كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنفال من الآية( 44) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

44 - (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ ) أيها المسلمون (إِذِ الْتَقَيْتُمْ ) بالمشركين للقتال فترَونهم (فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ) لئلّا تخافوهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ) لئلّا يستعدوا لقتالكم ولا يُكثِروا من آلات حربهم (لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً ) يعني لينصركم عليهم وليذلّهم ويكسرَ شوكتهم بقتل رؤسائهم (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمور ) بعد انفصالها من أجسامها فيجازيها بما تستحقّهُ من نعيم أو عذاب .

45 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ) أي جماعةً كافرة جاءت لقتالكم (فَاثْبُتُواْ) لقتالهم ولا تنهزموا (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا ) مُستعينين بهِ على قتالهم (لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) يعني لكي تظفروا بهم وتنجحوا في خِطَّةٍ يهديكم اللهُ إليها في الظفَر بهم .

46 - (وَأَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما يأمركم بهِ من الثبات (وَرَسُولَهُ) في تعاليمهِ وإرشاداتهِ (وَلاَ تَنَازَعُواْ ) فيما بينكم (فَتَفْشَلُواْ) في خِطَّتِكم وتخسروا الحرب (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) أي قُوَّتكم وعزيمتكم ، وهذا مثَلٌ يُضرب عند العرب ولا يزال شائعاً فيقولون لمن نجحَ في أمرٍ [هبَّتْ ريحُكَ] أي بانت قُوَّتك وعزيمتك ، والشاهد على ذلك قول عبيد بن الأبرص :

                            كَمَا حَمَيْنَاكَ يَوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ      وَالفَضْلُ لِلقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ

(وَاصْبِرُواْ) على قتال عدوّكم (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالمعونة لهم .

47 - (وَلاَ تَكُونُواْ ) في النزاع فيما بينكم (كَالّذينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا ) بسبب النزاع الّذي وقع بينهم وخيانة العهد الّذي عاهدوا النبي بهِ بأن لا يُساعدوا أحداً على حربهِ وقتاله فخانوا العهد وحالَفوا قُريشاً على قتال رسول الله ، وهم بنو النضير خرجوا من ديارهم من يثرب إلى الشام وتركوها بطراً منهم وكانوا في أمانٍ وعِزٍّ لم يُضايقهم أحد ولم يعتدِ عليهم أحد لولا أنّهم خانوا العهد مع رسول الله وحالفوا المشركين على قتال النبيّ فحاصرهم وأخرجهم من ديارهم (وَرِئَاء النَّاسِ ) يعني وكان خروجهم بطراً وبمرأىً من الناس ، ومن ذلك قول الأعشى: 

                             لِمَيْثَاءَ إذْ كانَتْ وأَهْلُكَ جِيرَةٌ       رِئَاءٌ وإذْ يُفْضِي إلَيْكَ رَسُولُهَا

(وَيَصُدُّونَ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) يعني عن دينهِ وطريقهِ . لأنَّ اليهود كانوا يقولون إنَّ محمّداً ساحر فلا يَقُدْكم بسحرهِ (وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) فلا يَخفَى عليهِ شيء من أعمالهم السيئة

48 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنَّ شيطاناً من الإنس زيَّنَ لهؤلاء اليهود أفعالهم القبيحة ونقضهم للعهد وقال لهم إنْ تعرّضَ لكم محمّد بسوءٍ فأنا اُساعدكم وأنصركم فلا تخافوهُ ، ولَمّا وقع القتال بين اليهود والمسلمين نكصَ على عقبيهِ ، أي خان العهد معهم وتراجع عن قوله وما وعدهم به من مُساعدة وقال إني أرى ما لا ترونَ ، وذلك قوله تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ) أي لبني النضير (الشَّيْطَانُ) هو عبدُ الله بن اُبي رئيس المنافقين (أَعْمَالَهُمْ) الباطلة ونقضهم للعهد الّذي عاهدوا النبيّ بهِ (وَقَالَ) لهم (لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ) لأنكم أقوياء وأثرياء وكثيرو العدد والعُدّة فلا يتمكّن محمّد من أن يُقاتلكم (وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ) لأنّي مُقيمٌ في مدينة يثرب وأنتم خارجها فمتى أراد محمّد أن يقاتلكم فأنا اُرسل أصحابي لنجدتكم وهم ثلاثمائة رجُل (فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ ) واشتبك القتال بين اليهود والمسلمين وطلبت اليهود منه النجدة (نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ) أي لم يفِ بما وعدهم من المساعدة والنجدة ، ومن ذلك قول الأعشى مُعتذراً :

                                       أعَلْقَمُ قَدْ صَيَّرَتْنِي الاُمورُ      إليكَ وما كانَ لِي مَنْكَصُ

(وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى ) في محمّد وأصحابهِ (مَا لاَ تَرَوْنَ ) من الشجاعة والبسالة والنصر من الله (إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن عصاهُ . فكان هذا القول عُذراً منه لهم ولكنَّهُ مُنافقٌ خدّاع . وممّا يؤيّد هذا قول الله تعالى في سورة الحشر في قِصَّة بني النضير {أَلَمْ تَر إِلَى الّذينَ نَافَقُوا } يعني عبد الله بن اُبيّ وجماعتهُ {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ } في النفاق {الّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يعني يهود بني النضير {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } يعني نخرج لمساعدتكم {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ } أي في ترك مُساعدتكم {أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } يعني لئن قاتلكم محمّد لننصرنّكم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.

49 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذم المنافقين واليهود فقال (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) وهو مرضٌ نفسي ، يعني بهم اليهود (غَرَّ هَـؤُلاء ) المسلمين (دِينُهُمْ) أي غرَّهم دينهم حتّى أنَّهم يُريدون أن يُقاتِلوا بني النضير . وذلك أنَّ رجُلاً من بني النضير قال لجماعة من المسلمين : "أغرّكم أن أصبتم نفراً من قُريش يوم بدر لا عِلمَ لهم بالقتال؟" فردَّ الله عليهم فقال تعالى : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينصر المؤمنين وإن قلَّ عددهم فلا يغلبه أحد (حَكِيمٌ) في أفعالهِ .

50 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حال من مات من المنافقين واليهود الكافرين فقال (وَلَوْ تَرَى ) حالهم يا محمّد (إِذْ يَتَوَفَّى الّذينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ ) يعني حين كانت الملائكة تقبض نفوسهم من أجسامهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) أي الُمحرق لكلِّ مادّة .

51 - ثمّ خاطب الأحياء منهم فقال تعالى (ذَلِكَ) العذاب المحرِق الّذي ذاقهُ مَن مات منكم مُعَدٌّ لكم أيضاً (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) من ظُلمٍ وكفرٍ ونفاق (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم