كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
71 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في وصف المؤمنين فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) أي بعضهم أنصار بعضٍ (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ ) فيما أمرهم بهِ ونهاهم عنه (وَرَسُولَهُ) أي ويُطيعون الرسول في إرشاداتهِ وأوامرِه (أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ) في الآخرة (إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينتقم لهم من أعدائهم (حَكِيمٌ) فيما يفعل .
72 - (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ ) في القرآن (وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ ) في الآخرة (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) أي في الجنان السبع . العَدَّة والعدانة والعدن نظائر ، وكلُّها أسماء لأعداد خاصة ، "العَدَّة" بفتح العين أربعة في العدد ، و"العَدْن" سبعة ، و"العدانة" ما زاد على السبعة إلى العشرة ، وفي قاموس الفيروزآبادي قال : "العَدْن" من الزمان سبع سنين ، ومن ذلك قول الأعشى :
وإنْ يَسْتَضِيفُوا إلى حُكْمِهِ يُضافُوا إلَى راجِحٍ قَدْ عَدَنْ
أي قد زاد سبعة أضعاف ، ومِمّا يؤيّد هذا ذكرها على الجمع فقال تعالى (جَنَّاتِ عَدْنٍ ) ولم يقل جنّة عَدْن (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ) يعني ورضاء الله عليهم أعظم عندهم من نعيم الجنان (ذَلِكَ) النعيم والرضوان (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) في الآخرة .
73 - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ) بالسيف (وَالْمُنَافِقِينَ) بالزجر والتأنيب (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) بالقول ولا تُعاملهم باللّين (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) في الآخرة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) يكون مصيرهم .
74 - نزلت هذهِ الآية في أصحاب العقبة أرادوا أن يغتالوا رسول الله في العقبة عند رجوعهم من تبوك وعزموا أن يقطعوا أنساع راحلتهِ ثمّ ينخسوا به ناقته فيسقط من فوقها ، فأطلعهُ الله تعالى على ذلك ، فسارَ رسول الله في العقبة وعمّار وحُذيفة معهُ أحدهما يقود ناقتهُ والآخر يسوقها ، وأمر الناس كلَّهم بسلوك بطن الوادي ، وكان الّذينَ همّوا بقتلهِ إثني عشر رجلاً ، ولَمّا سألهم النبيّ عن ما قالوهُ فيهِ حلفوا بالله أنَّهم ما قالوا شيئاً فيه .
فنزل قوله تعالى (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ ) شيئاً يخصّ النبيّ ، ولكنّهم كاذبون (وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) أي كلمة الجحود والإنكار ، والمعنى : أنكروا نبوّة محمّد (وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ) يعني أنكروا نبوّتهُ بعد أن اعترفوا له بالنبوّة (وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ) يعني همّوا بقتل النبيّ ليلة العقبة والتنفير بناقتهِ ولكن لم ينالوا ما أرادوا لأنَّ الله أخبرهُ بذلك فأخذ الحذر منهم (وَمَا نَقَمُواْ ) من رسولنا (إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) يعني نقموا من محمّد لأنَّ الله أغناهم ومحمّد أعطاهم من الغنائم فطغَوا ، والمعنى : أنَّهم أبدلوا الحسنة بالسيئة والنعمة بالنُكران (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا ) عن الحقّ وعن الطريق المستقيم (يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا ) بالمرض والفقر والذلّ (وَالآخِرَةِ) بعذاب النار (وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمرهم ومُساعدَتهم (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصرهم وينجيهم من العذاب .
75 - (وَمِنْهُم) أي من المنافقين (مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ ) قائلاً (لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ ) أي من رزقهِ الواسع (لَنَصَّدَّقَنَّ) أي لنتصدّق على الفقراء والمساكين (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
76 - (فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ ) من المال الواسع (بَخِلُواْ بِهِ ) ولم ينفقوا منه على الفقراء والمساكين كما عاهدوا الله عليه (وَتَوَلَّواْ ) عن الفقراء لئلاّ يسألوهم من أموالهم (وَّهُم مُّعْرِضُونَ ) عن الدِين وعن ما أمر الله بهِ من الزكاة .
77 - (فَأَعْقَبَهُمْ) البُخلُ (نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) يعني إلى يوم يلقَون عقابَ الله على بُخلهم ونفاقهم ، وهو يوم موتهم وانتقالهم إلى عالم النفوس (بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ ) من الإنفاق على الفقراء والمحتاجين (وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ) على الله .
78 - (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ) "السِرّ" هو النوايا الّتي يكتمها الإنسان في قلبهِ ، و"النجوى" هيَ الأحاديث الخفيّة تكون بين شخصين أو أكثر فيتشاورون فيما بينهم ، ومن ذلك قولُ الشاعر :
إِنِّي إِذا ما القَوْمُ كانُوا أَنْجِيَهْ واضْطَرَبَ القَوْمُ اضْطِرابَ الأَرْشِيَهْ
(وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) "الغيب" كلُّ حادثٍ لا يعلمهُ الإنسان وقعَ أم لم يَقعْ .
79 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ قسم آخر من المنافقين فقال (الّذينَ يَلْمِزُونَ ) أي يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) أي المتطوّعين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الّتي يُقدّمونها للنبيّ لكي يوزّعها على الفقراء (وَ) يعيبون الفقراء (الّذينَ لاَ يَجِدُونَ ) من المال ليتصدّقوا بهِ (إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) يعني إلاّ قدر طاقتهم وتمكينهم ، لأنَّ بعض المؤمنين أغنياء فيأتون بمالٍ كثير وبعضهم فقراء ويحبّون أن يتصدّقوا فيأتون بشيءٍ يسير ، فإذا رآهم المنافقون عابوهم لقلّةِ ما قدّموهُ من الصدقات ، ويعيبون من أتى بالكثير أيضاً فيقولون إنَّهُ يحبُّ الرياء والسمعة ولذلك أتى بمالٍ كثير (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ) يعني المنافقون يسخرون من المؤمنين المتطوّعين بالصدقات ، فقال الله تعالى (سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ ) أي من المنافقين ، يعني سخرَ من جهلهم بعواقب الاُمور (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة . فلَمّا سمعوا هذه الآية جاء بعضهم إلى النبيّ وقال : "إستغفر لي يا رسول الله" ، فاستغفرَ لهُ النبيّ ، فنزلت هذهِ الآية .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |