كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
109 - (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ ) تقديرهُ أفمن وضعَ أساسهُ وشاد بُنيانهُ على تقوَى من الله ورضوانٍ كبني عمرو بن عوف المؤمنين (خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) كبني غنم بن عوف المنافقين ، يعني بناؤهم هذا كمن بنَى على شاطئ نهرٍ فوق أرضٍ رمليّة فإذا أصابهُ الماء من النهر انهارَ البناء وتهدّم ، ثمَّ قال تعالى (فَانْهَارَ بِهِ ) يعني فانهار المسجد بصاحبهِ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) وصاحبهُ أبو عامر الّذي أوعز إلى المنافقين أن يبنوا مسجداً ضِدّ المؤمنين (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) إلى طريق الحقّ .
110 - (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ) يعني لا يزال المسجد الّذي بنَوهُ موضع شكّ في قلوب جماعتهم الّذينَ لا يعلمون بأسرارهم ولأيِّ غرضٍ بنَوهُ فيقولون إنَّ جماعتنا ليسوا بمؤمنين ولا يُصلّون فلماذا بنَوا هذا المسجد ، فهم في شكٍ من بنائهِ (إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ) من الصبر فيحنئذٍ يبوحون لهم بأسرارهم والغاية الّتي بنَوا لأجلها هذا المسجد ، وهذا مثَلٌ يُضرب بنهاية الصبر فيُقال : "تقطّع قلبي من الانتظار" ، والمعنى : أنَّهم كانوا يكتمون أمر المسجد أشدَّ الكتمان حتّى أكثر جماعتهم كانوا لا يعلمون لأيِّ غرضٍ بنَوا هذا المسجد ولكن الله كشف سِرّهم وبيّنَ نواياهم الباطلة (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بأسرارهم (حَكِيمٌ) في أفعاله معهم . ولَمّا رجع النبيّ من تبوك أمرَ بتهديم المسجد فهدّموهُ .
111 - (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ) الشراء معناهُ تبديل شيء بشيء آخر ، والمعنى : إنَّ الله استبدل من المؤمنين أنفسهم بأن يستعملوها في طاعته ويجاهدوا في سبيلهِ ، واشترى أموالهم بأن يُنفقوها في سبيله فيعطيهم بدلها الجنّة في الآخرة ، ثمَّ بيّنَ سُبحانهُ في أيِّ شيءٍ يجب أن يستعملوا نفوسهم فقال (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ ) الكافرين (وَيُقْتَلُونَ) يعني يُقاتِلون حتّى يُقتَلوا (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ) وتقديرهُ وعدهم الله الجنّة على نفسهِ وعداً حقّاً لا خُلف فيهِ كما وعد (فِي التَّوْرَاةِ ) لليهود المجاهدين في زمن موسى (وَالإِنجِيلِ) للنصارى المجاهدين في زمن عيسى (وَ) كذلك في (الْقُرْآنِ) في زمانكم (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ ) أي لا أحد أوفَى بعهدهِ من الله (فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ) يعني فافرحوا بهذهِ المبادَلة (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) لمن باعَ نفسه وأموالهُ لله وأبدلها بالجنّة .
112 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في وصف هؤلاء المؤمنين وأعمالهم فقال (التَّائِبُونَ) من السيئات (الْعَابِدُونَ) لله وحده لا يُشركون في عبادتهِ أحداً (الْحَامِدُونَ) لله نعماءَهُ (السَّائِحُونَ) في الأرض للتبشير بدينهِ (الرَّاكِعُونَ) في صلاتهم (السَّاجِدونَ) لله خضوعاً وخشوعاً وانقياداً لطاعتهِ (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ ) أي القائمون بطاعة الله فلا يُخالفون ما أمرهم بهِ (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) يا محمّد بالحياة الأبديّة والنعيم الدائم .
113 - قال بعض المسلمين للنبيّ (ع) : " ألا تستغفر لآبائنا الّذينَ ماتوا في الجاهليّة؟ " فنزل قوله تعالى (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِلنَّبِيِّ وَالّذينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ) يعني ولو كانوا من أقرب الناس إليهم (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ) إشراكهم و (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) . فلَمّا نزلت هذه الآية قالوا : "إذاً كيف استغفرَ إبراهيم لأبيهِ وهو مُشرك؟ " فنزل قوله تعالى :
114 - (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) أي وعدها أبوهُ بها ، وهي قوله [كما] في سورة مريم {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } أي اتركني مدّةً من الزمن كي اُفكّر في ذلك وأرى صِحّة قولك من عدمهِ ، ولَمّا وعدهُ بذلك ظنَّ إبراهيم أنَّ أباهُ سيهتدي إلى طريق الحقّ إذا فكّرَ فيما دعاهُ إليه فقال لهُ {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } ، ثمَّ قال تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) يعني لإبراهيم (أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ ) لأنَّهُ لم يؤمن ولم يترك عبادة الأصنام (تَبَرَّأَ مِنْهُ ) أي تبرّأ من أبيهِ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ ) أي كثير التأوّه على أبيهِ وقومهِ ، والمعنى : كثير التأسّف عليهم إذ لم يتركوا عبادة الأصنام ولم يسمعوا لقولهِ (حَلِيمٌ) في الاُمور لا يعجل .
115 - (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ) عن طريق الحقّ (بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ) إليهِ كإبراهيم وغيره (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) يعني لا يحكم الله بإضلال أحد من المؤمنين حتّى يُبيّن لهُ ما يجب عليه أن يتجنّبهُ فإذا عصَى أمر الله ولم يتجنّب المحرّمات فحينئذٍ يحكم عليه بأنَّهُ ضالّ ، والمعنى : إنَّ إبراهيم لم يكن يعلم بأنَّ الاستغفار للمشركين لا يجوز ولَمّا بيّنا له ذلك تبرّأ من أبيهِ ، وذلك قوله تعالى {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } ، (إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
116 - (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي له مُلك الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (يُحْيِـي) فيهنَّ ما يشاء (وَيُمِيتُ) فيهنَّ من الأحياء ما يشاء (وَمَا لَكُم ) أيُّها الناس (مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمركم وشؤونكم (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصركم على أعدائكم غير الله .
117 - (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) عن تباطئهم في الخروج (الّذينَ اتَّبَعُوهُ ) في الخروج إلى تبوك (فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) أي في الوقت العسِر حيث كان الوقت شديد الحرِّ ولم يكن لهم من زادٍ يكفيهم ولا من دواب لركوبها إلاّ القليل ، ثمَّ أصابهم العطش فسأل النبيّ من الله أن يُنزّل عليهم الغيث فأمطرت السماء عليهم فشربوا وأرووا قِرَبهم (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ) عن الجهاد فهمّوا بالانصراف من غزوتهم من غير إذنٍ فثبّتهم الله بالمطر ومضَوا مع النبيّ (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ) من بعد ذلك (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |