كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النبأ من الآية( 1) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1 - (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) يعني عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون ؟ ومن ذلك قول يزيد بن المهلب :

رويدكِ حتّى تنظُري عمّ يَنجلِي ..... غَيابةُ هذا العارِضِ المتألِّقِ
فبيّن سبحانه ماهو سؤالهم فقال :

2 - (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) يعني عن الخبر العظيم ، فالنبأ هو الخبر ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

وذلكَ مِنْ نبأٍ جاءَنِي ..... وأُنبِئتُهُ عن أبي الأسوَدِ
وجمع نبأ أنباء ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران { ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ } .

3 - (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) والخبر الذي اختلفوا فيه هو البعث والنشور ، فأقرّ به قوم وأنكره آخرون ، وإنّ الذين أقرّوا به أيضاً اختلفوا فيه فقال قومٌ البعث للنفوس من دون الأجسام ، وقال آخرون بل تبعث النفوس والأجسام معاً ، ثم اختلفوا في الأرواح فأقرّ بعض الناس بوجود الأرواح وأنكرها آخرون . فهذا هو الاختلاف بين الناس في البعث . وكذلك اختلفوا في الحساب فقال بعضهم يكون الحساب بعد الموت مباشرة ، وقال آخرون بل يكون يوم القيامة .

4 - (كَلَّا) وهي كلمة ردع لمن أنكر وجود الأرواح ، والمعنى ليس كما تتوهّمون أن ليس للإنسان روح (سَيَعْلَمُونَ) حقيقة ذلك حين موتهم فيرون الأرواح والجن والملائكة والشياطين وكل مخلوق أثيري .

5 - (ثُمَّ كَلَّا) لمن أنكر البعث (سَيَعْلَمُونَ) صحة ذلك حين انتقالهم إلى عالم النفوس بالموت فيرون الملائكة التي تقبض نفوسهم من أجسامهم والعذاب الذي وعدناهم به وغير ذلك ممّا أنكروه وجحدوا به

6 - ثم أخذ سبحانه يبيّن للناس دلائل قدرته على البعث بإتقان خلقه لمخلوقاته وإحكام صنعته للأشياء إذ لا عيب فيها ولا نقصان فقال تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) أي ممهّدة للسكنى عليها والزرع فيها والتنقّل بين جبالها ووديانها .

7 - (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) للأرض وتوازنا لها إذ لولا الجبال لأخذت الأرض تتمايل وتدور بغير انتظام ولاختلفَ الطقس عندهم فيكون يوم شديد البرد واليوم الثاني شديد الحر وبذلك يمرضون ولا يمكنهم أن يقوموا بأمر معاشهم .

8 - (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) ذكوراً وإناثاً لتتناسلوا وتتكاثروا .

9 - (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) أي راحة لكم ، ومن ذلك سميّ يوم السبت ، أي يوم الراحة عند اليهود .

10 - (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) أي ستراً .

11 - (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) لكم ، أي تطلبون فيه معاشكم .

12 - (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ) أي راصفنا فوقكم ، يعني فوق الغلاف الجوي للأرض (سَبْعًا شِدَادًا) يعني سبع سماوات أثيرية متراصفة بعضها فوق البعض ، وهي مسكن الملائكة اليوم وهي الجنان التي ندخلها بعد الموت إن شاء الله ذلك . وكلمة "شِداد" معناها محكمات متقنات قويات لا يتمزّقن ولا يتبعثرن مهما طالت القرون والدهور ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة التحريم { عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } يعني أقوياء ، وتدلّ على الثبات أيضاً ومن ذلك قوله تعالى في سورة النساء { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا }.

13 - (وَجَعَلْنَا) في الفضاء (سِرَاجًا وَهَّاجًا) أي متوهّجاً بالنار والحرارة ، وهي الشمس .

14 - (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ) أي من السحب (مَاءً ثَجَّاجًا) أي صبّاباً بكثرة .

15 - (لِّنُخْرِجَ بِهِ) أي بماء المطر (حَبًّا وَنَبَاتًا) "الحَبّ" ما يقتات به الإنسان كالحنطة والرز والذرة وغير ذلك، و"النبات" كالبقول والكلاء وغير ذلك ممّا ينبت في الأرض .

16 - (وَجَنَّاتٍ) أي بساتين (أَلْفَافًا) أي ملتفّة الأشجار ومشتبكة الأغصان بعضها مع البعض .

17 - (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) لعقابهم وحسابهم ، يوم الفصل هو يوم القيامة ، والدليل على ذلك قوله تعالى :

18 - (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) وقد سبق الشرح عن الصور والنفخ فيه في سورة الأنعام في آية 73 (فَتَأْتُونَ) من الأرض إلى المحشر في الفضاء (أَفْوَاجًا) أي جماعات كثيرة . وإنّما قال الله تعالى (كَانَ مِيقَاتًا) على صيغة الماضي يعني كان الله قد أنذرهم به في الدنيا قبل الآخرة .

19 - (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ) أي انشقت ، وهي السماوات الغازيّة (فَكَانَتْ أَبْوَابًا) يعني في بادئ الأمر تنشقّ فتكون فيها فتحات كأنها أبواب ، وذلك حين وقوف الأرض عن دورتها المحورية ، ثمّ تتمزّق وتختلط تلك الغازات بعضها مع البعض فتكون دخاناً ، وذلك حين تتمزق الأرض والمجموعة الشمسية .

20 - (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ) يريد بالجبال هنا النيازك التي في الفضاء الدائرات حول الأرض ، فإذا انتهت جاذبية الأرض بسبب انتهاء حرارة جوفها ووقفت عن دورتها المحورية فلا يبقى حينئذ اتصال لتلك النيازك بالأرض فتستولي عليهنّ جاذبية الشمس وتجذبهنّ إليها (فَكَانَتْ سَرَابًا) أصلها أسراباً ، يعني تسير النيازك نحو الشمس أسراباً كأسراب القطا ، وبذلك تكون القافية متّصلة بما قبلها "أفواجاً ، أبواباً ثم يأتي أسراباً ".

21 - (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) أي محلّ رصدٍ وقنص ، فهي تجذب النفوس إليها من الفضاء ولا يفلت منهم أحد .

22 - (لِّلطَّاغِينَ مَآبًا) أي مأوى لهم يأوون إليها ويسكنون فيها .

23 - (لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) أي ماكثين فيها دهوراً تعقبها دهور ، ومفرد الأحقاب "حقبة" ومن ذلك قول علقمة يصف ناقة :

قد عُرّيتْ حُقبةً حتّى استطفّ لها ..... كترٌ كحافةِ كيرِ القينِ ملمومُ

24 - (لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا) أي في جهنّم (بَرْدًا وَلَا شَرَابًا) يعني لا ماءً بارداً شراب الفواكه .

25 - (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) يعني إلّا ماءً ساخناً شديد السخونة وسائلاً آخر أسود اللون عكراً ، من قولهم "غَسَق الليل" أي سواده ، والغَسَق الغبار الكثيف أيضاً ، ومن ذلك قول جرير :

إنّا لنسمو للعدوّ حَنَقاً ..... بالخيلِ أكداساً تثيرُ غَسَقاً
يعني تُثير غباراً كثيفاً فيظلم الجو من كثرة الغبار . والمعنى : لهم شراب كدرٌ قد اسودّ لونه مما خالطه من هباب الدخان .

26 - (جَزَاءً) لهم (وِفَاقًا) لكفرهم وعنادهم وتكذيبهم بآيات الله .

------------------------------------
<<السورة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم