كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
41 - (انْفِرُواْ) إلى الحرب وقتال المشركين ، ومعنى إنفروا : هيجوا ، ثوروا ، قوموا ، يقال "نفرَتْ الدجاجة" ، أي قامت من مكانها وتركت كُرْكَها {أي سباتها} وقولهُ (خِفَافًا وَثِقَالاً ) أي خفافاً عن الحديد أو مُثقلين بالحديد ، وهو ما كان يُستعمل للحرب كالدروع والخُوذ والتروس وغير ذلك ، والمعنى : لا يمنعْكم قِلَّة السلاح عن الخروج للقتال فإنَّ الله ينصركم ولو قاتلتم بالحجارة دون السلاح (وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ ) الجهاد (خَيْرٌ لَّكُمْ ) عند الله من القعود عن الجهاد (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر في الآخرة .
42 - ثمّ أخبرَ الله تعالى عن سبب تثاقلهم وقعودهم عن الجهاد فقال (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا ) "العَرَض" هو المال ، والمعنى : لو كان ما دعوتَهم إليهِ غنيمة قريبة تنالها أيديهم (وَسَفَرًا قَاصِدًا ) أي صالحاً فيهِ مطامع وأرباح مادّية (لاَّتَّبَعُوكَ) فيما دعوتهم إليه طمعاً في المال (وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) أي بَعُدَتْ عليهم المنطقة الّتي تقصدونها وطول المسافة يشقُّ عليهم ، ومن ذلك قولُ امرئ القيس :
ماذا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ ظُعُنٍ إلا صِبَاكَ وقِلَّةُ العَقْلِ
وقال لبيد يصفُ إبِلاً :
رَحَلْنَ لشُقَّةٍ وَنَصَبْنَ نَصْباً لِوَغْراتِ الهواجِر والسَّمُومِ
وهي غزوة تَبوك اُمِروا فيها بالخروج من المدينة إلى الشام (وَسَيَحْلِفُونَ) لكم (بِاللّهِ) قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) إلى القتال . ثمّ أخبرَ الله تعالى عنهم بأنّهم كاذبون في يمينهم فقال (يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ) في جهنّم بسبب اليمين الكاذبة والعذر الباطل وما اعتادوهُ من النفاق (وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) في عذرهم
،
قال بعض المفسّرين أنَّ آية (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً ) منسوخة بآية {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى } يعني ليس عليهم حرج في التأخير عن القتال .
أقول لا تناسخ بالأحكام في الآيتين وإنّما أرادَ بالأولى جميع من يستطيع القتال ، وخصَّ بالثانية الضعفاء والمرضى ، فقد أباح لهم القعود عن القتال .
43 - (عَفَا اللّهُ عَنكَ ) يا محمّد (لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) في الانصراف ، يعني لهؤلاء المنافقين الّذينَ استأذنوهُ في القعود عن القتال بأعذار كاذبة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الّذينَ صَدَقُواْ ) منهم (وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) منهم أيضاً .
44 - (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ) في التخلّف والقعود عن الجهاد (الّذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) مِنْ (أَن يُجَاهِدُواْ ) معك (بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) .
45 - (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ) في القعود المنافقون (الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) بكثرة الشك (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ ) أي في شكّهم (يَتَرَدَّدُونَ) أي يتقلّبون . فالريب معناهُ الشكّ ، ومن ذلك قول عنترة :
يرَونَ احتِمالي عِفّةً فيُريبُهم توفّرُ حِلمِي أنّني لستُ أغْضَبُ
46 - (وَلَوْ أَرَادُواْ ) أي المنافقون (الْخُرُوجَ) مع النبيّ للقتال (لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ) أي لهيّأوا له أسباب الحرب ولكنهم لم يتهيّأوا له (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ ) مع المؤمنين إلى القتال لِما عَلِمَ في قلوبهم من نفاقٍ وخيانة (فَثَبَّطَهُمْ) أي وقَّفهم عن الخروج ، والمعنى : جعل في نفوسهم الكسل وفي قلوبهم الخوف فتوقفوا عن الخروج (وَقِيلَ) لهم (اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ) في بيوتكم مع النساء والصبيان .
47 - (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم ) أيُّها المؤمنون (مَّا زَادُوكُمْ ) قوّةً ونصراً (إِلاَّ خَبَالاً ) أي إلاّ شرّاً وفساداً ، وقد سبق معنى "خَبال" في سورة آل عمران أيضاً (ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ ) أي ولنشروا وبثّوا بينكم أخباراً كاذبة ، يُقال "هذا حديثٌ موضوع" ، أي كاذب لا صِحة لهُ ، ومن ذلك قول الأعشى يخاطب رجُلاً أحبَّ سلمى :
أَقْصِرْ فإنّكَ طالَما أوْضعْتَ في إعْجابِها
يعني إنَّك مدحتها باطلاً مدحتها بشيءٍ لم تستحقّ المدح فيه ، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) أي يُريدون أن يفتنوكم ويلقوا بينكم العداوة بتلك الأحاديث الموضوعة (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) أي وفيكم من يُصغي لقولهم ويظنّ أنّهم صادقون في قولهم وذلك لجهله بهم وبما يضمرونهُ في قلوبهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) فلا تَخفَى عليه أعمالهم ولا أسرارهم .
48 - (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ ) لأصحابك (الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ ) أي من قبل غزوة تبوك ، و"الفتنة" هي إغواء الناس بالأكاذيب والأضاليل وصدّهم عن الإيمان وعن الجهاد وإلقاء الشبهة في قلوب ضعفاء المسلمين (وَقَلَّبُواْ لَكَ الاُمور ) بكذبهم وسوء أخلاقهم (حَتَّى جَاء الْحَقُّ ) أي حتّى جاءك النصر الّذي وعدك الله بهِ ، فالحقّ هو وعد الله بالنصر لرسولهِ (وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ ) أي وغلبَ دينهُ وعلت كلمتهُ (وَهُمْ كَارِهُونَ ) نصرنا لك ، والمعنى : كان ذلك على رغمٍ منهم .
49 - (وَمِنْهُم) يعني من المنافقين الّذينَ سبق ذكرهم (مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ) يعني لا تُعذّبني بالخروج معك إلى القتال حيث الحرُّ شديد وليس لي طاقةٌ على تحمُّل الحرّ ، والّذي قالها هو جدُّ ابن قيس أخو بني سلمة ، فأذنَ لهُ النبيّ بالانصراف (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) يعني في العذاب سقط هؤلاء المنافقون (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) وهذا تهديدٌ لهم ووعيدٌ بالعذاب في الآخرة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |