كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة التوبة من الآية( 31) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

31 - (اتَّخَذُواْ) اليهود (أَحْبَارَهُمْ وَ ) النصارى (رُهْبَانَهُمْ) وقِسِّيسيهم (أَرْبَابًا) أي سادةً . ومن ذلك قول يوسف للساقي {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } يعني عند سيّدك الملِك ، فعظَّموهم وقدَّسوهم (مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) اتّخذوهُ إلاهاً (وَمَا أُمِرُواْ ) في التوراة والزبور والإنجيل (إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبحانهُ ) أي تنزيهاً لهُ (عَمَّا يُشْرِكُونَ ) بهِ من مخلوقات مادّية .

32 - (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) أي بأقوالهم الكاذبة وبصدِّ الناس عن دين الله دين الإسلام ، ويُريد بالنور القرآن (وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ) على المسلمين بواسطة محمّد (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

33 - (هُوَ) الله (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) محمّداً (بِالْهُدَى) أي بالقرآن الّذي هو هدايةٌ إلى الطريق المستقيم (وَدِينِ الْحَقِّ ) الّذي لا يخالطهُ باطل كما خالط دين اليهوديّة والنصرانيّة إذ جاءهم مُلوك بدّلوا دينهم وغيّروا نهجهم فعبدوا البعليم وعشتاروث والشِعرى اليمانيّة وغيرها ، وكذلك النصارى عبدوا المسيح والصليب فخلطوا الحقّ بالباطل . ثمّ أخبرَ سُبحانهُ بأنَّ الحقّ سيعلو ودين الإسلام سيسود جميع الأديان في المستقبل فقال (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) يعني يُظهر الله دين الإسلام على سائر الأديان ويُعلي شأنهُ فوق الجميع ، وذلك وقت ظهور المهدي (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ذلك .

جاء في كتاب مجمع البيان للطبرسي في الجزء الخامس صحيفة (25) قال : "إنَّ ذلك يكون عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلاّ أسلم أو أدّى الجزية"، عن الضحّاك ، وقال أبو جعفر : "إنَّ ذلك يكون عند خروج المهدي فلا يبقى أحدٌ إلاّ أقرَّ بمحمّد (ع)" عن السدي، وقال الكلبي: "لا يبقى دين إلاّ ظهرَ عليه الإسلام وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك"، وقال المقداد بن الأسود : سمعتُ رسول الله (ع) يقول "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر إلاّ أدخلهُ الله كلمة الإسلام إمّا بعزِّ عزيز وإمّا بذلِّ ذليل ."

34 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ ) إحذروا الأحبار والرُهبان (إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) أي يأكلونها بِاسم الدِين ويأخذون الرِشى في الحكم (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) يعني عن دين الله دين الإسلام (وَالّذينَ يَكْنِزُونَ ) أي يجمعون (الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) على المحتاجين والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) في الآخرة سواءً يهوداً كانوا أو نصارى أو مسلمين ، لأنَّ الله تعالى يكرهُ كلَّ بخيل .

35 - (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا ) أي على الذهب والفضّة (فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا ) جزاءُ (مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ ) عذابَ (مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) من الذهب والفضّة .

36 - (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ) للسنة الواحدة (عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ ) أي فيما أحكمهُ الله وأتقَنهُ في الكون (يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ) أي خلق الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) يعني يحرم فيها القتال والصيد (ذَلِكَ) التحريم هو (الدِّينُ) للنبي إبراهيم (الْقَيِّمُ) على أتباعه وأولاده163 (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) بالتعدّي على الناس (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ) أي جميعاً عرباً كانوا أو يهوداً أو نصارَى أو من غيرهم . فكلُّ من يعبد تمثالاً ويقدّسهُ فهو مشرك وكلُّ من يتخذُ أنداداً من دون الله فهو مشرك وكلُّ من يجعل له واسطة بينه وبين الله أو يجعل له شفعاء عند الله فيعبدهم ويقدّسهم فهو مشرك . وقوله (كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) يعني كما يقاتلكم المشركون بكلِّ ما لديهم من وسيلةٍ للقتال (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بالنُصرة . والأشهر الحُرُم ثلاثة منها سرد وهي ذو القعدة وذو الحِجّة والمحرّم ، وواحدٌ فرد وهو شهر رجب .

37 - كانت العادة عند العرب أنَّهم يُحرّمون القتال في الأشهر الحرُم الأربعة وذلك مِمّا تمسَّكت بهِ من شريعة إبراهيم وإسماعيل، ولكنهم غيّروا بعد ذلك بأهوائهم فكان بعض رؤسائهم إذا أرادَ الحرب مع قبيلةٍ اُخرى وكان ذلك في أحد الأشهر الحُرُم قال لقومه نؤخّر حُرمة هذا الشهر إلى الشهر الّذي يليهِ ، مثَلاً إذا كان الوقت شهر مُحرَّم قاتلوا فيه وجعلوا شهر صفر مكانهُ فيقعدون فيه عن القتال ، وهكذا يُبدلون شهراً بشهر على ما تقتضيهِ مصلحتهم ، وتشهد بذلك أشعارهم ، وفي ذلك قال الكُمَيت :

                                ونحنُ النَّاسِئُونَ عَلَى مَعَدٍّ      شُهُورَ الحِلِّ نَجْعَلُها حَرامَا

فذمَّهم الله تعالى على هذه الأعمال فقال (إِنَّمَا النَّسِيءُ ) أي التأخير في حُرمةِ شهرٍ إلى شهرٍ آخر ، والشاهد على ذلك قول الأعشى:

                              أليسَ أخُو الْمَوْتِ مُسْتَوْثِقاً      علَيّ وإنْ قُلْتُ قدْ أنْسَأَنْ

يعني وإن قلتُ قد اُخِرَ عنّي الموت إلى وقتٍ بعيد . وقال عمرو بن أحمر :

                            هَلْ يُهْلِكَنِّي بَسْطُ مَا فِي يَدِي      أَوْ يُخْلِدَنِّي مَنْعُ مَا أَدَّخِر                 
                             هَلْ أُنْسَأَنْ يَوْمِي إِلَى غَيْرِهِ      أَنِّي حَوَالِيٌّ وَأَنِّي حَذِرْ

وقال جرير :
                         لولا عِظامُ طَرِيفٍ ما غَفَرْتُ      لكُمْ يَوْمي بأُودَ ولا أنسأتُكمْ غَضَبي

يعني ولا أجّلتُ عنكم غضبي . (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) على كفركم (يُضَلُّ بِهِ ) أي بالتأخير (الّذينَ كَفَرُواْ ) من العرب ، يعني الرؤساء منهم يُضِلّون المرؤوسين بهذا التغيير والتأجيل ليتبعوهم فيما يأمرونهم بهِ من القتال (يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ) بما تشتهي أنفسهم ، يعني في عامٍ يُحلّون فيه القتال وفي عامٍ آخر يُحرّمون ، فيكون التحليل والتحريم بأيديهم وكيفما يشتهون ، وذلك (لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ ) أي ليدوسوا ويسحقوا ما حرّم الله في هذه الأشهر المحرّمة . والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا } يعني لم تدوسوها بأقدامكم ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم:

                                ووَطِئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ       وَطْءَ الْمُقَيَّدِ نابِتَ الهَرْمِ

(فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ ) بأهوائهم (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) أي زيّنَت لهم رؤساؤهم هذهِ الخلافات في الدِين والأعمال الباطلة (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) إلى طريق الحقّ لأنَّهم ظالمون يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .

------------------------------------

163 :القيّم هو الّذي يقوم بتربية الأيتام ومداراتهم وأمر معاشهم .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم