كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 109) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

109 - قالت قُريش : "يا محمّد إن شئتَ أن نُصدّقك فائتنا بمعجزةٍ كما جاء بها موسى وصالح ." فقال بعض المسلمين : "إنّكم لا تؤمنون ولو جاءكم بأكبر معجزة" . فأخذوا يُقسِمون الأيمان بأنّهم يؤمنون إذا رأوا منه معجزة مادّية ، فنزلت هذه الآية (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) أي بالَغوا في اليمين (لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ ) أي معجزة (لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ) ولا يُكذّبون (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ ) إن رأى في إنزالها مصلحة لهم أنزلها وإن رأى في إنزالها إهلاكهم ودمارهم لا يُنزل آية مِمّا طلبوها (وَمَا يُشْعِرُكُمْ ) أيّها المسلمون (أَنَّهَا) يعني المعجزة (إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) عند رؤيتها بل يقولون هذا سِحرٌ مُبين .

110 - (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ) في الحيرة والشكّ (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ ) أي بالقرآن (أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أي قبل إيمان هؤلاء الضعفاء والفقراء الّذينَ استحقروهم (وَنَذَرُهُمْ) أي ونتركهم (فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي في تكبّرهم (يَعْمَهُونَ) أي يتردّدون . وذلك لأنّهم يقولون كيف نؤمن بمحمّد وقد سبقنا هؤلاء الفقراء فيكونون هم الرأسُ ونحن الذنَب .

111 - دعا النبيّ (ع) قريشاً إلى الإيمان فقالوا إمّا أن تنزّل علينا ملائكة ً من السماء تشهد بأنّك رسول الله فنُصدّقك ، وإمّا أن تُحيي آباءنا فتقوم من القبور وتشهد أنّك رسول الله فنصدّقك ، وإمّا أن تأتينا وحوش الفلاة فتنطق وتشهد أنّك رسول الله فنصدّقك . فنزلت هذهِ الآية (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ ) كما اقترحوا عليك فتشهد لهم بأنّك رسول الله (وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ) بعد إحيائهم بأنّك رسول الله (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ ) وحوش (كُلَّ شَيْءٍ ) أي جمعنا لهم وحوش كلّ ناحية حولهم ، وجاءت (قُبُلاً) أي مُقبِلةً عليهم تكلّمهم بأنّك رسول الله (مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ) بك يا محمّد لأنّهم يقولون سَحَرَنا محمّد ، فلا يؤمنون (إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ) إيمانهم (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) عاقبة المعجزات وما يؤول إليه أمرهم [بعدها] .

112 - (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا ) وذلك ليشيعَ أمر النبيّ ويُذاع خبره وينتشر في الأرض ذكرهُ (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ) أي دجّالين من الإنس ودجّالين من الجنّ ، فكلمة شيطان معناها دجّال مُحتال ، ومن ذلك قول جرير :

                                   أيامَ يدعونَني الشيطانُ من غزَلي      وكُنَّ يَهْوَينَنِي إذْ كنتُ شَيطانَا

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ) يعني شياطين الجنّ توحي إلى شياطين الإنس وتعلّمهم الدجَل والإغراء وذلك بالإيحاء لا بالكلام (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) يعني يعلّمونهم القول المزخرَف المعسُول الذي يُغري الناس ، وفي ذلك قال الشاعر :

                                    يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسانِ حَلاوَةً      وَيرُوغُ عَنْكَ كما يَرُوغُ الثَّعْلَبُ

(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) وذلك بأن ينزّل عليهم الطاعون أو نوعاً آخر من الأمراض المهلِكة فيُبيدهم أجمعين ، ولكنّ الله تعالى أمهلهم وخلّى بينهم وبين ما يعملون لمصالح لا تعلمونها (فَذَرْهُمْ) أي اتركهم (وَمَا يَفْتَرُونَ ) علينا من الأكاذيب .

113 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تسلية النبيّ ووعدهُ بأنّ الكافرين سيصغون إلى القرآن في المستقبل إن لم يصغوا إليه اليوم وليرضَوهُ إن لم يرضَوا بهِ اليوم وليقترفوا من علومهِ إن لم يقترفوا اليوم ، وذلك قولهُ تعالى (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ ) أي إلى استماع القرآن ، واللّام لام العاقبة ، والمعنى : في عاقبة الأمر تَصغَى إليهِ (أَفْئِدَةُ الّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) يعني منكرو البعث إن كانوا لا يصغون إلى القرآن في زمن النبيّ فسيصغون إليهِ في زمن المهدي حين يفهمون معانيه ويقرأون تفسيره (وَلِيَرْضَوْهُ) إن كان بعضهم لا يرضى به في زمانك يا محمّد (وَلِيَقْتَرِفُواْ) من علومهِ (مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) في زمانك يا محمّد ، و"الاقتراف" معناهُ الاكتساب من الشيء والإكثار منه . قال الله تعالى في سورة الشورى {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } ، وقال لبيد :

                                وَإِنِّي لِآتٍ مَا أَتَيْتُ وَإِنَّنِي      لِمَا اقْتَرَفَتْ نَفْسِي عَلَيَّ لِرَاهِبُ

114 - قالت قريش للنبيّ (ع) : "أليس اليهود أهل كتاب؟" قال : "نعم" قالوا : "أليست التوراة مُنزلة من الله؟" قال : "نعم" قالوا : "فلنجعل بعض علماء اليهود حَكَماً بيننا وبينك فإن اعترفوا بنبوّتك فإنّنا نؤمن بك وإن لم يعترفوا فلا نؤمن" . فنزلت هذهِ الآية : قل لهؤلاء المشركين (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي ) أي أطلب (حَكَمًا) بيننا (وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ ) أي القرآن (مُفَصَّلاً) بالأدلّة والبراهين على صِدقي (وَالّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني علماء اليهود الّذينَ تريدون أن نتحاكمَ عندهم (يَعْلَمُونَ) علم اليقين (أَنَّهُ) أي القرآن (مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ) أي بالدين الحقّ لِما يرَون فيهِ من الأدلّة والبراهين الّتي تثبت صدق محمّد وما أخبر بما في التوراة من أحكام وقصص وخفايا لم يكن يعلمها محمّد من قبل ولا غيرهُ من العرب ، ولكن لا يؤمنون بهِ حسَداً منهم وتكبّراً على العرب وخوفاً على الرئاسة أن تذهب منهم إن آمَنوا (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) أي فلا تشكّ في نبوّتك فتقول لو كنتُ نبيّاً لآمنت بي العرب واليهود وغيرهم ، فلستَ أوّلَ نبيٍّ كذّبوهُ وسخروا منه فقد كُذِّبَ رُسُلٌ من قبلك وسخروا منهم فصبروا حتّى جاءهم نصرنا فَاصبرْ ولا تجزعْ .

115 - ولَمّا انتصر المسلمون على المشركين نزلت هذه الآية (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ) بالنصر للمُسلمين على الكافرين ، أي تمّ لكم النصر الذي وعدكم اللهُ بهِ ، فالكلمة تعني الجُملة (صِدْقًا وَعَدْلاً ) يعني كلماته صادقة لا خلاف فيها ولاتغيير ، وهي عادلة لا جور فيها (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ) يعني لا يقدر أحدٌ من الناس ولا قومٌ أن يبدّلوا كلام الله الذي وعدَ بهِ أولياءَهُ ورُسُلَهُ من النصر مهما كثر عدد الكافرين وقلّ عدد المؤمنين (وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأعمالهم

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم