تعالى لا يغوي أحداً ولكنّ إبليس أخذه الغرور بمنزلته فأغواه جهلهُ بعواقب الاُمور وأوقعه تكبّره في المعصية ، وقوله (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) تقديره لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم فأصدّهم عنه ، يعني أصدّهم عن الدين المستقيم الّذي يوصلهم إليك فيجب على الإنسان أن يتجنّب هاتين الخِصلتين على الدوام لئلاّ يقع في الهاوية كما وقع إبليس ، والخِصلتان هما الغرور والتكبّر .
17 - وقوله (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم ) يعني لأولاد آدم (مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ) لكي أغويهم ، مُفرد الأيمان يمين ، ومُفرد الشمائل شمال ، والمعنى : آتيهم من جهة اليمين ومن جهة الشمال لإغوائهم وتكفيرهم (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) بل أكثرهم كافرين .
18 - (قَالَ) الله تعالى لإبليس (اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا ) أي مذموماً ممقوتاً (مَّدْحُورًا) أي مطروداً ، والعقاب (لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ) يعني من أولاد آدم (لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ) يعني من الجنّ والإنس ، لأنّ إبليس أبو الجنّ .
19 - ثمّ خاطبَ آدم فقال الله تعالى (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) المادّية ، وهي بستان وكانت فوق جبل (فَكُلاَ) أنت وزوجك (مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ) من أثمار الجنّة ، أي من البستان (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) وهي شجرة العلّيق (ﻋﻠﮕﺔ) ، (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) لنفسيكما ، وإنّما منعهما من الاقتراب إلى شجرة العلّيق لأنّ فيها شوكاً يُمزّق ثيابهما إن تناولا من ثمرتها ، فكان المنع منهُ سُبحانهُ شفقةً بهما .
20 - (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا ) يعني ليكشفَ لهما ما توارى وخفيَ عنهما (مِن سَوْءَاتِهِمَا ) أي من عوراتهما إن أكلا من توت العلّيق ، وذلك إن تناولا منهُ تخلّل الشوك ثيابهما فمزّقها فحينئذٍ تنكشف عورة أحدهما للآخر فيعلم آدم أنّ حوّاء اُنثى وليست مثلهُ في الخلقة وكذلك حوّاء تعلم أنّ آدم ذكر وليس مِثلها في الخلقة فحينئذٍ يزدوجان كما تزدوج الأنعام الموجودة على ذلك الجبل (وَقَالَ) لهما بالوسوسة (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) أي من المخلّدين الّذينَ لا يموتون .
21 - (وَقَاسَمَهُمَا) أي حلفَ لهما بالله حتّى خدعهما (إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) .
22 - (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ) أي خدعهما حتّى انقادا لرأيهِ (فَلَمَّا ذَاقَا ) طعم الثمرة من (الشَّجَرَةَ) وهي توت العلّيق (بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ) أي حينئذٍ انكشفت لهما عوراتهما ، وذلك بسبب الشوك الّذي في الشجرة مزّقَ ثيابهما فظهرت عوراتهما ، فصار آدم ينظر إلى عورة حوّاء وهيَ تنظر عورة آدم ، إذ كانا قبل ذلك لم تنكشف لأحدٍ منهما عورة صاحبهِ ولم يدخل بها آدم قبل ذلك (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ) يعني وأخذا يُرقّعان ثيابهما وهي عليهما من أوراق أشجار الجنّة ، ولَمّا لم تنجح عمليّة الترقيع بالورق إنتزعا ثيابهما الممزّقة واتّخذا غيرها بعد ذلك الحادث (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ) والاقتراب منها (وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) فلماذا خالفتما أمري ودنوتما من الشجرة ثمّ أكلتما من توتها فمزّقَ شوكها ثيابكما وخدشَ أيديكما وحلّ بكما ما قد حلّ من تخديش للأيدي وتمزيق للثياب ؟
23 - (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) باقترابنا من الشجرة وأكلِنا من توتها (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا ) خطيئتنا (وَتَرْحَمْنَا) بقبول عُذرنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
24 - (قَالَ) الله تعالى (اهْبِطُواْ) من الجبل إلى الأرض المنبسطة (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) جزاءً لعصيانكم ، فصار أولاد آدم بعضهم يُعادي بعضاً (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) أي بيوت تستقرّون فيها (وَمَتَاعٌ) تستمتعون بهِ من لباس وأثاث وحُلي وغير ذلك (إِلَى حِينٍ ) يعني إلى وقت مُعيّن ، وهو يوم موتكم تنفصلون من متاعكم هذا ، ويوم القيامة تنفصلون من الأرض وتصعدون إلى الفضاء حيث يكون المحشر ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم وتكون قِطعاً صغيرة .
25 - (قَالَ) الله تعالى (فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) إلى الفضاء وأنتم في ذلك اليوم نفوس أثيريّة .
26 - ثمّ خاطب الله تعالى أولاد آدم فقال (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ ) أي يسترُ عوراتكم ، واللّباس المذكور هنا هو لباسان أحدهما مادّي والآخر أثيري أي روحاني ، فالمادّي هو عامّ لجميع الناس ، أمّا الأثيري فهو خاصّ للأنبياء والأولياء والصالحين من الناس وذلك بعد الموت ، لأنّ الإنسان إذا مات خرجت النفس من الجسم وهي عُريانة فإن كانت من الصالحين أنزلت لَها الملائكة ثوباً من السماء تلبسهُ وتستر بهِ عورتها . أمّا اللّباس المادّي فهو من صوف الغنم ووبر الإبل تُصنع منها ثياب وألبسة بعد الغزل والنسج ،
وإنّما قال الله تعالى (قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ ) لأنّ الأنعام نزلت من الجبل الذي خلق الله تعالى فيه آدم وحوّاء ، ولَمّا نزل آدم من ذلك الجبل إلى الأرض المنبسطة نزلت تلك الأنعام إلى الأرض المستوية لأنّ المياه جفّت فوق الجبل والنباتات يبست فلم يبقَ للأنعام ما تأكل وتشرب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ..الخ } أي أنزلها من الجبل ، ثمّ اتّخذ الناس من أصوافها لباساً وأثاثاً .
وقوله (وَرِيشًا) يُريد بهِ الأفرشة والأثاث التي تُصنع من الصوف والشعر والوبر ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة النحل {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } . والشاهد على ذلك قول الخنساء :
أبْلِغْ مَوالِيَهُ فَقَدْ رُزِئوا مولىً يَرِيشُهُمُ ولا يَشْرِي
أي ولا يأخذ بدلاً عن الأرياش ، وقال الآخر :
ورِيشِي مِنْكُمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ وإنْ كانَتْ زِيارَتُكُمْ لِمامَا
وقال الآخر :
فرِشْني بخيرٍ طالَما قَدْ بَرَيْتَنِي فَخَيْرُ الْمَوالِي مَنْ يَرِيشُ ولا يَبْرِي
وكذلك الطيور نزلت من ذلك الجبل فاتّخذ الناس من ريشها مقاعد ومساند ومراوح وغير ذلك ،
(وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ) أي وأنزل لكم لباساً تتّقون بهِ ضرب عدوّكم ، وهي الدروع والمجنّ والخوذ المصنوعة من الحديد ، والمعنى : أنزل عليكم الحديد فاتّخذتم منه دروعاً تتّقون بِها ضرب عدوّكم وتحميكم من القتل ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحديد {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } .
وتعليل ذلك أنّ في الفضاء نيازك تدور حول الأرض كما يدور القمر وقد يسقط بعضها أحياناً على الأرض فيجد الناس في تلك النيازك قِطعاً من الحديد الطلق فيأخذونهُ ويعملون منهُ دروعاً وآلات اُخرى ، لأنّ الناس كانوا قبلاً لا يعرفون تعدين الحديد من خاماتهِ ولا يوجد الحديد طليقاً على وجه الأرض لشدّةِ اتّحادهِ بالأوكسجين لذلك كانوا يُفتّشون عنه في النيازك الساقطة من الفضاء ، وإنّما يوجد الحديد طليقاً في النيازك لأنّ الأوكسجين قليل في الطبقة التي فيها النيازك ،
أمّا قوله تعالى (ذَلِكَ خَيْرٌ ) أي لباس التقوى خيرٌ لكم من الريش لأنّهُ يصونكم من الضرب ويحرسكم من القتل (ذَلِكَ) الحديد والنيازك (مِنْ آيَاتِ اللّهِ ) أي من عجائبهِ وإتقان مصنوعاته وهي النيازك تسير فوقنا كالسحاب ولا تسقط مع أنّها أجرام ثقيلة ، وقد شرحتُ عنها في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً ، وقوله (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي يتّعظون إذا عرفوا هذهِ النِّعَم وفكّروا فيها تكفيهم دلالةً على أنّ الله واحد لا شريك لهُ ، وأنّ الأصنام لا قدرةَ لها على شيء من ذلك .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |