كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
36 - (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ) للسنة الواحدة (عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ ) أي فيما أحكمهُ الله وأتقَنهُ في الكون (يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ) أي خلق الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) يعني يحرم فيها القتال والصيد (ذَلِكَ) التحريم هو (الدِّينُ) للنبي إبراهيم (الْقَيِّمُ) على أتباعه وأولاده163 (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) بالتعدّي على الناس (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ) أي جميعاً عرباً كانوا أو يهوداً أو نصارَى أو من غيرهم . فكلُّ من يعبد تمثالاً ويقدّسهُ فهو مشرك وكلُّ من يتخذُ أنداداً من دون الله فهو مشرك وكلُّ من يجعل له واسطة بينه وبين الله أو يجعل له شفعاء عند الله فيعبدهم ويقدّسهم فهو مشرك . وقوله (كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) يعني كما يقاتلكم المشركون بكلِّ ما لديهم من وسيلةٍ للقتال (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) بالنُصرة . والأشهر الحُرُم ثلاثة منها سرد وهي ذو القعدة وذو الحِجّة والمحرّم ، وواحدٌ فرد وهو شهر رجب .
37 - كانت العادة عند العرب أنَّهم يُحرّمون القتال في الأشهر الحرُم الأربعة وذلك مِمّا تمسَّكت بهِ من شريعة إبراهيم وإسماعيل، ولكنهم غيّروا بعد ذلك بأهوائهم فكان بعض رؤسائهم إذا أرادَ الحرب مع قبيلةٍ اُخرى وكان ذلك في أحد الأشهر الحُرُم قال لقومه نؤخّر حُرمة هذا الشهر إلى الشهر الّذي يليهِ ، مثَلاً إذا كان الوقت شهر مُحرَّم قاتلوا فيه وجعلوا شهر صفر مكانهُ فيقعدون فيه عن القتال ، وهكذا يُبدلون شهراً بشهر على ما تقتضيهِ مصلحتهم ، وتشهد بذلك أشعارهم ، وفي ذلك قال الكُمَيت :
ونحنُ النَّاسِئُونَ عَلَى مَعَدٍّ شُهُورَ الحِلِّ نَجْعَلُها حَرامَا
فذمَّهم الله تعالى على هذه الأعمال فقال (إِنَّمَا النَّسِيءُ ) أي التأخير في حُرمةِ شهرٍ إلى شهرٍ آخر ، والشاهد على ذلك قول الأعشى:
أليسَ أخُو الْمَوْتِ مُسْتَوْثِقاً علَيّ وإنْ قُلْتُ قدْ أنْسَأَنْ
يعني وإن قلتُ قد اُخِرَ عنّي الموت إلى وقتٍ بعيد . وقال عمرو بن أحمر :
هَلْ يُهْلِكَنِّي بَسْطُ مَا فِي يَدِي أَوْ يُخْلِدَنِّي مَنْعُ مَا أَدَّخِر
هَلْ أُنْسَأَنْ يَوْمِي إِلَى غَيْرِهِ أَنِّي حَوَالِيٌّ وَأَنِّي حَذِرْ
وقال جرير :
لولا عِظامُ طَرِيفٍ ما غَفَرْتُ لكُمْ يَوْمي بأُودَ ولا أنسأتُكمْ غَضَبي
يعني ولا أجّلتُ عنكم غضبي . (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) على كفركم (يُضَلُّ بِهِ ) أي بالتأخير (الّذينَ كَفَرُواْ ) من العرب ، يعني الرؤساء منهم يُضِلّون المرؤوسين بهذا التغيير والتأجيل ليتبعوهم فيما يأمرونهم بهِ من القتال (يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ) بما تشتهي أنفسهم ، يعني في عامٍ يُحلّون فيه القتال وفي عامٍ آخر يُحرّمون ، فيكون التحليل والتحريم بأيديهم وكيفما يشتهون ، وذلك (لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ ) أي ليدوسوا ويسحقوا ما حرّم الله في هذه الأشهر المحرّمة . والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا } يعني لم تدوسوها بأقدامكم ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم:
ووَطِئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ وَطْءَ الْمُقَيَّدِ نابِتَ الهَرْمِ
(فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ ) بأهوائهم (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ) أي زيّنَت لهم رؤساؤهم هذهِ الخلافات في الدِين والأعمال الباطلة (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) إلى طريق الحقّ لأنَّهم ظالمون يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .
38 - ولَمّا أراد النبي (ع) أن يذهب إلى غزوة تبوك وأمرَ أصحابهُ بالتأهّب للخروج تثاقل بعض المسلمين وشقَّ عليهم ذلك لبُعدها ولشدّة الحرّ إذ كان الوقتُ صيفاً ، فنزلت هذه الآيات (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ ) إلى الجهاد (فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) أي تثاقلتم ومِلتم إلى الإقامةِ في الأرض الّتي أنتم عليها (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ) يعني آثرتم الحياة الفانية على الآخرة الباقية (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .
39 - (إِلاَّ تَنفِرُواْ ) يعني لئن لم تخرجوا إل الجهاد (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) بالفقر والذلِّ والمرض ثمَّ القتل أو الموت (وَيَسْتَبْدِلْ) بعد ذلك (قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) مطيعين (وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا ) بقعودكم عن القتال بل تضرّون أنفسكم بما يفوتكم من الغنيمة في الدنيا والثواب في الآخرة (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يعني على استبدالكم بغيركم قدير .
40 - (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ) يعني إنْ لم تنصروا النبيّ بالجهاد فقد نصرهُ الله في بادئ الأمر وسينصرهُ إلى الآخر (إِذْ أَخْرَجَهُ الّذينَ كَفَرُواْ ) من داره بمكّة وهما (ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) النبيّ وأبي بكر (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ ) محمّد (لِصَاحِبِهِ) أبي بكر (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) بالمحافظة والنُصرة (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ ) أي الإطمئنان (عَلَيْهِ) يعني على رسولهِ (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ ) من الملائكة (لَّمْ تَرَوْهَا ) لأنَّها روحانيّة (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ) يعني جعل كلمتهم خاسرة لم تنجح خطَّتهم (وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) يعني هي الكائنة الناجحة (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينتقم من أهل الشِرك (حَكِيمٌ) في تدبيرِه .
لَمّا دخل النبيّ الغار ومعه أبو بكر أرسل الله العنكبوت فنسجت بيتاً على باب الغار وجاءت حمامة وباضت عند باب الغار ، فلمّا جاء سُراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال لو دخلهُ أحدٌ لانكسرَ البيض وتفسَّخَ بيت العنكبوت فانصرف . وقال النبيّ : "اللَّهم أعمِ أبصارهم عنّا" ، فعَمِيَتْ أبصارهم عن دخول الغار وصاروا يضربون يميناً وشمالاً حول الغار .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |