كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
186 - (مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ) من الناس (وَيَذَرُهُمْ) أي يتركهم (فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي تكبّرهم (يَعْمَهُونَ) أي يتردّدون لا يبصرون الحقّ .
187 - نفر من قريش سألوا النبيّ (ع) فقالوا : "إن كنتَ نبيّاً إخبرنا متى نموت" . فنزلت هذه الآية: (يَسْأَلُونَكَ) يا محمّد (عَنِ السَّاعَةِ) يعني عن ساعة مماتهم 161 (أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) يعني في أيّ وقت يكون ، والمعنى : في أيِّ وقت ترسو أجسامنا على الأرض ولا قيامَ لها (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا ) يعني عِلم ساعة مماتكم ( عِندَ رَبِّي ) ولا عِلمَ لي بذلك (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ) أي لا أحد يعلم بوقت موتكم فيكشف للناس عن ذلك إلاّ الله فهو العالم بوقت موتكم وموت كلّ إنسان وحيوان وفي أيّ أرضٍ يموت ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة لقمان {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، (ثَقُلَتْ) أي ثقلَ أمرها على الناس وعَظُمَ شأن الموت على الناس (فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) يعني إلاّ فجأةً ، أمّا القيامة فلا تكون فجأة بل لها علائم وأدلّة وحوادث كونيّة تسبقها . فحينئذٍ قالوا كأنّك حفيٌّ عنها ، فنزل قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ) يعني كأنّك لم تُحط بها علماً ، يُقال "حفّ القوم بهِ" أي أحاطوا به وداروا حوله ، ومن ذلك قول إبراهيم لأبيه {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } أي كان محيطاً بأعمالي وأفعالي ، والشاهد على ذلك قول عنترة يصف بعض النساء المحجّبات :
حَفَّتْ بهنّ مَناصِلٌ وذَوابِلٌ ومَشَتْ بهنَّ ذَوامِلٌ ونَواجِ
يعني أحاطت بهنّ الرجال يحرسوهنّ ، ويُقال "حفيٌّ بهِ" أي عالِم بهِ و"حفيٌّ عنه" أي لا عِلمَ لهُ بهِ ، والشاهد على ذلك قول الأعشى :
فإنْ تَسْألِي عنِّي فيا رُبَّ سائِلٍ حَفِيٍّ عنِ الأعشَى بهِ حيثُ أَصْعَدَا
و"الحوفة" قُبّةٌ مستديرة تُصنَع للعروس . ومِثل هذه الآية في سورة النازعات قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } أي ليس عندك عِلمٌ بوقتها فتذكرها لهم (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ ) ولا عِلمَ لي بذلك (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) الحقيقة فيسألون أسئلة تافهة . ومن كنايات العرب يكنّون الجاهل بالشيء "حافي" والعالم بالشيء "مُنتعِل" .
188 - ولَمّا سألوا النبيّ عن المغيّبات نزل قوله تعالى (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) يعني إلاّ ما أراد الله لي من نفع وما دفعه عنّي من ضُرٍّ (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ ) أي ما أنا (إِلاَّ نَذِيرٌ ) لكم عن عبادة الأوثان والأصنام (وَبَشِيرٌ) بالجنّة والنعيم (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) بالله ورسوله ولا يُشركون بهِ أحداً .
189 - (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) إنّ [الحديث هنا] يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم لا إلى آدم وحوّاء . والمعنى : خلق كلّ واحدٍ منكم من نفس واحدة ولكلّ نفس زوج هو منها أي من جنسها كما قال سُبحانهُ في سورة الروم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } ، (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ) أي فلمّا وطأ كلّ إنسان زوجته ، ثمّ خصّ بالذِكر أحد رؤساء قريش طلب من الله الولد فلمّا أعطاه الولد سمّاه عبد العزّى وأشرك في تسميته بأن جعله عبداً للصنم ، وذلك قوله تعالى (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا ) من الخفّة بمعنى تقوم وتقعد وتجيء وتذهب (فَمَرَّتْ بِهِ ) أي استمرّت بالحمل على الخِفّة بضعة أشهر ، (فَلَمَّا أَثْقَلَت ) بالحمل واقترب وضع الحمل (دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا ) فقالا (لَئِنْ آتَيْتَنَا ) ولداً (صَالِحاً) أي معافَى ليس به عاهة (لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لك .
190 - (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) أي ولداً صالحاً معافَى (جَعَلاَ لَهُ ) أي لله (شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) أي في الولد الذي أعطاهما فبدلاً من تسميته عبد الله أسمياه عبد العزّى ، والعزّى صنم من الأصنام فقلّده قومه في ذلك فصاروا يسمّون أولادهم عبد اللّات وعبد العزّى وعبد مناة (فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قريش من قيامهم بهذا التقليد السيّء .
191 - ثمّ قال تعالى (أَيُشْرِكُونَ) معه (مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ) من المادّة ، والمعنى : أيشركون معه الأرواح التي لم تخلق شيئاً من المخلوقات الموجودة على الأرض بل كلّ ما في الوجود هو من مخلوقات الله وصُنعه (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) يعني وهم مخلوقون ، والمعنى : أيشركون معه ملوكهم ورؤساءهم الأموات فصنعوا لهم تماثيل وعبدوها من دون الله . وإنّما قال تعالى (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) على صيغة المضارع يعني رؤساءهم الأموات يُخلَقون يوم القيامة لأنّ الله تعالى يخلق لهم جلوداً أثيرية ويلقيهم في النار ، وذلك قوله تعالى في سورة النساء {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } .
192 - (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ ) يعني ملوكهم الأموات لا يستطيعون للمشركين (نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) فينجون من العذاب .
193 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ ) يعني تدعوا المشركين من أهل مكّة (إِلَى الْهُدَى ) الّذي أنتم عليه (لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ) إليه لإصرارهم على الكفر وعنادهم (سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ ) ونظيرها في سورة البقرة قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
------------------------------------161 :تأتي كلمة "الساعة" مرّة بالقيامة ومرّة بساعة ممات الإنسان ومِمّا يؤيّد ذلك قوله تعالى (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) ، أي فجأة : فإنّ الموت يأتي فجأة ، ومن ذلك قول الراجز : (يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ…..وَغَرَّهُ طُولُ الأَمَلْ) (الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً…..والقَبْرُ صُنْدُوقُ العَمَلْ)كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |