كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
56 - (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ) بالاعتداء على الناس بإتلاف زرعهم أو قطع أشجارهم أو إضرارهم بشيء آخر (بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) بالزرع وكثرة الأشجار والأنهار (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي ادعوهُ في حالة الخوف من عدوٍّ أو من وحش إو غير ذلك ، وفي حالة الطمع بإنزال المطر أو بإدرار الرزق أو طلب الولد أو المال أو غير ذلك ، ولا تدعوا على الناس بإهلاكهم وإضرارهم (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ ) منالُها (مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) الّذينَ يُحسنون إلى الناس وخاصّةً إلى المساكين والضُعفاء ، وبعيدة رحمتهُ من الظالمين .
57 - (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ) الطيّبة اللّينة (بُشْرًا) بالمطر ، أي مُبشّرات بنزول المطر ، جمع بشيرة بُشر ، على وزن حُمرة وجمعها حُمرٌ ، وخضرة وجمعها خُضرٌ (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) أي مُبشّرات قبل نزول رحمتهِ ، ورحمتهُ المطر (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ ) أي حملت الرياح (سَحَابًا ثِقَالاً ) بالماء (سُقْنَاهُ) أي سُقنا السحاب بالرياح (لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ) أي مُجدِب ليس فيهِ زرع ولا نبات (فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ ) يعني فأنزلنا بالرياح الماء ، أي بسببها (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ) أي بالماء (مِن كُلِّ ) أنواع (الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى ) من قبورهم بعد أن تتشقّق الأرض عنهم يوم القيامة كما تنشقّ الأرض لخروج النبات منها بعد نزول المطر ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة ق {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } ، وكذلك الشاهد على انشقاق الأرض في الإنبات قوله تعالى في سورة عبس {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا } ، والمقصود من ذلك خروج الأرواح من القبور وليس الأجساد وذلك لقوله تعالى (نُخْرِجُ الْموْتَى ) وليس "نحيي الموتى" ، والشاهد الآخر قوله تعالى في سورة ي س {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } .
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وأصلها تتذكّرون ، فحُذِفت إحدى التاءين لتسهيل الكلام ، والمعنى : لكي تتّعِظوا ، وقد ضرب الله مثَلاً بهذهِ الآية لمنكري البعث بإنزال المطر على الأرض الميتة المجدِبة كيف أحياها بالمطر فأصبحت خضراء ذات ثمر تُبهج الناظرين وتُفرح الزارعين ، فالّذي لهُ هذه القُدرة بأن أخرج الثمر من الطين أليس هو قادراً أن يُحييَ الموتَى كما أحيَى النبات ؟
58 - ثمّ ضرب الله مثَلاً للبُخلاء الّذينَ يمنعون حقّ الفقراء ولا ينفقون في سبيل الله فقال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) يعني والبلد الّذي تسكنهُ أناس طيّبون يُنفقُ غنيّهم على فقيرهم وقويّهم يرحم ضعيفهم يخرج نبات أرضهم جيّداً كثيراً نامياً مُثمراً بإذن الله ، وذلك بأن يسوق السحاب إلى بلدهم فينزل المطر على أرضهم فينمو زرعهم ويكثر خصبهم ويزداد ثمرهم (وَالَّذِي خَبُثَ ) أي والبلد الّذي خَبُثَ أهلهُ فلم يرحم قويّهم ضعيفهم ولم ينفق غنيّهم على فقيرهم (لاَ يَخْرُجُ ) نباتهُ أي نبات أرضهم (إِلاَّ نَكِدًا ) يعني إلاّ عسيراً قليلاً لا بركة فيهِ ، وذلك لأنّهم منعوا حقّ الفقير فمنعهم الله بركةَ زرعهم وخيراتهم ، فالنكد معناهُ العسِر ، قليل الخير ، قليل العطاء ، ومن ذلك قول الشاعر :
وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّباً لاَ خَيْرَ فِي المُنْكُودِ والنَّاكِدِ
يعني لا خيرَ في السائل الّذي يلحُّ في السؤال ولا خيرَ في البخيل الّذي لا يُعطي إلاّ بكثرة السؤال ، وقالت الخنساء :
فاذهبْ ولا تَبْعَدْ وكلُّ مُعَمّرٍ سَيَذوقُ كأسَ مَنِيَّةٍ بِتَنَكُّدِ
(كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على أوجُهٍ مُتعدّدة (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) على النِّعَم ، أي يُنفقون للفقراء والمساكين شاكرين بذلك نِعمةَ ربّهم ، لأنّ الشُكر نوعان : نوع باللسان ونوع بالعمل ، ويجب أن يقترن القول بالعمل .
59 - ثمّ ذكّر الله المشركين بقصّةِ نوح مع قومه وكيف أغرقهم لَمّا كذّبوا ليعتبروا بها ويُسلِموا فقال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ) وحدهُ واتركوا عبادة الأصنام (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) إن بقيتم على كفركم وإشراككم .
60 - (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ ) عن ديننا (مُّبِينٍ) .
61 - (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ) كما تتوهّمون (وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) أرسلني إليكم .
62 - (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ) الّتي أرسلني بها إليكم (وَأَنصَحُ لَكُمْ ) في القول والعمل (وَأَعْلَمُ) بالوحي (مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أنتم فاتّبعوني فيما أقول لكم ولا تُخالفوا قولي .
63 - (أَوَعَجِبْتُمْ) يعني وعجبتم (أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي موعظةٌ من ربّكم ، والألف من قوله (أَوَعَجِبْتُمْ) للسؤال والاستفهام (عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ) عن عبادة الأصنام (وَلِتَتَّقُواْ) بذلك العذاب إن تركتم عبادتها (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) في الدنيا والآخرة .
64 - (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالّذينَ ) آمَنوا (مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ) يعني أنجيناهم من الغرق بأن قلنا لهُ إصنع الفُلك واركب فيه أنت ومن معك من المؤمنين (وَأَغْرَقْنَا) الباقين (الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ ) عن طريق الحقّ لا تفيد معهم الموعظة .
65 - (وَإِلَى عَادٍ ) يعني وإلى قبيلة عاد بن عوص بن آرام بن سام بن نوح ، وهو ملِكهم ، أرسلنا (أَخَاهُمْ هُوداً 155 قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ) وحدهُ ولا تُشرِكوا به شيئاً (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) العذاب وترفضون الأصنام !
------------------------------------155 :هود بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح ، وصار لقبهُ فالج ، ومعناه بالعربيّةِ قاسِم ، لأنّ قومه انقسموا إلى قِسمَين ، قِسمٌ آمَنَ وهاجر معهُ وقِسمٌ بقيَ في مكانه فهلك بالأعاصير ، وإنّما قال الله تعالى (أَخَاهُمْ هُوداً ) ، لأنّهُ من أولاد سام ، وقبيلة عاد أيضاً من سام فيكون أخاهم في النسب .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |