كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
78 - (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ) "السِرّ" هو النوايا الّتي يكتمها الإنسان في قلبهِ ، و"النجوى" هيَ الأحاديث الخفيّة تكون بين شخصين أو أكثر فيتشاورون فيما بينهم ، ومن ذلك قولُ الشاعر :
إِنِّي إِذا ما القَوْمُ كانُوا أَنْجِيَهْ واضْطَرَبَ القَوْمُ اضْطِرابَ الأَرْشِيَهْ
(وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) "الغيب" كلُّ حادثٍ لا يعلمهُ الإنسان وقعَ أم لم يَقعْ .
79 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ قسم آخر من المنافقين فقال (الّذينَ يَلْمِزُونَ ) أي يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) أي المتطوّعين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الّتي يُقدّمونها للنبيّ لكي يوزّعها على الفقراء (وَ) يعيبون الفقراء (الّذينَ لاَ يَجِدُونَ ) من المال ليتصدّقوا بهِ (إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) يعني إلاّ قدر طاقتهم وتمكينهم ، لأنَّ بعض المؤمنين أغنياء فيأتون بمالٍ كثير وبعضهم فقراء ويحبّون أن يتصدّقوا فيأتون بشيءٍ يسير ، فإذا رآهم المنافقون عابوهم لقلّةِ ما قدّموهُ من الصدقات ، ويعيبون من أتى بالكثير أيضاً فيقولون إنَّهُ يحبُّ الرياء والسمعة ولذلك أتى بمالٍ كثير (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ) يعني المنافقون يسخرون من المؤمنين المتطوّعين بالصدقات ، فقال الله تعالى (سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ ) أي من المنافقين ، يعني سخرَ من جهلهم بعواقب الاُمور (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة . فلَمّا سمعوا هذه الآية جاء بعضهم إلى النبيّ وقال : "إستغفر لي يا رسول الله" ، فاستغفرَ لهُ النبيّ ، فنزلت هذهِ الآية .
80 - (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) وذِكر السبعين في العدد يأتي للمُبالغة في الكَثرة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) إلى طريق الحقّ .
81 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ المنافقين الّذينَ تخلّفوا عن الجهاد مع النبيّ في غزوة تبوك ورضُوا بالقعود فقال (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ ) يعني المتخلّفون عن الجهاد (بِمَقْعَدِهِمْ) أي بقعودهم في المدينةِ (خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ ) أي بعد ذهاب رسول الله إلى تبوك (وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ ) أي قال بعضهم لبعضٍ (لاَ تَنفِرُواْ ) أي لا تخرجوا (فِي الْحَرِّ ) أي في الصيف (قُلْ) لهم يا محمّد (نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) يعني إنْ كان تخلّفهم عن الجهاد بسبب الحرّ فماذا يكون مصيرهم لَمّا يدخلون جهنّم وكيف يكون حالهم حينئذٍ ؟
82 - (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الضحك هنا كناية عن الفرح ، والبكاء كناية عن الحزن ، واللّام من قوله فليضحكوا لام العاقبة ، والمعنى : سنجعل حياتهم في الدنيا قليلة الأفراح وكثيرة الأحزان وبذلك يقلُّ ضَحكهم ويكثر بُكاؤهم وذلك جزاءً بما كانوا يكسبون من آثام .
83 - ثمَّ خاطب اللهُ رسولهُ فقال تعالى (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ ) من غزوتك (إِلَى) المدينةِ إلى (طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ ) أي من المنافقين الّذينَ تخلّفوا عن النبيّ (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ) معك إلى غزوةٍ اُخرى (فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا ) إلى غزوةٍ (وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أي عن غزوة تبوك (فَاقْعُدُواْ) الآن (مَعَ الْخَالِفِينَ ) أي مع الأطفال والصبيان ، فالخلَف هم أبناء السلَف .
84 - (وَلاَ تُصَلِّ ) يا محمّد (عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ) أي من المنافقين (مَّاتَ أَبَدًا ) يعني إذا مات (وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ) لقراءة الفاتحة والدعاء له (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) لم يتوبوا ولم يُغيّروا عاداتهم السيئة يعني بعضهم مات وبعضهم باقٍ لم يمت .
85 - (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) سبق تفسيرها في آية (55) من هذه السورة .
86 - (وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ) في شأن الجهاد وذُكِرَ فيها (أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ ) أي صدّقوا بالثواب الّذي أعدّهُ اللهُ للمجاهدين (وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ ) في القعود عن الجهاد (أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ ) أي الأغنياء منهم (وَقَالُواْ ذَرْنَا ) أي اتركنا (نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ ) في المدينة ولا نريد الخروج معك .
87 - (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ ) أي مع الأطفال والصبيان لأنَّ الرجال كلهم ذهبوا للجهاد (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) بالرّين ، يعني البُخل وحُبّ المال طَبعَ على قلوبهم بالرّين فلم يَدَعْهم ليخرجوا للجهاد (فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ) أي لا يعلمون ما للمجاهد عند الله من الثواب والنعيم في الجنان .
88 - (لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالّذينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) في سبيل الله أولائك لهم أجرهم عند الله (وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ) في الدنيا والآخرة (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) أي الظافرون بالوصول إلى البُغية .
89 - (أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
90 - ثمَّ أخبرَ الله تعالى عن المتخلّفين عن القتال بأنّهم كانوا صنفَين : صنف مُنافقون كاذبون على الله وعلى رسوله بادّعائهم الإيمان قعدوا عن الجهاد بغير استئذان ، وصنف ضعفاء ومرضى وشيوخ لا يستطيعون القتال جاؤوا إلى النبيّ يعتذرون فأذن لهم في القعود ، وذلك قوله تعالى (وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ ) أي المعتذِرون ، فأسقِطت التاء للإدغام ، يعني الّذينَ لهم عُذرٌ شرعي والّذينَ يتعذّر عليهم الخروج للقتال (لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ) في القعود فأذِنَ لهم النبيّ في ذلك (وَقَعَدَ الّذينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) بدون إذنٍ من النبيّ (سَيُصِيبُ الّذينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ ) أي من المتخلّفين (عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |