كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
65 - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) وشوّقهم بما أعدَّ الله لهم من الأجر في الآخرة ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تطمين قلب النبيّ والمؤمنين فقال (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ) على القتال (يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الّذينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ) ولذلك لا ينقادون لدين الحقّ .
66 - ولَمّا انتهت غزوة بدر وانتصر المسلمون فيها مع قِلَّتهم على الكافرين مع كثرتهم فقتلوا سبعين رجلاً من المشركين وأسَروا سبعين نزلت هذه الآية (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ ) بعض المشركين من أعدائكم بالقتل والأسر (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) بقلّة العدد والمال والسلاح (فَإِن يَكُن مِّنكُم ) في المستقبل (مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالنُصرة .
67 - ولَمّا أتَوا بالأسرى يوم بدر قال النبيّ لأصحابهِ : "إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم." فقالوا : "بل نأخذ الفِداء فنتقَوى بهِ على أعدائنا" ، فأخذوا الفِداء وأطلقوهم . فعاتبهم الله على ذلك بهذه الآية (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ) من المشركين ليفديهم (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ) يعني حتّى يُثخنَ في قتلهم وتكونَ له القوّةُ والسيطرة عليهم وبعد ذلك إنْ أرادَ الفِداء فلا بأس بهِ (تُرِيدُونَ) أيُّها المسلمون بأخذ الفِداء (عَرَضَ الدُّنْيَا ) أي تريدون المال الّذي هو عرَضٌ زائل ولا تفكّرون في العاقبة لأنَّهم سيُقاومونكم في المستقبل ويقتلون منكم كما قتلتم منهم وهذا أكبر خطأ ارتكبتموهُ في فكّ الأسرى فكان الأجدر بكم أن تُطلقوا من يُسلم منهم فقط وتقتلوا كلَّ كافرٍ عنيد (وَاللّهُ يُرِيدُ ) لكم (الآخِرَةَ) أي العاقبة ، يعني يُريد لكم حُسنَ العاقبة بقتلهم لأنَّهم يضعفون وتنكسر شوكتهم ويقلُّ عددهم فتنتصرون عليهم في كلِّ حربٍ وقتال (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) حيث أخذهم وأذلّهم وسلّطكم عليهم (حَكِيمٌ) في أفعالهِ .
68 - (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ ) يعني لولا أن كتبَ الله لكم النصر وسبق أن وعدكم بهِ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ ) من الفِداء وإطلاق الأسرى المشركين (عَذَابٌ عَظِيمٌ ) من أعدائكم ، وذلك لأنّهم ينتصرون عليكم ويقتلونكم ويأسرونكم ويُعذّبونكم ولكنّ الله لا يريد ذلك لأنّهُ وعدكم بالنصر .
69 - (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ ) من أموال المشركين (حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في أخذ شيءٍ من الغنيمة بغير دراية النبيّ (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) لمن يندم ويرجعها إلى النبيّ ويتوب .
70 - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى ) يعني الّذينَ أسَرهم المسلمون يوم بدر (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ) يعني رغبةً في الإيمان وصِحَّة نيّة (يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ ) من الفِداء (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) ذنوبكم (وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) لمن تاب وأسلم . رويَ عن العبّاس بن عبد المطّلب أنَّهُ قال نزلت هذه الآية فيَّ وفي أصحابي وكان معي عشرون اُوقيّة ذهباً فأُخِذَتْ منّي فأعطاني الله مكانها عشرين عبداً كلٌّ منهم يضربُ بمالٍ كثير وأدناهُم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين اُوقية وأعطاني زمزم وما أُحِبٌّ أنَّ لي بها جميعَ أموال أهل مكّة وأنا أنتظر المغفرة ."
71 - (وَإِن يُرِيدُواْ ) هؤلاء الأسرى (خِيَانَتَكَ) بأن يعدُّوا حرباً اُخرى لك أو يُساعدوا عدوّاً عليك (فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ ) بأن عبدوا غيرهُ (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) أي أمكنكَ منهم يوم بدر وسيُمكِّنُكَ منهم إنْ خانوكَ (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بنواياهم (حَكِيمٌ) فيما يفعلهُ .
72 - (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ ) من مكّة إلى المدينة (وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذينَ آوَواْ ) الرسول في بلدهم وديارهم (وَّنَصَرُواْ) وهم أهل يثرب (أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) بالنُصرة والمساعدة والوراثة (وَالّذينَ آمَنُوا ْ) من أهل مكّة (وَلَمْ يُهَاجِرُواْ ) إلى مدينة يثرب (مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ) إلى المدينة ، أي ما لكم من نُصرتهم لكم ولا من إرثهم شيء لأنّهم بعيدون عنكم لا يقدرون على نُصرتكم (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ) أي وإن طلبوا نُصرتكم لهم ومُساعدتكم فانصُروهم وساعِدوهم وقاتِلوا المشركين من أعدائهم ، وذلك قوله تعالى (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) ، ثمّ استثنَى سُبحانهُ من كان لهُ عهد وميثاق مع المسلمين على المهادنة وترك القتال فقال (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ) على المهادَنة وترك القتال فلا تقاتلوهم ولا تنقضوا الميثاق معهم (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
73 - (وَالّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) أي بعضهم يُساعد بعضاً على قتالكم وأذاكم ، فأنتم أولَى بالمساعدة والمناصرة بعضكم لبعض لأنّكم تؤجَرون على أعمالكم ولكنّ المشركين يخسرون ولا يؤجَرون .
ثمّ نَهَى سُبحانهُ عن نقض العهود والمواثيق ولو كانت مع الكافرين والمشركين فقال (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ ) وضمير الهاء هنا يعود إلى الميثاق من قولهِ تعالى (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ) ، والمعنى : لا تنقضوا الميثاق مع مَن واثقتُموهم وتعاقدتُم معهم على شيء ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } ، وقوله (تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ) يعني بسبب نقض الميثاق لأنّ ذلك يُؤدّي إلى القتال وسوء الحال (وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) في دينكم ، لأنّكم تتعوّدون على نقض المواثيق ، ولأنّهم يستحقرون دينكم فيعتقدون ببطلانه إذا نقضتم المواثيق معهم .
وقد قال أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الأحزاب {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } يعني بعضهم أَولَى بِبعضٍ في الميراث . وقد قال تعالى في الآية السابقة (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) .
أقول لا منسوخ في الآيتين ولا في القرآن كلّهِ ولا تبديل لكلمات الله ولكن جهلهم بالحقيقة وعدم إدراكهم لمعانيهِ جعلهم ينطقون بهذه الكلمات الّتي هيَ إثمٌ لقائلها وزورٌ بادّعائهم الناسخ والمنسوخ في القرآن مما جعل اليهود والنصارى ينتقدوننا في ذلك ويقولون إنَّ كتابكم فيه منسوخ أمّا كتابنا فمُحكَم مُثبَت ليس فيهِ ناسخٌ ولا منسوخ ، وذلك مِمّا جعلهم يعتقدون ببطلان القرآن لأنَّ المسلمين يقولون فيهِ ناسخٌ ومنسوخ .
فقد نسبوا لله الجهل بعواقب الاُمور وعدم الإدراك بمصيرها بقولهم هذا ، فتعالى الله عمّا يقولون عُلوّاً كبيراً .
وإنَّ مغزَى الآية واضحٌ بيّن ، أمّا قوله تعالى في الآية السابقة (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) لأنّهم مُسلمون والمسلم لا يرثهُ أهلهُ إن كانوا مشركين بل المسلمون أولَى بهِ . أمّا قوله تعالى {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } يعني إن كان جميعهم مُسلمين ، فالمسلم يرثهُ أهلهُ وأقاربه إن كانوا مسلمين . فالآية واضحة بيّنة ليس فيها ناسخ ومنسوخ كما يدّعون .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |