كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المنافقون من الآية( 1) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1 - (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) وهم الذين يُظهِرون الإيمان ويُبطنون الكفر (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) فيهم (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) في قولهم .

2 - (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) أي وقاية عن القتل لئلا يُقتَلوا (فَصَدُّوا) الناس (عَن سَبِيلِ اللَّهِ) أي عن طريق الحق (إِنَّهُمْ) معذّبون في الآخرة (سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من أعمال سيئة .

3 - (ذَ‌ٰلِكَ) العذاب جزاء لهم (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ) الكفر (عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) أيّ لا يعلمون الحقيقة .

4 - (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) بحسن منظرهم وجمال بزّتهم (وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لحسن منطقهم وفصاحة لسانهم وبلاغة بيانهم (كَأَنَّهُمْ) في عدم ثباتهم على دين الإسلام (خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) مفردها خُشبة وجمعها خُشُب ، وهو القصب المقطوع من منبته اليابس . والشاهد على ذلك قول حسّان يهجو قوماً:

                 كأنكم خُشُبٌ جوفٌ أسافِلُهُ      مُثقّبٌ فيهِ أرواحُ الأعاصيرِ

الأرواح جمع ريح ، وقوله "مثقبٌ فيه أرواح الأعاصير" يعني كالقصبة التي صنعوا منها مزماراً بعد أن ثقبوها. وقال لبيد يصف الأمطار والمياه المنحدرة من الجبال إلى الأودية والتي تحمل معها القش الأخضر واليابس فقال:


                       فكُلُّ وادٍ هَدَّتْ حَوَالِبُهُ      يَقْذِفُ خُضْرَ الدَّباءِ فالخُشُبَا

يعني يقذف القش الأخضر والقصب اليابس .

فإن الله تعالى شبّه المنافقين بالقصب اليابس ترى منظره حسناً أصفر لامعاً يشبه الذهب يظنّه الإنسان قويّاً متيناً ولكنه أجوف رقيق يتكسّر إذا ضُغط عليه. فكذلك المنافقون يعجبك منظرهم وحديثهم فتظن أنهم عقلاء مفكّرون ولكنهم عكس ذلك فارغون من العقل والتفكير جبناء خائفون مما أضمروه في أنفسهم للمؤمنين من السوء.
وقوله (مُّسَنَّدَةٌ) يعني تلك القصب مُسندة إلى جدار لئلا تقع على الأرض. والمعنى: لهؤلاء المنافقين رئيس يسندهم وهو عبد الله بن أبيّ رئيس المنافقين (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ) تصدر من أحد هي (عَلَيْهِمْ) فيلتفتون بسبب ما أضمروه في قلوبهم من الخيانة (هُمُ الْعَدُوُّ) لك وللمؤمنين (فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) أيّ كيف يُصرَفون عن الإيمان بعد قيام البرهان .

5 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا) إلى رسول الله معتذرين (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) أي مالوا وأعرضوا (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن الحق (وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) عن الإذعان لرسول الله . نزلت هذه الآيات في عبد الله بن أبيّ وأصحابه المنافقين لَمّا قالوا "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل" . فسألهم رسول الله عن ذلك فحلفوا له ما قالوا . فنزلت هذه الآيات وبيّنت أنّهم قالوا ذلك .

6 - ثمّ قال الله تعالى (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) يا محمد (أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) إلى طريق الحق لأنّ أخلاقهم سيئة ولا يغفر ذنوبهم لأنهم منافقون. ومثلها في سورة التوبة {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ } ، فانظر إلى هذه الآية وتأمّل معناها كيف يخاطب الله رسوله فيقول {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ }. ولكن مع وضوح الآية نرى كثيراً من الناس ينقلون موتاهم من بلد إلى بلد آخر ليدفنوهم عند قبور الأئمة والمشايخ متحمّلين بذلك مشقات السفر وكثرة النفقات التي تُصرف على الجنائز والإنشغال بها تاركين أعمالهم ووظائفهم لأشياء تافهة لا نفع فيها ولا غاية منها إلا ضياع الوقت وتبذير المال ضانّين أنّ الأئمة تشفع لهم عند الله أو تدفع عنهم عذاب الله لما استوجبوه من المعاصي والآثام كأنهم لم يقرؤوا قول الله تعالى أو لم يسمعوه {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ }. وكأنّهم لم يقرؤوا قوله تعالى في سورة الزمر {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}. وإذا سألت أحدهم: لماذا تنقلون موتاكم إلى قبور الأئمة؟ قال لأنّهم يستجيرون بهم ليخلّصوهم من العذاب . هذه عقائدهم ، وقد قال الله تعالى في سورة الجن مخاطباً رسوله الكريم {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ، والمعنى إن عصيتُ ربّي فلن يجيرني منه أحد ولن أجد ملجئاً ألجأ إليه وأختفي فيه لأتخلّص من العذاب .

أقول إن كان محمد لا يجيره أحد إن لم يمتثل بعض أوامر الله فكيف بمن هو من سائر الناس وعلى الأخصّ إن كان فاسقاً أو مجرماً؟ ثمّ هل الجسم الفاني هو الإنسان الحقيقي فينقلوه إلى قبور الأئمة والأولياء أم النفس الأثيرية ، أي الروحانية؟ فلما ثبت أنّ النفس هي الإنسان الحقيقي ، إذاً فما قيمة الجسم الذي يَنتنّ ثم يتفسّخ ويكون تراباً؟ هذا وقد قال النبيّ (ع) "أينما مات فاقبروه". فنقل الجنائز من بلد إلى بلد آخر لا يجوز ولا فيه فائدة.

7 - ثمّ قال الله تعالى (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) لأصحابهم من أهل المدينة (لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ) من فقراء المهاجرين (حَتَّىٰ يَنفَضُّوا) أي لكي يتفرّقوا عن النبيّ . قاله عبد الله بن أبيّ رئيس المنافقين ، فقال الله تعالى (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) سيعطيهم من فضله ويغنيهم عن قريب فلا يحتاجون إلى نفقاتهم (وَلَـٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) أي لا يعلمون عن المستقبل .

8 - (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا) من غزوة بني المُصطلق (إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا) يعنون أنفسهم (الْأَذَلَّ) عنوا به رسول الله والمهاجرين . فقال الله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) أي الغَلَبة والقوة (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) العاقبة لجهلهم وغرورهم بالمال .

------------------------------------
<<السورة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم