كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
28 - ثمّ بيّن الله تعالى بعض مساوئ المشركين من العرب فقال (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ) وذلك عند طوافهم بالبيت ، فكانوا يطوفون عُراةً فتبدو عوراتهم ، يقولون نطوف عُراةً كما ولدتنا اُمّهاتنا ولا نطوف بالثياب الّتي اقترفنا فيها الذنوب ، وكانوا يعملون شيئاً من سيور مُقطّعة يشدّونها على حقوَيهم يُسمّى "حوفاً " وإن كان من صوف يُسمّى "رهطاً " وكانت المرأة تضع على فرجها النِسعَة فتقول :
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
تعني بذلك فرجها ، وكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء يَطُفنَ باللّيل . والمعنى : إذا فعلوا فاحِشةً ونُهوا عنها (قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا ) فإن قيل لهم من أين أخذها آباؤكم ؟ قالوا (وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا ) فردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) من كتاب سماوي بل تسيرون على التقليد .
أقول لا تعجب أيّها القارئ الكريم من تلك العادات ومن هاتيك النساء الّلاتي يطُفنَ حول الكعبة عاريات ، فقد أصبحت اليوم نساء العالَم يطُفنَ بالشوارع والأزقّةِ مُستهتِرات ويسبحنَ في الأنهُرِ والبحار مع الرجال عاريات ويضعنَ على فروجهنّ شِمالاً بدل الحوفة والرهط ، ولسان حالهنّ يقول : اليوم يبدو بعضهُ أو كلّهُ . فالمرأة الجاهليّة إن كانت تطوف ليلاً بانعزال عن الرجال فقد أصبحت المرأة المتمدّنة تسبحُ نهاراً في البحيرات مع الرجال وهي عريانة إلاّ من لباسٍ قصير مُعدّ للسباحة ، وهذا بعد إنزال الكتُب السماويّة وأمرِ الله فيها بالتستّر والحجاب وبعد إرسال الرُسُل بالحِكمةِ والخطاب وبعد أن ادّعت الناس بالتمدّن ودرست شتّى العلوم ، وإذا سألتهم عن هذه العادات الّتي أخذوها قال لسان حالهم لم نجد عليها آباءَنا بل نحنُ أحدثناها وإنّ الله لم يأمرنا بها بل نحن ابتدعناها خلاف ما أمرنا الله بهِ من حجاب واتّخذنا عادات سيّئة بخلاف ما أوصتنا بهِ رُسُلنا وعملنا بهوى أنفسنا . فأيُّ الفريقين أعجب عادةً وأسوء أخلاقاً أبناء الجاهليّة أم أبناء التمدّن ؟
29 - (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) أي بالعدل في الحكم بين المتخاصمين (وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ ) لله في العبادة (عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) تصلّون فيهِ ، ولا تقيموا وجوهكم لغير الله ولا تقيموا العبادة في المعابد الّتي فيها الأصنام (وَادْعُوهُ) وحدهُ لكشف الضُّرِ عنكم ولقضاء حوائجكم ولا تدعوا غيره (مُخْلِصِينَ) لهُ بالقول والعمل (لَهُ الدِّينَ ) أي لهُ الطاعة والانقياد يوم تأتونهُ عُراةً (كَمَا بَدَأَكُمْ ) عُراةً يوم وَلَدتكم اُمّهاتكم (تَعُودُونَ) إليه عُراةً بعد موتكم .
30 - ثمّ وجّه الخطاب للنبيّ (ع) فقال تعالى (فَرِيقًا) منهم (هَدَى) أي هداهم الله إلى الإسلام فأسلَموا ، وذلك بسبب حُسنِ أخلاقهم وإشفاقهم على الفقراء والمساكين فلذلك هداهم الله (وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ) بسبب ظُلمهم للضعفاء والمساكين واغتصاب حقوقهم ولذلك أضلّهم الله (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ ) يعني إنّهم امتثلوا قول الدجّالين من الناس فيما دعَوهم إليهِ من الإشراك والأعمال الباطلة وأحبّوا الدجّالين من دون الله (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) إلى طريق الحقّ ، ويريد بالشياطين رؤساء الضلال والكهنة .
31 - (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) تصلّون فيه ، والمسجد كلّ مكان يقوم الناس فيه للصلاة والعبادة ، والمعنى : لا تلبسوا الْمُسوح وتسكنوا الصوامع كما تفعل اليهود والنصارى بل تزيّنوا بلباسكم وتطهّروا وتعطّروا وصلّوا فإنّ ذلك مباح لكم (وكُلُواْ) من طيّب الطعام ولا تحرّموا على أنفسكم إلاّ ما حرّمهُ الله عليكم (وَاشْرَبُواْ) من المشروبات الطيّبة إلاّ الْمُسكّرات فإنّها مُحرّمة عليكم (وَلاَ تُسْرِفُواْ ) في الأكل والشرب (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) لأنّ الإسراف في الأكل والشرب يوقعكم في المرض . وإنّما قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ) ولم يقل يا أيّها الّذينَ آمنوا لأنّ قِصّة آدم سبق ذكرها ولأنّ الخطاب لجميع الناس .
32 - كان المشركون إذا دخلوا البيت للصلاة يلبسون الصوف ولا يلبسون الثياب القطنية ، وكانت صلاتهم وقوفاً بلا ركوع ولا سجود ، فلمّا رأوا المسلمين يلبسون الثياب القطنيّة في الصلاة ويركعون ويسجدون عابوهم وسَخِروا منهم ومن صلاتهم ، فنزل قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ ) من الثياب واللّباس (الَّتِيَ أَخْرَجَ ) يعني التي أخرجها من الأرض زرعاً ، وذلك كالقطن والكِتّان والإبريسم النباتي والحرير الاصطناعي (وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) التي رزقكم الله إيّاها ، يعني مَن حرّمها عليكم من الأنبياء فتحرّموها أنتم على أنفسكم ؟ (قُلْ هِي ) مُباحةٌ (لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وإنّهم يجدونها (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي خالصة من الشوائب والتعفّن والتلَف فلا تتعفّن تلك الأثمار ولا تتلَف لأنّها أثيرية روحانيّة وهي خالصة للمؤمنين دون الكافرين (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .
33 - (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ) أي الزِنا (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) أي ما اُعلِنَ منها وما خفيَ ، وذلك ماكان عادة عند مشركي العرب يتّخذ أحدهم رفيقة فيزني بِها سرّاً (وَالإِثْمَ) أي الخمر ، لأنّ بعض قبائل العرب يُسمّون الخمر إثماً ، وفي ذلك قال الأخفش :
شَرِبْتُ الإثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذاكَ الإثْمُ يَذْهَبُ بِالعُقُولِ
وقال الآخر :
نَهانا رَسُولُ اللهِ أنْ نَقْرَبَ الخَنَا وأنْ نَشْرَبَ الإثْمَ الَّذِي يُوجِبُ الوِزْرَا
(وَالْبَغْيَ) وهو التعدّي على الناس (بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي بدون استحقاق ، وهو الّذي يضرب شخصاً لم يضربهُ ويشتمُ إنساناً لم يشتمهُ ، فهذا تعدٍّ بغير استحقاق (وَ) حرّم عليكم (أَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) أي لم ينزّل به دليلاً ولا بُرهاناً ، والمعنى : كلّ شيء تعملونهُ لغير الله لم ينزّل الله بهِ ذِكراً أو بياناً في الكتب السماوية فهو إشراك (وَ) حرّم عليكم (أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ ) أقوالاً (مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) صِحّتها ولم يأتِ ذكرها في الكتب السماويّة وذلك كالسائبة والوصِيلة وغير ذلك .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |