كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة طه من الآية( 108) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

108 - (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ ) يعني يتّبعون صوت الداعي الّذي يدعوهم إليهِ ، وهو إسرافيل (لَا عِوَجَ لَهُ ) أي لا يميلون عنهُ يميناً ولا شمالاً بل يصعدون نحوهُ إلى الفضاء . ونظيرها في سورة الإسراء قوله تعالى {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } ، (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) . الهمس هو الكلام الخفي ، تقول العرب "همسَ في اُذني" يعني كلّمني بكلام واطئ الصوت لا يسمعهُ إلاّ هو ، ومن ذلك قول الشاعر :

                                   فباتُوا يُدْلِجُونَ وباتَ يَسْرِي      بَصِيرٌ بِالدُّجَى هادٍ هَمُوسُ

يعني يسمع الأصوات الخفيّة . والمحشر يكون في الفضاء .

109 - (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ ) في أحدٍ من الناس (إِلَّا) في (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ) يعني في الموحِدين الّذينَ رضي الله عنهم تنفعهم شفاعة الأنبياء (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) يعني بشرط أن يكون ذلك الإنسان صادقاً في قولهِ موحِّداً في دينهِ لم يُشرك بعبادةِ ربّهِ ، فذلك تنفعهُ شفاعة الشافعين

110 - (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) ضمير الميم في (أَيْدِيهِمْ) يعود للأنبياء ، يعني الشافعين ، والمعنى : يعلم ما قدّموهُ بين أيديهم من أعمال (وَمَا) تركوه (خَلْفَهُمْ) من سُنَن وشرايع (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) أي وهم لا يُحيطون بمكنونهِ عِلماً فلا يعلمون ذاته ولا يعلمون ما في نفسهِ من أسرار . والدليل على ذلك قول عيسى بن مريم كما في سورة المائدة {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } .

111 - (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) "العنَت" معناه الذلّ والخضوع ، و"الوجوه" هم رؤساء القوم وأشرافهم ، مُفردها وجيه ، والمعنى : خضعت وذلّت في ذلك اليوم الملُوك والرؤساء لعظمة الله وانقادت لمشيئتهِ وحُكمهِ ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) أي مَن ظلمَ الناس واغتصبَ حقوقهم خابَ أملهُ وخسِرَ عمله .

112 - (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ وبالآخرةِ (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) أي لا يخاف ظلماً من الشياطين في عالم البرزخ لأنّ الملائكة تحرسه ، ولا هضماً يوم القيامة بأخذ حسناتهِ وإعطائها لغيره إن كان غير ظالم لحقوق الناس .

113 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أخبرناك بالقيامة وعلائمها كذلك (أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) ليفهموهُ (وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ) أي وكرّرنا فيه من الوعيد بأساليب مُختلفة (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الشِرك والمعاصي (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) يعني أو يُجدّد القرآن لهم عِظةً واعتباراً بالاُمَم السالفة فيتركوا الأنداد ولا يعبدوها .

114 - (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) أي ارتفعت صِفاته عن صفات المخلوقين الّذينَ جعلوهم شُركاء لله (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أي لا تعجل بتلاوتهِ قبل أن يفرغ جبرائيل من إبلاغهِ . لأنّ النبيّ كان يقرأ معه مخافةَ أن ينساهُ (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) بما أنزلتهُ على أنبيائك في الكتب السماويّة وأخبارهم . وبعد التهديد والوعيد ذكّرَهم بقصّةِ آدم وخروجه من الجنّة فقال تعالى :

115 - (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ ) بأن لا يُخرجهُ الشيطان من الجنّة بإغرائهِ إلى الاقتراب من الشجرة والأكل من ثمرتها (فَنَسِيَ) آدم قول الله إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) على الثبات فيما أمرناهُ ولا حزماً . وهذا تهديد أيضاً لأهل مكّة ، ومعناه إن لم يتوبوا ويتركوا عبادة الأصنام فسنُشتّت شملهم ونُخرجهم من مكّة كما أخرجنا آدم من الجنّة لَمّا عصَى أمر ربّه

116 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تفصيل ما أجملهُ من قصّة آدم وحذّرهم من إبليس فقال تعالى (وَإِذْ) أي واذكر لهم قصّة آدم وإبليس إذْ (قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ) أن يسجد .

117 - (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا ) إبليس (عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ) حوّاء (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ) بوسوستهِ وإغوائهِ (فَتَشْقَى) في حياتك الدنيويّة ، أي تتعب .

118 - (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا ) أي في الجنّة لكثرة أثمارها (وَلَا تَعْرَى ) عن اللّباس لِما فيها من أنعام تسرح وتمرح فتصنع من أصوافها وجلودها ثياباً .

119 - (وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا ) عن الماء لِما فيها من عيون وشلالات (وَلَا تَضْحَى ) أي ولا يُصيبك حرّ الشمس لكثرة أشجارها واعتدال مناخها .

120 - (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ) في وَسوَسَتهِ (يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) إن أكلتَ منها تبقَى مُخلّداً في هذه البستان لا يُخرجك منها أحدٌ (وَ) هذا (مُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) أي لا يَفنَى ولا يزول ، ومن ذلك قول حسّان :

                                وَأَيُّ جَدِيدٍ لَيْسَ يُدْرِكُهُ البِلَى      وَأَيُّ نَعِيمٍ لَيْسَ يَوْماً بِزائِلِ

121 - (فَأَكَلَا مِنْهَا ) أي من شجرة توت العلّيق ، يعني آدم وحوّاء (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) بعد أن تمزّقت ثيابهما بأشواك الشجرة ، يعني بدت عورة حوّاء لآدم وعورة حوّاء لآدم ، لأنّ آدم لم يدخل بها قبل ذلك الوقت (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ) ثيابهما ، أي يُرقّعان ثيابهما وهيَ (عَلَيْهِمَا) دون أن ينزعاها (مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي من ورق التين (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ) باقترابهِ من الشجرة وأكله من ثمرتها (فَغَوَى) زوجتهُ حوّاء بمدحهِ ثمرتها فأكلت هي أيضاً من توت الشجرة . ومضمون القِصّة إنّ الله تعالى يُحذّر الناس من اتّباع إبليس لئلاّ يمنعهم من دخول الجنّة في الآخرة كما أخرج أبويهم من الجنّة في الدنيا .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم