كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة التوبة من الآية( 41) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

41 - (انْفِرُواْ) إلى الحرب وقتال المشركين ، ومعنى إنفروا : هيجوا ، ثوروا ، قوموا ، يقال "نفرَتْ الدجاجة" ، أي قامت من مكانها وتركت كُرْكَها {أي سباتها} وقولهُ (خِفَافًا وَثِقَالاً ) أي خفافاً عن الحديد أو مُثقلين بالحديد ، وهو ما كان يُستعمل للحرب كالدروع والخُوذ والتروس وغير ذلك ، والمعنى : لا يمنعْكم قِلَّة السلاح عن الخروج للقتال فإنَّ الله ينصركم ولو قاتلتم بالحجارة دون السلاح (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ ) الجهاد (خَيْرٌ لَّكُمْ ) عند الله من القعود عن الجهاد (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر في الآخرة .

42 - ثمّ أخبرَ الله تعالى عن سبب تثاقلهم وقعودهم عن الجهاد فقال (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا ) "العَرَض" هو المال ، والمعنى : لو كان ما دعوتَهم إليهِ غنيمة قريبة تنالها أيديهم (وَسَفَرًا قَاصِدًا ) أي صالحاً فيهِ مطامع وأرباح مادّية (لاَّتَّبَعُوكَ) فيما دعوتهم إليه طمعاً في المال (وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) أي بَعُدَتْ عليهم المنطقة الّتي تقصدونها وطول المسافة يشقُّ عليهم ، ومن ذلك قولُ امرئ القيس :

                            ماذا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ ظُعُنٍ      إلا صِبَاكَ وقِلَّةُ العَقْلِ

وقال لبيد يصفُ إبِلاً :

                           رَحَلْنَ لشُقَّةٍ وَنَصَبْنَ نَصْباً      لِوَغْراتِ الهواجِر والسَّمُومِ

وهي غزوة تَبوك اُمِروا فيها بالخروج من المدينة إلى الشام (وَسَيَحْلِفُونَ) لكم (بِاللّهِ) قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) إلى القتال . ثمّ أخبرَ الله تعالى عنهم بأنّهم كاذبون في يمينهم فقال (يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ) في جهنّم بسبب اليمين الكاذبة والعذر الباطل وما اعتادوهُ من النفاق (وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) في عذرهم ،

قال بعض المفسّرين أنَّ آية (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً ) منسوخة بآية {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى } يعني ليس عليهم حرج في التأخير عن القتال . أقول لا تناسخ بالأحكام في الآيتين وإنّما أرادَ بالأولى جميع من يستطيع القتال ، وخصَّ بالثانية الضعفاء والمرضى ، فقد أباح لهم القعود عن القتال .

43 - (عَفَا اللّهُ عَنكَ ) يا محمّد (لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) في الانصراف ، يعني لهؤلاء المنافقين الّذينَ استأذنوهُ في القعود عن القتال بأعذار كاذبة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الّذينَ صَدَقُواْ ) منهم (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) منهم أيضاً .

44 - (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ) في التخلّف والقعود عن الجهاد (الّذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) مِنْ (أَن يُجَاهِدُواْ ) معك (بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) .

45 - (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ) في القعود المنافقون (الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) بكثرة الشك (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ ) أي في شكّهم (يَتَرَدَّدُونَ) أي يتقلّبون . فالريب معناهُ الشكّ ، ومن ذلك قول عنترة :

                               يرَونَ احتِمالي عِفّةً فيُريبُهم      توفّرُ حِلمِي أنّني لستُ أغْضَبُ

46 - (وَلَوْ أَرَادُواْ ) أي المنافقون (الْخُرُوجَ) مع النبيّ للقتال (لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ) أي لهيّأوا له أسباب الحرب ولكنهم لم يتهيّأوا له (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ ) مع المؤمنين إلى القتال لِما عَلِمَ في قلوبهم من نفاقٍ وخيانة (فَثَبَّطَهُمْ) أي وقَّفهم عن الخروج ، والمعنى : جعل في نفوسهم الكسل وفي قلوبهم الخوف فتوقفوا عن الخروج (وَقِيلَ) لهم (اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ) في بيوتكم مع النساء والصبيان .

47 - (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم ) أيُّها المؤمنون (مَّا زَادُوكُمْ ) قوّةً ونصراً (إِلاَّ خَبَالاً ) أي إلاّ شرّاً وفساداً ، وقد سبق معنى "خَبال" في سورة آل عمران أيضاً (ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ ) أي ولنشروا وبثّوا بينكم أخباراً كاذبة ، يُقال "هذا حديثٌ موضوع" ، أي كاذب لا صِحة لهُ ، ومن ذلك قول الأعشى يخاطب رجُلاً أحبَّ سلمى :

                                         أَقْصِرْ فإنّكَ طالَما      أوْضعْتَ في إعْجابِها

يعني إنَّك مدحتها باطلاً مدحتها بشيءٍ لم تستحقّ المدح فيه ، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) أي يُريدون أن يفتنوكم ويلقوا بينكم العداوة بتلك الأحاديث الموضوعة (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) أي وفيكم من يُصغي لقولهم ويظنّ أنّهم صادقون في قولهم وذلك لجهله بهم وبما يضمرونهُ في قلوبهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) فلا تَخفَى عليه أعمالهم ولا أسرارهم .

48 - (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ ) لأصحابك (الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ ) أي من قبل غزوة تبوك ، و"الفتنة" هي إغواء الناس بالأكاذيب والأضاليل وصدّهم عن الإيمان وعن الجهاد وإلقاء الشبهة في قلوب ضعفاء المسلمين (وَقَلَّبُواْ لَكَ الاُمور ) بكذبهم وسوء أخلاقهم (حَتَّى جَاء الْحَقُّ ) أي حتّى جاءك النصر الّذي وعدك الله بهِ ، فالحقّ هو وعد الله بالنصر لرسولهِ (وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ ) أي وغلبَ دينهُ وعلت كلمتهُ (وَهُمْ كَارِهُونَ ) نصرنا لك ، والمعنى : كان ذلك على رغمٍ منهم .

49 - (وَمِنْهُم) يعني من المنافقين الّذينَ سبق ذكرهم (مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ) يعني لا تُعذّبني بالخروج معك إلى القتال حيث الحرُّ شديد وليس لي طاقةٌ على تحمُّل الحرّ ، والّذي قالها هو جدُّ ابن قيس أخو بني سلمة ، فأذنَ لهُ النبيّ بالانصراف (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) يعني في العذاب سقط هؤلاء المنافقون (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) وهذا تهديدٌ لهم ووعيدٌ بالعذاب في الآخرة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم