كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 162) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

162 - (فَبَدَّلَ الّذينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ )

سبق تفسير مِثل هاتين الآيتين في سورة البقرة آية 58 و59 .

163 - (واَسْأَلْهُمْ) أي واسأل قوم موسى يا محمّد سؤال توبيخ (عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ) أي على شاطئ البحر وهي قرية إيلات (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) أي يعتدون ويُجاوزون الحدّ في صيد الأسماك يوم السبت وكان محرّماً عليهم الصيد فيهِ (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ) أي تأتيهم الأسماك قاصدات نحوهم ليرموا لهنّ طعاماً ، والشاهد على ذلك قول لبيد بن ربيعة يصف الخيل :


                            وإذا الأسِنَّةُ أُشْرِعَتْ لنُحُورِها      أبْدَيْنَ حَدَّ نَواجِذِ الأنْيابِ

وقال حسان :
                                 وَمُرَنَّحٍ فِيهِ الأسِنَّةُ شُرَّعاً      كَالجَفْرِ غَيْرِ مُقَابَلِ الأَعْمَامِ

وقال عنترة :
                     ودَنَا الشُّجاعُ من الشُّجاعِ وأُشرِعَتْ      سُمْرُ الرِّماحِ علَى اخْتِلافِ قَنَاهَا

(وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ ) وذلك لنختبرهم هل يصيدون السمك أم يمتثلون أوامر ربّهم (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم ) أي نختبرهم بهذا (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) .

164 - ولَمّا صادوا السمك ، إفترقوا فصاروا ثلاث فِرَق : فرقة صادوا وفرقة نهَوا عن ذلك وفرقة سكتوا ولم يصيدوا (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ ) أي فرقة منهم ، وهم الّذينَ سكتوا ولم يصيدوا قالوا لِلّذينَ نهَوا عن الصيد (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ ) يعنون من صاد السمك (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) أي مهلكهم بالطاعون أو معذّبهم في الآخرة إن لم يهلكوا بالطاعون (قَالُواْ) أي قالت الفرقة الناهية (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) يعني نهَيناهم عن ذلك ليكون لنا عذرٌ عند ربّكم إذا سألنا عن ذلك يوم القيامة فنقول نهَيناهم فلم ينتهوا (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) يعني ولعلّ الصيّادين يتّقون عقاب الله فينتهوا عن صيد السمك يوم السبت إذا نهَيناهم .

165 - (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ) يعني فلَمّا استمرّوا على ذلك حتّى نسوا ما وُعِظوا به من النهي عن الصيد في أيّام السبت ، حينئذٍ سلّطنا عليهم أعداءهم فقهروهم وقتلوهم وأسروهم و(أَنجَيْنَا الّذينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الّذينَ ظَلَمُواْ ) أنفسهم ، يعني الّذينَ صادوا (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) أي مُخزٍ مُذلٍّ بأيدي أعدائهم ، ومن ذلك قول حسّان :

                  ما يقسِمِ اللهُ أقبَلْ غيرَ مُبْتَئِسٍ      مِنْهُ وأقْعُدْ كَرِيماً ناعِمَ البالِ

فقول الشاعر " غيرَ مُبْتَئِسٍ " يعني غير حزين ولا ذليل ، وقال الحُطيئة :

                 لا يَصْبِرونَ ولا تَزالُ نِساؤُهُمْ      تَشْكُو الهَوانَ إلَى البَئِيسِ الأَبْأَسِ
            رَهْطُ ابنِ جَحْشٍ في الخُطُوبِ أذِلَّةٌ      دُسْمُ الثِّيابِ قَناتُهُمْ لَمْ تُضَرّسِ

وقال حسّان :
                     فَكُلُّ مَعَدٍّ قَدْ جَزَيْنَا بِصُنْعِهِ      فَبُؤْسَى بِبُؤْسَاهَا وَبِالنُّعْمِ أَنْعُمَا

(بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) بين قومهم .

166 - (فَلَمَّا عَتَوْاْ ) فلمّا خالفوا أمرَ ربّهم وازدادوا في عصيانهم (عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ) من الصيد والبيع والشراء في أيّام السبت (قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين حقيرين كالقِرَدَة . وهذه كناية عن إذلالهم وتحقيرهم وليس معناه مُسِخوا قِرَدَة . فكلّ جملة تأتي في القرآن بهذه العبارة هي كناية عن إذلالهم ، وهي (كُونُواْ) ونظيرها قوله تعالى في سورة البقرة {فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثمّ أَحْيَاهُمْ } فكلمة {مُوتُواْ} كناية عن ذلّهم ، {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } يعني أعزّهم . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهي قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . وسبقت قصّة نحميا بن حكليا معها .

167 - (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ) يا محمّد ، يعني وإذ استأذن أعداء اليهود من ربّك في قتالهم فأذن لهم كان القدماء يتفاءلون بالسهام فيكتبون على رقعةٍ "إفعل" ويكتبون على الثانية "لا تفعل" ثمّ يرمونهما بسهم فإذا وقع السهم على الاُولى يقولون أذِنَ لنا ربّنا في ذلك ، وإذا وقع السهم على الثانية قالوا لم يأذن لنا في ذلك . فأخذ نبوخذنصّر سهماً واستأذن الله في قتال بني إسرائيل ورمَى السهم فوقع على الرقعة الاُولى المكتوب فيها " إفعل"، فسار بجيشهِ وحاربهم وانتصر عليهم .

وهذا معنى قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ ) أي سألوه الإذن في قتالهم فأذنَ لهم . ثمّ أقسم الله تعالى (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) أي من يعاملهم بأسوأ العذاب (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ) للظالمين (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالمؤمنين .

168 - (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ) أي فرّقناهم ليكونوا ذليلين (أُمَمًا) أي جماعات مختلفة في اللّغات منهم فُرس وعرب وتُرك وأكراد وغير ذلك (مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ) في أعمالهم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ) أي غير صالحين (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ) أي عاملناهم بالخير مرّة وبالشرّ اُخرى (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم وغيّهم .

169 - (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ) يعني فذهب الآباء وقام الأبناء مقامهم (وَرِثُواْ الْكِتَابَ ) عن آبائهم وأجدادهم ، والكتاب هو التوراة ، والمقصود بذلك علماء اليهود (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى ) أي يأخذون المال رشوة في حكمهم للناس فيحكمون باطلاً لأجل المال الذي هو عَرَضٌ زائل في هذه الدنيا ، يقال في المثَل : "الدنيا عَرَضٌ حاضِر يأكلُ منه البَارُّ والفاجِر" ، (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) يعني يأخذون الرشوة ويحكمون باطلاً ثمّ يقولون سيغفر الله لنا هذه المرّة ولا نعود نأخذ رشوة من أحد ، ولكنّهم يكذبون على أنفسهم (وَإِن يَأْتِهِمْ ) في الغد (عَرَضٌ مُّثْلُهُ ) أي مِثل الذي جاءهم بالأمس من المال (يَأْخُذُوهُ) ولا يخشَون عقاب الله (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ ) يعني ألم تأخذ عليهم أنبياؤهم العهود وتشدّد عليهم المواثيق بأن يتّقوا الله في جميع أوامره ويحكموا بين الناس بالحقّ وتلك العهود والمواثيق مكتوبة عندهم في التوراة وهم يقرأونها ، ألم نأخذ عليهم الميثاق (أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ) في الحكم بين الخصمَين ، فلماذا يحكمون باطلاً وهم قد قرأوا الكتاب (وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ ) من أحكام وقوانين شرعية ، وقليل منهم يتّقون الله ولا يأخذون الرشوة (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) ولا يأخذون الرشوة (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) يا أحبار اليهود وتتركون الرشوة وتحكمون بالعدل ؟

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم