كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
20 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وصف المؤمنين فقال (الّذينَ آمَنُواْ ) بالله ورسوله (وَهَاجَرُواْ) معه إلى المدينة (وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ ) من غيرهم (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) بنعيم الجنّة .
21 - (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم ) على لسان أنبيائهِ (بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ ) في الآخرة (وَرِضْوَانٍ) منهُ عليهم (وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ) أي دائم لا يزول .
22 - (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) لا يخرجون منها (إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) أي كثير .
23 - أمر النبيّ أصحابه بالخروج إلى الجهاد فأخذ بعض المنافقين ينهَون أبناءهم وإخوانهم عن الخروج خوف القتل ، فنزل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ) يعني لا تسمعوا لقولهم وتتركوا قول رسول الله فإنَّ من عصَى الرسول فهو كافر (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ) ويسمعْ لقولهم ويَعصِ رسول الله (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .
24 - (قُلْ) لهم يا محمّد (إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ) الّذينَ منعوكم عن الجهاد (وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ) أي اكتسبتموها وجمعتوها (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) أي من طاعة الله وطاعة رسوله فتتركون الجهاد لأجلها (وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ) يعني وهي أحبّ إليكم من الجهاد في سبيله ، والمعنى : إذا كنتم تريدون البقاء في الدنيا لأجل هذه الأشياء الّتي تحبّونها وتخافون القتل (فَتَرَبَّصُواْ) أي انتظروا الموت ، لأنَّ مَن لم يُقتَلْ يَمُتْ ، وليست الدنيا دار خلود فيدوم لكم ما أحببتم منها بل هيَ دار انتقال وزوال ، إنتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ) وكلمة "أَمْر" هيَ كناية عن الملائكة ، والمعنى : إنتظروا حتى يبعث الله ملائكة الموت لأخذ أرواحكم وحينئذٍ تندمون على ما فاتكم (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) الّذينَ منعوكم عن الجهاد .
25 - (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ) والمعنى : لماذا تمتنعون عن الجهاد وتخافون القتل وقد نصركم الله في مواطن كثيرة فلم تُقتَلوا فيها ، وإنَّ الظفَر بيد الله لا بكثرة العدد (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ) كنتم أكثر عدداً من عدوِّكم (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ) من الغلَبة على عدوِّكم (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ) لِما أصابكم من الخوف ، أي وضاقت عليكم الأرض مع سِعتها ، وهذا مثَل يُضرب لمن كان في ضيق (ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) عن النبيّ ، أي مُنهزمين .
26 - (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ ) أي الإطمئنان (عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) يعني ملائكة يُشجّعون المؤمنين على القتال ويأمرونهم بالثبات وبذلك نصركم على عدوِّكم (وَعذَّبَ الّذينَ كَفَرُواْ ) بأيديكم (وَذَلِكَ) الّذي وقع بهم من القتل والأسر والسلب (جَزَاء الْكَافِرِينَ ) .
27 - (ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ ) أي من بعد القتال والأسْر (عَلَى مَن يَشَاء ) من الكافرين الّذينَ أسلموا وعلى المؤمنين الّذينَ انهزموا (وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
القِصَّة
ذكر أهل التفسير وأصحاب السيَر أنَّ رسول الله (ع) لَمّا فتح مكّة خرج منها متوجّهاً إلى حُنين لقتال هوازن وثقيف في آخِر شهر رمضان وأوّل شوّال من سنة ثمان من الهجرة ، وقد اجتمع رؤساء هوزان إلى مالك بن عوف النصري وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريهم ونزلوا بأوطاس ، قال وكان دُرَيْد بن الصِّمَّة في القوم وكان رئيس جشعم وكان شيخاً كبيراً قد ذهبَ بصرهُ من الكبر فقال بأيِّ وادٍّ أنتم ؟ قالوا بأوطاس ، قال نعم مجال الخيل، لا حَزْنٌ ضَرسٌ ، ولا سهلٌ دَهِسٌ ، ما لي أسمعُ رُغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبيان ؟ فقالوا إنَّ مالك بن عوف ساقَ مع الناس أبناءهم وأموالهم ونساءهم ليقاتل كلٌّ منهم عن أهلهِ ومالهِ ، فقال دُريد : راعي ضأن وربّ الكعبة! ثمّ قال : إئتوني بمالك ، فلمّا جاءهُ قال يا مالك إنَّك أصبحتَ رئيس قومك وهذا يومٌ له ما بعده رُدَّ قومك إلى بلادهم وَالْقَ الرجال على متون الخيل فإنَّهُ لا ينفعك إلاّ رجل ٌبسيفهِ وفرسهِ فإنْ كانت لك لَحِقَ بك مَن وراءَكَ وإنْ كانت عليك لا تكُنْ فُضِحتَ في أهلك وعيالك ، فقال لهُ مالك : إنَّك كبرتَ وذهب علمك وعقلك .
وعقدَ رسول الله (ع) لواءهُ الأكبر ودفعهُ إلى عليّ بن أبي طالب وكلُّ من دخل مكّة برايةٍ أمرهُ أن يحملها ويخرج بعد أن أقام بمكّة خمسة عشر يوماً وبعث إلى صفوان بن اُميّة فاستعارَ منه مائة درع ، فقال صفوان عارية أم غصب ؟ فقال النبي : "عارية مضمونة مؤدّاة" ، فأعارهُ صفوان مائة درع وخرج معه ، وخرج من مسلمة الفتح ألفا رجل ، وكان (ع) دخل مكّة في عشرة آلاف رجل ، وخرح منها في إثني عشر ألفاً ، وبعث رسول الله رجلاً من أصحابه إلى مالك بن عوف وهو يقول لقومه : ليُصيّر كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم وأكنّوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فإذا كان في غبش الصبح فاحملوا حملةَ رجلٍ واحد فهدّوا القوم فإنَّ محمّداً لم يلقَ أحداً يُحسن الحرب . ولمّا صلّى رسول الله بأصحابه الغداة انحدرَ في وادي حُنين فخرجت عليهم كتائب هوازن من كلِّ ناحية وانهزمت بنو سليم وكانوا على المقدّمة وانهزم ما وراءهم ، وخلّى الله تعالى بينهم وبين عدوّهم لإعجابهم بكثرتهم ، وبقي علي ومعه الراية يُقاتلهم في نفرٍ قليل ، ومرَّ المنهزمون برسول الله لا يلوون على شيء وكان العباس بن عبد المطلب أخذ بلجام بغلة رسول الله والفضل عن يمينهِ وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يسارهِ ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث في تسعة من بني هاشم وعاشرهم أيمن بن اُمّ أيمن ، وقُتِلَ يومئذٍ ، وفي ذلك يقول العباس :
نَصَرْنا رسولَ اللهِ في الحَرْبِ تِسْعَةٌ وقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فأقشعُوا
وقولي إذا ما الفَضْلُ كرَّ بِسَيْفِهِ عَلَى القَوْمِ اُخرى يا بنيّ لِيَرْجِعُوا
وعاشِرُنا لاقَى الحِمامَ بِنَفْسِهِ لِما نالَهُ في اللهِ لا يَتَوَجّعُ
ولَمّا رأى رسول الله هزيمة القوم عنه قال للعباس وكان جهوريّاً صيّتاً إصعد هذا الضرب فنادِ : يا معشر المهاجرين والأنصار يا أصحاب سورة البقرة يا أهل بيعة الشجرة إلى أين تفرّون هذا رسول الله . فلمّا سمع المسلمون صوت العباس تراجعوا وقالوا لبيّك لبيّك ، وتبادر الأنصار خاصةً وقاتَلوا المشركين حتّى قال رسول الله : الآن حميَ الوطيس "أنا النبيُّ لا كذب أنا ابنُ عبد المطّلب" ، ونزل النصر من عند الله تعالى وانهزمت هوازن هزيمةً قبيحة فذهبوا في كل وجهٍ والمسلمون في آثارهم وذهبَ مالك بن عوف فدخل حصن الطّائف وقُتِلَ منهم زهاء مائة رجل وغَنِمَ المسلمون أموالهم ونساءهم وأمرَ رسول الله بالذراري والأموال أن تُحدَر إلى الجعرانة وولّى على الغنائم بديل بن ورقاء الخزاعي ومضى (ع) في أثر القوم فوافَى الطّائف في طلب مالك بن عوف فحاصر أهل الطّائف بقيّة الشهر ، فلمّا دخل شهر ذي القعدة انصرف وأتَى الجعرانة وقسّمَ بها غنائمَ حُنين وأوطاس وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشياه ما لا يدري عِدّتهُ ، ثمّ أمرَ مُنادياً فنادى يوم أوطاس :
" ألا لا توطأ الحُبالى حتّى يضعنَ ولا غير الحُبالى حتّى يستبرِئنَ بحيضةٍ" ، ثمّ أقبلت وفود هوازن وقدمت على رسول الله بالجعرانة مسلمين فقام خطيبهم وقال : يا رسول الله إنَّما في السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كنَّ يكفلنك فلو أنّا مَلَكَنا ابنُ أبي سمرة أو النعمان بن المنذر ثمّ أصابنا منهما مِثل الّذي أصابنا منك رجَونا عائدتهما وعطفهما وأنتَ خير الكفولين . ثمّ أنشد أبياتاً يستعطف فيها النبيّ . فقال النبي (ع): " أيُّ الأمرين أحبُّ إليكم السبي أو الأموال؟"، قالوا يا رسول الله : بين الحسب وبين الأموال خيّرتنا والحسب أحبُّ إلينا ولا نتكلم في شاةٍ ولا بعير . فقال رسول الله : أمّا الّذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أُكلّم المسلمين وأشفع لكم فكلّموهم أنتم وأظهِروا إسلامكم . فلمّا صلّى النبيّ الهاجرة قاموا فتكلّموا فقال النبي : قد رددتُ الّذي لبني هاشم والّذي بيدي عليهم فمن أحبَّ منكم أن يُعطي غير مُكرَهٍ فليفعل ومن كرهَ أن يُعطي فليأخذ الفداء وعليَّ فداؤهم . فأعطى الناس ما كان في أيديهم من السبايا إلاّ قليلاً منهم سألوا الفداء . وأرسل رسول الله إلى مالك بن عوف وقال : إنْ جئتني مسلِماً رددتُ عليك أهلك ومالك ولك عندي مائة ناقة . فخرج عليه من الطائف فردَّ عليه أهلهُ ومالهُ وأعطاهُ مائةَ ناقة واستعملَهُ علَى مَن أسلمَ مِن قومِه .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |