كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
53 - ثمَّ بيّنَ سُبحانهُ أنَّ هؤلاء المنافقين لا ينتفعون بما ينفقون مع إقامتهم على الكفر والعصيان فقال: (قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ) أي طائعين أو مُكرَهين (لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ) أي خارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله .
54 - (وَمَا مَنَعَهُمْ ) من الإنفاق في الماضي لو كانوا مؤمنين بالله وبرسولهِ ، ولكن امتناعهم عن الإنفاق في الماضي جعل (أَن) لا (تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ ) في الحاضر لأنّهم ينفقون رئاء الناس ، وما كان سبب امتناعهم عن الإنفاق (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ ) وهذا كان سبب امتناعهم عن الإنفاق (وَ) لذلك (لاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى ) أي مُتكاسلين مُتثاقلين (وَلاَ يُنفِقُونَ ) اليوم (إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ) .
55 - (فَلاَ تُعْجِبْكَ ) كثرة (أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ ) فتريد أن ينفقوا من أموالهم للجهاد وأولادهم للقتال (إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وذلك بأن يُعطيهم الكثرة من المال ثمَّ يسلبهُ منهم بسبب من الأسباب فيحزنون على أموالهم بعد فقدانها ، ويعطيهم الأولاد ثمَّ يُميتهم فيحزنون على فقدانهم (وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ ) على ذهاب أموالهم وأولادهم ، يعني يموتون من شِدّةِ ما بهم من الحُزن والكآبة ، ومن ذلك قولُ لبيد :
شَفَى النَّفْسَ ما خُبِّرتُ مَرَّانُ اُزْهِقَتْ ومَا لَقِيَتْ يَوْمَ النُّخَيْلِ حَرِيمُ
وقال جرير :
إنّ أبا مَنْدُوسَةَ الْمُعَرَّقَا يومَ تَمنّانَا فكانَ الْمُزهَقَا
لاقَى مِنَ الموتِ خَليجاً مُتْأَقَا لَمّا رَأَوْنَا والسُّيوفَ البُرَّقَا
(وَهُمْ كَافِرُونَ ) لنِعَم الله عليهم ، أي مُنكِرون للنِعَم لا يَشكرون عليها .
ثمَّ أظهر سِرّاً من أسرارهم فقال تعالى :
56 - (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ ) أي من جُملتكم مؤمنون ، فقال تعالى (وَمَا هُم مِّنكُمْ ) أي ليسوا مؤمنين كما آمنتم (وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) أي يخافون منكم ويهابون ، تقول العرب {فَرَقٌ خيرٌ من حُبٍّ } يعني : أن تُهابَ خيرٌ من أن تُحَبَّ .
57 - (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً ) يلجؤون إليهِ ، يعني حِصناً في مدينةٍ يتحصَّنون بهِ (أَوْ مَغَارَاتٍ ) في الجبال يأوون إليها (أَوْ مُدَّخَلاً ) في الأرض ، يعني سراديب يختفون بها عنكم (لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ ) يعني لذهبوا عنكم إلى الملجأ يتحصَّنون بهِ عنكم (وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) أي يخرجون عن طاعتكم وعن دينكم . فالجِماح هو الخروج عن طاعة الغير والعمل بهوى النفس ، ومن ذلك قولهم "فرسٌ جموح" يعني تغلّبَ على راكبهِ وذهبَ به لا ينثني ، و"جمحت المرأة من زوجها" أي خرجت من بيتهِ قبل أن يُطلّقها ، ومِثله طمحت ، وفي ذلك قول شاعرهم :
إذا رَأَتْنِي ذاتُ ضِغْنٍ حَنَّتِ وجَمَحَتْ من زَوْجِها وأَنَّتِ
وقال الآخر :
خَلَعْتُ عِذارِي جامِحـاً مـا يَرُدُّنـِي عَنِ البِيضِ أَمْثالِ الدُّمَى زَجْرُ زاجِرِ
وقال جرير :
ألا تَذكُرُ الأزْمانَ إذْ تَتْبَعُ الصِّبَا وإذْ أنْتَ صَبٌّ وَالهوَى بكَ جامِحُ
وقال جرير لجاريةٍ اشتراها ففركتهُ :
فإنْ تَقصِدي فالقَصْدُ منّي خَلِيقةٌ وإنْ تَجْمَحِي تَلْقَيْ لِجامَ الجوامِحِ
وقال النابعة الذبياني يمدح قوماً :
يَقُولُونَ حِصْنٌ ثُمَّ تَأبَى نُفُوسُهُمْ وكَيْفَ بِحِصْنٍ والجِبالُ جُمُوحُ
يقول الشاعر من يأبى الذلَّ لا يتحصَّن بالحصون خوف القتل بل يذهب إلى الجبال حيث هيَ مكان الجموح .
58 - (وَمِنْهُم) أي من المنافقين (مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) أي يَعيبك فيها إذا رأى قسمتهُ قليلة فيقول إنَّ النبيَّ لا يقسم بالسويّة بل يعطي لمن أحبَّهُ أكثر من غيره (فَإِنْ أُعْطُواْ ) الكثير (مِنْهَا رَضُواْ ) عنك (وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا ) كثيراً (إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) عليك ويعيبونك .
59 - (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ ) من الأموال والرزق الحلال (وَرَسُولُهُ) من الصدقات (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) في المستقبل (وَرَسُولُهُ) في المرّة الثانية المقبلة وقالوا (إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ) في العطاء ، لكان خيراً لهم من أن يلمزوك في الصدقات .
60 - (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ) "الفقير" هو العامل ولكنّه محتاج لأنّ أجرة عمله لا تكفيه ، و"المسكين" هو المحتاج ولا عمل له أو لا يتمكّن على عمل ليحصل على قوتهِ وقوت عياله (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) وهم سُعاة الزكاة أي جُباتها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وهؤلاء قوم من الأشراف في زمن النبيّ (ع) وكان يعطيهم سهماً من الزكاة ليتألّفهم به على الإسلام ويستعين بهم على قتال المشركين (وَفِي الرِّقَابِ ) أي في فكّ الرقاب من الأسْر (وَالْغَارِمِينَ) أي المديونين في غير معصية الله ولا إسراف فيُقضَى عنهم دَينُهم ، ومن ذلك قول جرير يمدح الوليد بن عبد الملك :
أشكُو إليكَ وربّما تكفُونَني عَضَّ الزمانِ وثِقْلَ دَيْنِ الْمُغرَمِ
وقال الحُطيئة :
فَبَاتُوا كِراماً قَدْ قَضَوْا حَقَّ ضَيْفِهِمْ فَلَمْ يَغْرمُوا غُرْماً وَقَدْ غَنِمُوا غُنْمَا
(وَفِي سَبِيلِ اللّهِ ) وهو الجهاد (وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي المسافر المنقطع (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ) فرضها لهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بحوائج خلقه (حَكِيمٌ) فيما فرض عليهم وأوجبَ لهم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |