|
كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 - كان عبد الله بن أمّ مكتوم من أصحاب رسول الله وكان مكفوف البصر ، فأرسله النبي إلى أحد من رجال قريش يدعوه إلى الأسلام ، فلمّا جاءه عبد الله وكلّمه أخذته الأنفة أن ينقاد لرجل أعمى فقير الحال ، فعبس وجهه وتوّلى عنه ولم يسمع لقوله ، فرجع عبد الله وأخبر النبي بذلك وقال لو ذهبت إليه بنفسك أراه ينقاد لقولك ويستسلم لأمرك ، ثم ندم الرجل على صدوده بعد ذلك وجاء إلى النبي وأسلم . فنزلت هذه الآيات : 2 - (أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ) يعني حين جاءه عبد الله يدعوه إلى الإسلام .
3 - (وَمَا يُدْرِيكَ) يا محمد لو ذهبت إليه بنفسك ودعوته لانقادَ ، و( لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ) يعني يتطهّر من الكفر والإشراك .
4 - (أَوْ يَذَّكَّرُ) بالقرآن (فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ) يعني أو يستمع للقرآن فيتّعظ به وينتفع بما يستمع .
5 - (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ) عن إستماع القرآن وابتعد عنه ،
6 - (فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ) أي تقف في طريقه وتعترض له لكي تسمعه بعض آيات القرآن .
7 - (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ) يعني ليس لك عقابه إن لم يتطهّر من الإشراك وإنّما عليك الإنذار وليس عليك الهداية .
8 - (وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ) برجله وأسلم ،
9 - (وَهُوَ يَخْشَىٰ) أي يخاف عقاب الله إنْ بقيَ على إشراكه .
10 - (فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ) أصلها تتلهّى ، فحذفت إحدى التائين تسهيلاً للكلام ، والمعنى : إنك تتشاغل عنه ولم تذهب بنفسك إليه بل أرسلت الأعمى ليدعوه إلى الإسلام .
11 - (كَلَّا) لا تفعل هكذا فتتصدى لمن استغنى عن القرآن وتتلهّى عن الذي له رغبة في الإيمان (إِنَّهَا) إشارة إلى آيات القرآن (تَذْكِرَةٌ) أي موعظة .
12 - (فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ) يعني فمن شاء أن يتّعظ فليتعظ بها .
13 - (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ) يعني هذه المواعظ والآيات مكتوبة عندنا في صحف مقدّسة مكرّمة كرمتها الملائكة والأنبياء ومن تبعهم .
14 - (مَّرْفُوعَةٍ) عن عبث العابثين بها فلا يقدر أحد أن يغير أو يبدّل فيها ما يشاء (مُّطَهَّرَةٍ) من الإشراك لم يُكتَب فيها أنّ المسيح ابن الله ولا العزير ولا شيء آخر ممّا غيرّته الايدي وخطّته الأقلام في الكتب السّماويّة التي عندكم في الأرض .
15 - (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) مفردها سفير ، وجمعها سفرة وسفراء ، وهم رسُل الله إلى خلقه ، ومن ذلك قول جرير :
بَعَثتُ إلَيكُمُ السّفَراءَ تَتْرَى ..... فأمْسَى لا سَفِيرَ وَلا عِتَابَا
والمعنى أنزلنا تلك المواعظ والآيات على الرسل الماضين ويسّرنا لهم تلك الصحف حتّى قبضوا عليها بأيديهم وقرأوها على قومهم .
16 - (كِرَامٍ) عند الله (بَرَرَةٍ) أي أبرار صالحين مطيعين . والمعنى كل آية أو سورة أو حكم من الأحكام التي ينزل بها جبرائيل على النبي محمد أو نزل بها على الأنبياء السابقين فإنها تُكتَب أولاً في اللّوح المحفوظ ثم ينزل بها جبرائيل إلى الأنبياء ، فإذا ذهبت تلك السورة من بين الناس أو ضاعت أو أصابها تغيير وتبديل فإنّ الأصل موجود في اللوح لا يضيع ولا يتغيّر ولا تناله الأيدي لكي تعبث به . وممّا يؤيد هذا قوله تعالى في سورة الحجر { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
17 - ثمّ أخذ سبحانه في ذمّ الإنسان المتكبّر على الله وعلى رسوله والمنكر لنعم ربّه فقال تعالى (قُتِلَ الْإِنسَانُ) والمعنى قاتله الله (مَا أَكْفَرَهُ) أي ما أشدّ كفره وإنكاره لنعم ربّه .
18 - (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ؟
19 - (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) في رحم أمّه حتى أصبح جنيناً ، أي قدّر له البقاء في رحم أمه تسعة أشهر أو أقل من ذلك ، وقدّر أن شكون جنيناً ذكراً أو أنثى ، وقدّر عمره في الدنيا بالسنين ، وقدّر له غير ذلك من خيرٍ أو شر إمتحاناً واختباراً في حال بُلُوغه .
20 - (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) السبيل معناه الطريق ، والمعنى ثمّ يسّر له سبل الحياة والمعاش فوجد كلّ شيء حاضراً مهيئاً له ممّا يحتاجه ولا صعوبة عليه في تحصيله ولا مشقة في طلبه يأكل ويشرب ويلبس ويلعب حتى إذا قوي عظمه ونما جسمه وبلغ أشدّه أنكر نعم ربّه وكفر بخالقه واغترّ بقوته ونسي ضعفه وبكاءه وبوله في ثيابه وغائطه في فراشه حين كان طفلاً . ولقد أحسن الراجز في وصف هذا المنكر للنعم إذ قال
ولدته الأمّ والأعضاء في حالٍ ضعيفْ ... عاجزاً من كلّ أكلٍ غير مأكولٍ خفيفْ
يتغذّاهُ مِنَ الثديَينِ معسولاً لطيفْ ..... مَنْ أقامَ الرزقَ في الثديِ لِهذا أنتَ قُلْ لي
حينما قدْ صارَتْ القوّةُ فيهِ كامِلَة ........... ورأى كلّ مُهِمّاتِ الحياةِ حاصِلَة
أنكرَ النعمةَ والفضلَ الذي قد صارَ لَه ...مِنْ أقامَ الكونَ مشغولاً لِهذا أنتَ قُلْ لي
21 - (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) ،
22 - (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ) .
وأظن قد اعتراك سؤال أيّها القاريء الكريم فتقول إنّ الله تعالى قد كرّر ذكر البعث والحشر وأكدّ عليه وتوعّد به في كثير من سور القرآن ولكن في هذه الآية قال (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ) فبيّن أن النشور مقرون بالإشاءة والإرادة غير مؤكد .
والجواب على ذلك إنّ البعث للنفوس دون الأجسام ، وكذلك الحشر والحساب والجزاء كلّه للنفوس وليس للأجسام ، ولذلك ذكره الله مراراً وأكدّ عليه ، أما كلمة "نشور" فهي خاصّة لنشر الأجسام على الأرض ، ولذلك قال تعالى (إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ) ، والمعنى إنّ الله تعالى لا يعجزه شيء فلو شاء إعادة الأجسام الميتة إلى الحياة ثانية لأعادها ولكن لا حاجة إلى ذلك .
فكلمة "بعث" معناها الإرسال من مكان إلى مكان آخر ولا تعطي معنى الحياة ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا } ومعناه أرسلنا منهم . وقال تعالى في سورة النحل { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } .
أمّا كلمة "حشر" فمعناها الجمع ولا تعطي معنى الحياة ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النمل {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} . والمعنى جُمِعَ لسليمان جنوده . وقال تعالى { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } .
23 - (كَلَّا) لا يشاء نشوره لأنّه (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) أي لم يقضِ ما أمره الله تعالى من الطاعات واجتناب السيئات بل خالف بعضها إن لم يخالف كلّها . ولا يخلو إنسان من ذنب ، فكلمة " لَمَّا " تعطي تعيين الوقت ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني:
فإنْ يكنْ قد قضَى في خِلّةٍ وَطَراً ..... فإنّني مِنكِ لَمّا أقضِ أوطارِي
فقول الشاعر "في خلّة وطراً" دليل الزمن الذي كان يقضيه معهم ، ولذلك لم يقل "قد قضى من خلّة وطراً".
والمعنى : لو لم يكن ذلك الجسم المقبور قد أذنبت النفس بواسطته ، لأعاده إلى الحياة وأنشأ فيه نفساً أخرى غير الأولى كما خلق آدم من تراب .
![]() |
![]() |
![]() |
||
| كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
| كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |