كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
172 - (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) العهود والمواثيق (مِن بَنِي آدَمَ 160) الماضين (مِن ظُهُورِهِمْ ) أي من ظهرانيهم يعني من أسلاف اليهود الّذينَ سبق ذكرهم ، واليهود الموجودون هم (ذُرِّيَّتَهُمْ) أي هم من ذرّية الظهور الماضين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) فقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ ) أي قالت اليهود (بَلَى) أنت ربُّنا ، قال الله تعالى أتشهدون أنّي واحد لا شريك لي؟ قالوا (شَهِدْنَا) قال الله تعالى (أَن تَقُولُواْ ) يعني لئلّا تقولوا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) يعني عن التوحيد غافلين فلم نعلم أن لا شريك لك ولم يُفهمْنا أحد ، فإنّا أفهمناكم وعلّمناكم وأشهدناكم على أنفسكم .
173 - (أَوْ تَقُولُواْ ) يوم القيامة (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ ) أي من قبلنا (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ) يعني وكنّا ذرّيتهم من بعدهم فتَعَلّمْنا الإشراك منهم ، فإنّنا وصّينا آباءكم أن يعلّموكم ويرشدوكم إلى التوحيد ونبذ الأصنام وتحطيمها أينما وُجِدَت ، فلا تقولوا (أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) من آبائنا وأجدادنا ؟
والعهود قد أخذها عليهم أنبياؤهم بأمرٍ من الله وهيَ أن يعبدوا الله وحدهُ ولا يشرِكوا بهِ شيئاً من المخلوقين والمخلوقات وأن يوصي الآباء أبناءهم بذلك جيلاً بعد جيل لئلاّ ينسَوا العهود والمواثيق فيعبدوا غير الله .
وإليك بعض العهود التي أخذها عليهم أنبياؤهم بذلك وأشهدهم على أنفسهم : فقد جاء في مجموعة التوراة في سِفر يشوع في الإصحاح الرابع والعشرين قال يشوع مخاطباً قومه :
[وَإِذَا تَرَكْتُمُ الرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً يَرْجعُ فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ وَيُفْنِيكُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ». فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: « لاَ. بَلِ الرَّبَّ نَعْبُدُ». فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: «أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ قَدِ اخْتَرْتُمْ لأَنْفُسِكُمُ الرَّبَّ لِتَعْبُدُوهُ». فَقَالُوا: «نَحْنُ شُهُودٌ». «فَالآنَ انْزِعُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي فِي وَسَطِكُمْ وَأَمِيلُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: «الرَّبَّ إِلهَنَا نَعْبُدُ وَلِصَوْتِهِ نَسْمَعُ». وَقَطَعَ يَشُوعُ عَهْدًا لِلشَّعْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَجَعَلَ لَهُمْ فَرِيضَةً وَحُكْمًا فِي شَكِيمَ. وَكَتَبَ يَشُوعُ هذَا الْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ اللهِ. وَأَخَذَ حَجَرًا كَبِيرًا وَنَصَبَهُ هُنَاكَ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي عِنْدَ مَقْدِسِ الرَّبِّ. ثمّ قَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «إِنَّ هذَا الْحَجَرَ يَكُونُ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ لِئَلاَّ تَجْحَدُوا إِلهَكُمْ». 28ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ الشَّعْبَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ." ]
174 - (وَكَذَلِكَ) أي كما فصّلنا الآيات لهؤلاء اليهود الّذينَ كانوا في زمن موسى ويوشع كذلك (نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) لليهود المعاصِرين لك يا محمّد ليفكّروا بها (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن غيّهم وعنادهم ويُسلموا .
175 - (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ) أي إقرأ على اليهود يا محمّد أخبار الماضين المكتوبة في توراتهم لكي يفكّروا ويعتبروا ولا يكونوا مِثلهم فيخسروا ، ومن تلك الأنباء (نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ) وهو بلعام بن بَعور71 وكان رجلاً عالماً عابداً مُستجاب الدعوة وكان في زمن يوشع (فَانسَلَخَ مِنْهَا ) أي فانتُزِعت منه تلك الآيات بسبب خروجه من الطاعة إلى المعصية (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ) أي لَحِقَهُ الشيطان حتّى أغواه (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) بعد أن كان من العابدين المتّقين . فلا تكونوا مِثلهُ أيّها اليهود فتغوون الناس وتصدّونهم عن الإيمان بنبيٍّ يدعو إلى عبادة الله وحده وينهَى عن عبادة الأصنام .
176 - (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) يعني لو نشاء لرفعنا بلعام إلى السماء بعد موتهِ ، يعني إلى الجنان بسبب تقواه وعبادته (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ) أي ركنَ إلى الأرض ، يعني اختار البقاء في الأرض على الصعود إلى السماء واختارَ المال الفاني على النعيم الباقي بمعصيتهِ هذه (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) حيثُ سوّلت له نفسه أن يدعوَ على بني إسرائيل بالهلاك ، مع أنّهم لم يؤذوهُ ولم يحملوا عليه بكلام رديء فكذلك أنتم أيّها اليهود أخذتم في إيذاء محمّد وعاديتموه مع أنّه لم يؤذكم بل صدّق كتابكم وأيّدَ دينكم (فَمَثَلُهُ) أي فمثَل بلعام في ذلك (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ ) لتضربهُ (يَلْهَثْ) أي ينبح (أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ) أي ينبح (ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) فهم يؤذونك ويسبّونك ويستهزئون بك وإن كنت لم تتعرّض لهم بأذىً وبذلك يهلكون أنفسهم كما هلك بلعام (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) في أمر بلعام ولا يكونوا مثله .
وإليك قصّة بلعام من التوراة أذكرها باختصار ، فقد جاء في سفر العدد في الاصحاح الثاني والعشرين :
[ لَمّا سار بنو إسرائيل قاصدي الأردن قام بالاق بن صفور ملك موآب وجمع الشيوخ والرؤساء وقال لهم لقد قدم بنو إسرائيل إلى ديارنا وإنّهم لا يبقون لنا طعاماً ولا شراباً لكثرتهم فنموت جوعاً فاذهبوا إلى بلعام وكلّموه وائتوا بهِ فليدعُ على بني إسرائيل ويلعنهم كي ننتصر عليهم ويرجعوا عن بلادنا ، وبعث معهم هدايا لهُ ، فساروا إلى بلعام وكلّموه بذلك وقدّموا له الهدايا ، فقال لهم باتوا عندي اللّيلة حتّى أنظر في أمري ، فأوحى الله تعالى إليه في المنام أن لا تفعل ذلك ولا تدعُ على بني إسرائيل ، ولَمّا أصبح الصباح قال لهم لا أذهب معكم لأنّ الله نهاني عن ذلك ، فأخذوا يتوسّلون به ويتضرّعون إليه وقالوا له إمضِ معنا إلى مديان إلى الملِك وهناك إن شئت أن تدعوَ وإن شئت ترك الدعاء فالأمر لك .
فذهب معهم على بغلتهِ وفي منتصف الطريق وقفت بغلتهُ عن السير فضربها فلم تسِر وزجرها فلم تزدد إلاّ رسوخاً في الأرض فنزل عنها وأخذ يضربها ضرباً موجِعاً فنطقت بقدرة الله تعالى وقالت إنّ أمامي ملاكاً ينهاني عن السير وأنت تأمرني بذلك ، فتركها وسار معهم حتّى وصلوا إلى الملك بالاق فاستقبله المِلك وأكرمه وطلب منه أن يدعوَ على بني إسرائيل بالهلاك ، فقال لا أفعل ذلك لأنّ الله نهاني في المنام ، فقال الملِك لعلّها رؤيا كاذبة وأخذ يتوسّل إليه ويقدّم له الهدايا والأموال حتّى أغراه ، فصعدوا فوق جبل وقدّموا قرابين لله وأخذ بلعام يدعو ، فنطق بالدعاء وباللّعن على قوم الملِك لأنّه لم يمتلك أمر لسانه ، فصاح الملِك وضرب بيديه وقال ماذا تعمل وماذا تفعل؟ لقد دعوت علينا ولعنتنا ، فقال بلعام : ألم أقل لك أنا لا أقدر أن أعمل شيئاً بإرادتي فإنّ الله تعالى أخذ السُّلطة منّي على لساني فصار ينطق بغير إرادتي ، فقال الملِك وماذا نعمل الآن ؟ فقال بلعام لنذهب إلى جبل آخر ونقدّم قرابين لله وأدعو مرّة ثانية ، ففعل ولكنّه لم ينجح أيضاً بل أخذ لسانه يلعن قوم الملِك ويدعو عليهم ، ويمدح بني إسرائيل ويباركهم فصاح الملك ومزّق ثيابه ولطم وجهه وقال ماذا صنعت لقد أهلكتنا ولعنتنا . فقال بلعام لنذهب إلى جبل ثالث ، فذهبوا ودعا على قوم الملِك أيضاً .
فلمّا رأى بلعام أنّ خطّته هذه لم تنجح فكّر في خطّة ثانية وقال للملِك بالاق : إجمعوا كلّ امرأة حسناء منكم وليأخذنَ معهنّ أطباقاً من الفاكهة ويذهبنَ إلى بني إسرائيل ويبعنَ عليهم الفواكه فإذا أراد أحدهم أن يجامع إحداهنّ فلا تمتنع عن ذلك فإذا زنى أحدهم فإنّ الله تعالى يُنزّل عليهم الطاعون فيهلكوا . ففعلوا ذلك ونجحت خطّتهم ، وهذا معنى قوله تعالى (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) يعني بعد ما كان تقيّاً ينهَى عن الفحشاء أصبح عاصياً غاوياً يأمر بالفحشاء .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |