كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 - (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) والمعنى : قولوا الحمدُ لله الّذي خلقَ الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض لنعيش عليها ونسكن فيها (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) أي جعل اللّيل بسبب الظُلمة والنهار بسبب الشمس الّتي هي منبع النور ، وإنّما قدّم الظلمة على النور لأنّ الفضاء كلّه أظلم [ مُظلِم ] والنور ينبعث من الشمس والنجوم فتضيء لنا (ثُمَّ الّذينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ) بعد هذه الآيات الدّالّة على قُدرتهِ وحكمتهِ ، ومعنى "يعدِلون" أي يجعلون لهُ عديلاً ونِدّاً يعبدونهُ كما يعبدون الله . 2 - (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ) أي خلق أباكم من طين ، والمعنى : بدأ خلقكم من طين (ثُمَّ قَضَى ) لكم (أَجَلاً) في دار الدنيا ، والأجَل هو من يوم ولد الإنسان إلى يوم يموت (وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ) في عالم الأرواح ، والمعنى : وجعل لكم أجَلاً آخر باقين فيهِ ، وهو من موتكم إلى يوم القيامة ، والأجَل معناه التأجيل أي الإمهال ، و"المسمّى" معناهُ المقدّر لكم (ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ) أي تشكّون وتجادلون في البعث والحساب ، ومن ذلك قول عنترة :
فمَنْ يكُ في قتلِهِ يَمتَرِي فإنّ أبا نوفَلٍ قد شَجِبْ
فهذه الآية تصرّح وتؤكّد بأنّ الإنسان لا يزول من الوجود بموتهِ بل ينتقل من عالم مادّي إلى عالم أثيري روحاني ، وبعبارة اُخرى أقول أنّ الإنسان لا يموت بل ينتقل من دار إلى دار ، لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي أمّا الجسم فلا حاجة فيه بعد خروج النفس منهُ ، فيجب على الإنسان أن يتهيّأ للانتقال إلى الدار الاُخرى التي يرحل إليها عن قريب فيهيّئ لهُ متاعاً وأثاثاً وألبسة وأطعمة وغير ذلك مِمّا يحتاج إليه هناك ، ويجب عليه أن يتزوّد من ذلك لأنّه باقٍ هناك152 لا يرتحل ولا يموت موتة ثانية ، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } ، وقال تعالى في سورة البقرة {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ } ، يعني ما تعطونهُ للفقراء من مأكل أو ملبس أو أثاث أو غير ذلك تجدون شبيههُ في الآخرة ، يعني الروحاني منهُ .
وقد شرحتُ عن العالم الأثيري في كتابي الإنسان بعد الموت وكتابي ساعة قضيتها مع الأرواح شرحاً وافياً فإن أردتَ زيادة إيضاح فطالع أحدهما تجد ما يسرّك .
3 - (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ) الأثيرية تعبدهُ الملائكة فيها وتقدّسهُ (وَفِي الأَرْضِ ) كلّها يعبدهُ المؤمنون بهِ ويُقدّسونهُ (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) من سيّئات فيُعاقبكم عليها في الآخرة .
4 - ثمّ وجّه الخطاب للنبيّ فقال تعالى (وَمَا تَأْتِيهِم ) يعني المشركين من العرب (مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ) يعني من آيات القرآن المنزلة من ربّهم (إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) ولكَ مُكذّبين .
5 - (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ ) بهِ محمّد من الأدلّة العقلية والآيات القرآنية فاستهزؤوا بِها ، وكان استهزاؤهم بالآيات المتشابهة من القرآن (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ ) في المستقبل (أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) من الآيات الّتي لم يفهموا معناها ، يعني سوف يأتيهم تأويلها وتفسيرها لكي يعلموا أنّه كلام الله وليس من قول البشر كما زعموا ، وذلك على لسان المهدي المنتظر وقلمه . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة ص {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } أي بعد زمن .
6 - (أَلَمْ يَرَوْاْ ) يعني ألم يعلم هؤلاء المشركون المكذّبون وينظرون في تاريخ الاُمَم الماضية (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) يعني من القرون السالفة الّذينَ كذّبوا الرُسُل (مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ) بكثرة الأموال والأولاد (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ) أيّها العرب المشركون (وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا ) بكثرة الأمطار لإنبات الزرع (وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ) فلمّا أرسلنا إليهم رُسُلاً كذّبوهم وأهانوهم (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) غيرهم .
7 - قال بعض المشركين من قُريش : يا محمّد لن نؤمن لك حتّى تُنزّل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في قرطاس ، فنزلت هذهِ الآية (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا ) مكتوباً (فِي قِرْطَاسٍ ) كما اقترحوا عليك يا محمّد (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) ورأوهُ بأعينهم لم يُصدّقوك بل (لَقَالَ الّذينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ، و"القرطاس" هو ورق الكتابة وجمعه قراطيس ، ومن ذلك قول جرير :
كأنَّ ديارَ الحيَّ منْ قِدَمِ البِلَى قَرَاطيسُ رُهبانٍ أحالَتْ سطُورُهَا
8 - (وَقَالُواْ) أي كفّار قريش (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) من السماء فيخبرنا بأنّ محمّداً نبيٌّ وهو صادق في دعوتهِ . فردّ الله عليهم قولهم وقال (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ) بإهلاكهم ، والمعنى : لو أنزلنا ملَكاً من السماء كما اقترحوا لقالوا عند رؤيتهِ هذا سِحرٌ مُبين ، كما قال فرعون وقومه لَمّا رأوا العصا صارت حيّة ، فكذلك قُريش إذا لم يؤمنوا عند رؤية الملَك وجب عليهم الهلاك والدمار وينتهي الأمر بهم إلى النار (ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) أي لا يُمهَلون .
9 - (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا ) أي لو جعلنا الرسول إليهم ملَكاً (لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ) لأنّ الملائكة أثيريّون لا تراهم الناس ولا تسمع أصواتهم إلا بالإيحاء فينبغي أن نجعل للملَك جسماً مادّياً لكي تراهُ الناس (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) يعني فإذا جعلناهُ رجلاً بأن جعلنا لهُ جسماً مادّياً التَبسَ الأمرُ عليهم كما هم مُلتبسون الآن. ومن ذلك قول الخنساء :
أشَدَّ علَى صُروفِ الدَّهْرِ أيْداً وأفصلَ في الخطُوبِ بِغيرِ لَبسِ
أي بغير التباس . وقال حسّان بن ثابت :
أَمُّوا بِغَزْوِهِمِ الرَّسُوَل وأَلْبَسُوا أَهْلَ القُرَى وَبَوَادِيَ الأَعْرَابِ
والدليل على أنّ الله تعالى قصد بذلك الإلتباس لا اللّباس قولهُ تعالى ( لَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ) ، ولم يقل "للبسنا عليهِ" ، لتكون الكناية للملَك بل كانت الكناية للمشركين بقوله تعالى (عَلَيْهِم) .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |