كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإنشقاق من الآية( 1) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1 - (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) سبق تفسيرها في سورة الحاقة .

2 - (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا) أي استمعت لأمر ربّها وامتثلت ، تقول العرب أذن لك هذا الأمر . أي أعطيتك أذني للسماع ، يعني أستمع لما تقول ، ومن ذلك قول عدي بن زيد :

في سماعٍ يأذَنُ الشيخُ لَهُ ..... وحديثٍ مِثْلِ مَاذِيٍّ مُشارِ
وقال حسّان :
بِضرَابٍ تأذَن الجِنُّ لَهُ ..... وطِعانٍ مثلِ أَفْواه الفُقُرْ
يعني يستمع الجنّ له ، وقوله (وَحُقَّتْ) يعني لها الحق أن تأذن بالإنقياد لأمر ربّها ، ومن ذلك قول الخنساء :
بكتْ عيني وحُقّ لها العويلُ ..... وهاضَ جَناحيَ الحدَثُ الجليلُ
والمعنى : إنّ السّماء على سعتها تنقاد لأمر ربّها وأنتم أيها الناس لم تنقادوا لأمر ربّكم .

3 - (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أي تمدّدت ، والمعنى تقطعت وتمددّت أوصالها في الفضاء ، يعني تباعدت قطعة عن قطعة أخرى . ومثلها في سورة الانفطار قوله تعالى { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } ، فالأرض من جملة الكواكب السيّارة .

4 - (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا) من الأشرار (وَتَخَلَّتْ) اي خلت منهم وفرغت . ومثلها في سورة الزلزال قوله تعالى {وأخرجت الأرض أثقالها} يعني أشرارها ، ومن ذلك قول شاعرهم :

إذا حلّ الثقيلُ بأرضِ قومٍ ..... فما للساكنينَ سِوَى الرحيلِ

5 - (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) ليس هذا بتكرار لأنّ الأولى في صفة السماء والثانية في صفة الأرض ، والمعنى : إذا وقعت تلك الحوادث فحينئذٍ تقوم القيامة التي سألتم عنها .

6 - ثمّ أخذ سبحانه يخاطب رسوله الكريم فقال (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) الكدح معناه التعب والمشقّة التي تؤثر في الإنسان فتجعل في جسمه علامة أو خدشاً من أثر التعب والعمل أو من أثر الحرب ، ومن ذلك قول ابن مُقل :

وما الدهرُ إلا تارتانِ فَمِنهُما ..... أموتُ وأُخرَى أبتغِي العيشَ أكدَحُ
وقال الحطيئة :
كَدَحْتُ بأظفاري وأعْمَلْتُ مِعْوَلِي ..... فصادفتُ جلموداً مِنَ الصّخرِ أملَسَا
فقول الله تعالى (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) يعني إنّك تتعب نفسك في سبيل ربّك والدعوة إلى دينه فلا تضجر من ذلك فإن الله يعطيك أجرك ويزيدك من فضله يوم لقياه ، يعني يوم تنتقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة . وقد شُقّت جبينه وكُسرت رباعيّاته (ع) يوم أُحدٍ ، وهذه علامة المشقّة والتعب في سبيل الله ، وإنّما قال الله تعالى(أَيُّهَا الْإِنسَانُ) ، ولم يقل أيها الرسول ، فمعناه أنت إنسان وطاقتك محدودة ولكنّك قمتَ بأعمال وتكاليف أكثر من طاقتك ، وإنّا نجازيك عليها في الآخرة .

7 - ثمّ ذكر أحوال الناس في الآخرة فقال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) .

8 - (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) أي قليلاً ، والحساب معناه العقاب ، والمعنى فسوف يعاقب المذنب من الموحّدين عقاباً يسيراً على حسب سيئاته ، وذلك على الأرض في عالم البرزخ ومن جملة العقاب أن يسجن في قبره على قدر سيّئاته .

9 - (وَيَنقَلِبُ) بعد العقاب (إِلَىٰ أَهْلِهِ) الجدد في جنّة المأوى (مَسْرُورًا) ، وأهله هم الذين ماتوا قبله من أولاد وبنات وزوجات إن كانوا موحدين صالحين من أصحاب اليمين ، وكذلك زوجاته من الحور في الجنة ، والدليل على أنّ الأهل هم الأولاد والزوجات قوله تعالى في سورة طاها في قصة موسى {إذ قال موسى لأهله أمكثوا إني آنستُ ناراً} . ولم يكن مع موسى غير زوجته وولديه .

وأمّا الذين ليسوا من أصحاب الشمال ولا من أصحاب اليمين فينقلب إلى أهله في الدنيا بعد العقاب ، أي إلى بيته الذي مات فيه يوم القيامة فيرى أهله ويسمعهم ولكنّهم لا يرونه ولا يسمعونه لأنّه أصبح نفساً أثيريّة "روح" ولذلك لا يرونه ولا يسمعونه . ولقد رأيتُ نفس عمي علي واقفاً في البيت الذي مات فيه ، وذلك حين انتقلتُ إلى عالم النفوس بموتي وبقيتُ ساعة من الزمن ثم رجعتُ إلى جسمي وقمتُ حيّاً . وهذه الحادثة تجدها مكتوبة في كتابي الإنسان بعد الموت بالتفصيل وفي كتابي ساعة قضيتها مع الأرواح .

10 - (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ) أي كتاب أعماله (وَرَاءَ ظَهْرِهِ) .

11 - (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) أي يدعو على نفسه بالويل والثبور ، يعني يتمنّى الموت ولا يجده ، وذلك لما يلقى من العذاب وضيق العيش في عالم البرزخ ، وإنّما يؤتى كتابه وراء ظهره لأنّ يديه تكونان مغلولتين بالقيود ثم لكي تقرأ النفوس ما فيه من جرائم ومخازي فيكون حقيراً بين النفوس فه أكثر إجراماً ممن يؤتى كتابَهُ بشماله .

12 - (وَيَصْلَىٰ) يوم القيامة (سَعِيرًا) .

13 - (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ) في الدنيا (مَسْرُورًا) بالمعاصي لا يخاف عقاب الله .

14 - (إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ) أي ظنّ أن لن يرجع إلى حارتنا حارة التعذيب ولا يعاقب على كفره ، ومن ذلك قول الخنساء تصف أخاها وناقتهُ :

فأغْفَى قَليلاً ثمّ طارَ برَحْلِها ..... ليَكسبَ مجداً أوْ يَحورَ لها نَهْبُ
فقولها " أوْ يَحورَ لها نَهْبُ " معناه أو يرجع إلى حارة أهله بالنهب ، والحارة هي الساحة . وقال امرؤ القيس
فأضحَى يَسُحّ الماءَ عنْ كلّ فيقةٍ ..... يحورُ الضبابَ في صفاصفَ بِيضِ
يعني يتصاعد الضباب ويدور في تلك الحارة . وقال جرير:
أحسَبُ الليل لا تسرِي كواكبُهُ ..... أم طالَ حتّى حسبتُ النجمَ حَيرانا
يعني حسبتُ كل نجم مقيماً في حارته لا يسري .
والمعنى : إنّه كان منكراً للبعث وللحِساب .

15 - (بَلَىٰ) يرجع إلينا ويدخل في حارتنا ونعاقبه على كفره وآثامه (إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) من يوم خلقه إلى يوم بعثه . ثم توعّد الله الكافرين والمنكرين البعث توعّدهم بالعذاب فقال تعالى :

16 - (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) كلمة "فلا" تشير إلى المستقبل ، والشفَق هي المنطقة التي تكون بين الليل والنهار الذي يكون طوله ألف سنة من سنيّنا ، وهو آخر يوم من أيّام الأرض ، وقد سبق الكلام عنه في عدّة سور من القرآن . وإنمّا أقسم الله تعالى بتلك المنطقة لأنّها تكون عرضةً لسقوط النجوم ذوات الذنب عليها ، وهذا قسَم تهديد ووعيد للمشركين والكافرين بذلك اليوم وبتلك المنطقة خاصّة .

17 - (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) أي وما جمع من أحياء ، والشاهد على ذلك قول كعب بن زهير يصف حمار وحش يتقدّم الحُمُر :

قليلُ التأنّي مستتبٌّ كأنّهُ ..... لها واسِقٌ ينحُو بها الليلَ غانمُ
يعني لها جامعٌ . وقالت الخنساء :
حتىّ إذا قيلَ قد طالتْ عروقُهما ..... وطابَ غرسُهُما واستوسقَ الثمَرُ
يعني وجمع الثمر . والوسقة غرامة يضعونها على من يخلف الوعد ولا يفي به ، أو يخون العهد أو يعتدي على حقوق الناس ، ولا تزال هذا الكلمة مستعملة في العراق فيقول لصاحبه "أطلبك وسكَة" ومن ذلك قول لبيد :
وسقتُ ربيعاً بالفناءِ كأنّهُ قريعُ هجانٍ يَبتغي مَنْ يُخاطرُ
وقال أيضاً :
فلا تبغينّي إنْ أخذتُ وسيقةً ..... من الأرضِ إلّا حيثُ تبغي الجعافرُ
وقال أيضاً :
متى تعدُ أفراسي وراءَ وسيقتي يَصِرْ معقل الحقّ الذي هو صائرُ
ويريد بذلك الليل الطويل وهو آخر ليل يكون على وجه الأرض . والمعنى : سينتقم الليل من هؤلاء المجرمين ويستوفي وسيقته منهم .

------------------------------------
<<السورة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم