كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة مريم من الآية( 11) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

11 - (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ) من بيت المقدس فرِحاً ، وذلك في اليوم الثاني ، وكانوا خارج المسجد (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ) أي أشارَ إليهم بيدهِ (أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) يعني اُذكروا الله بالحمد والثناء على الدوام . فحبلت امرأتهُ وولدت غلاماً فسمّاهُ يوحنّا ، الّذي معناه بالعربيّة يحيى . ثمّ أوحى الله سبحانه إلى يحيى بعد أن كبِرَ ، فقال :

12 - (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ ) أي التوراة (بِقُوَّةٍ) أي بجدٍّ وعزيمة (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) يعني يحكم بين الناس بما في التوراة من أحكام الدِين وهو شاب .

13 - (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ) أي حنّنا لهُ القلوب ، فكان الناس يحبّونهُ ويشفقون عليهِ ، يعني يرأفون بهِ ، فالحنان هو العطف والرأفة ، ومن ذلك قول طَرَفة :

                           أبا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا      حَنانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

وقال الحُطيئة لعمر بن الخطّاب :

                                  تَحَنَّنْ عَلَيَّ هَدَاكَ الْمَلِيْكُ      فَإنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالا

(وَزَكَاةً) يعني عصمناهُ من كبائر الذنوب (وَكَانَ تَقِيًّا ) يعني يتّقي المحرّمات فلا يفعلها .

14 - (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ ) أي بارّاً بوالديه مُحسِناً إليهما (وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا ) أي متكبّراً (عَصِيًّا) أي لم يكن عاصياً لربّهِ ولا لوالديهِ .

15 - (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ ) منّا ، أي سلامة لهُ (يَوْمَ وُلِدَ ) من شرّ الشيطان (وَيَوْمَ يَمُوتُ ) أيضاً لهُ سلامة من الشياطين واستيلائهم على الكافرين (وَيَوْمَ يُبْعَثُ ) للحساب وهو (حَيًّا) أي عزيزاً ولهُ السلامة من العذاب ، والحياة كناية عن العزّ والظفَر بالبُغية ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } .

16 - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ) أي في القرآن الّذي كتبهُ أصحابك قِصّة (مَرْيَمَ) وولادتها بعيسى (إِذِ انتَبَذَتْ ) أي انفردت وابتعدت (مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) أي إلى مكانٍ شرقيّ أهلها .

17 - (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ) أي فضربت سِتراً وحاجزاً بينها وبين الناس لكي تغتسل (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) يعني جبرائيل (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) يعني كامل الخِلقة ، ومن ذلك قول الخنساء :

                             ألا لَيْتَ اُمّي لَمْ تَلِدْنِي سَوِيّةً      وكنتُ تُراباً بينَ أيدِي القَوابِلِ

يعني جسّدَ نفسهُ فصارَ على هيئة بشر فلمّا رأتهُ مريم :

18 - (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ) يعني إن كنتَ تخاف الله وتتّقي عذابهُ فاذهب عنّي ولا تمسّني بسوء.

19 - (قَالَ) جبرائيل (إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ) أتيتُ (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) أي طاهراً من الذنوب .

20 - (قَالَتْ) مريم (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ) يعني كيف يكون لي ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) بالجِماع (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) أي ولم أكن زانية .

21 - (قَالَ) جبرائيل (كَذَلِكِ) أي كما قلتُ لكِ يكون (قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) أي إحداث الولد من غير زوج عليَّ هيِّنٌ سَهل (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) على قُدرتنا (وَرَحْمَةً مِّنَّا ) لمن يؤمن بنبوّتهِ (وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) أي وكان ما قُلتهُ لكِ من أمر الغلام واقعاً لا تغيير فيه . فنفخَ جبرائيل على الأرض فتطاير الغبار فدخل شيءٌ منه في فرجها فلقّحها .

22 - (فَحَمَلَتْهُ) أي فحبلت بعيسى (فَانتَبَذَتْ بِهِ ) أي انفردت بهِ (مَكَانًا قَصِيًّا ) أي بعيداً عن الناس لتَضَعَهُ [أو لِتَلِدَهُ] ، وكانت مدّة حملهِ سبعة أشهر .

23 - (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ ) يعني فألجأها المخاض ، والشاهد على ذلك قول حسّان بن ثابت :

                       إذْ شَدَدْنا شَدَّةً صادِقَةً      فَأَجَأْناكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ

يعني ألجأناكم إلى سفح الجبل .

وقال زُهير :
                   وجاراً سارَ مُعْتَمِداً إلَيْكُمْ      أجاءَتْهُ الْمَخافَةُ والرَّجاءُ

يعني ألجأتهُ المخافة والرجاءُ ، (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) فالتجأت إليه لتستند عليهِ عند الولادة . وصلت مريم بسيرها إلى بستان وكان فيها حظيرة (أي كوخ) مكوّنة من أربعة جذوع وحصران فدخلت مريم تلك الحظيرة واستندت إلى أحد تلك الجذوع لتلدَه ، حينئذٍ (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) الحادث (وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) .

24 - (فَنَادَاهَا) عيسى (مِن تَحْتِهَا ) حين ولدته قائلاً (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ) نهراً (سَرِيًّا) أي يسري ماؤهُ ، فالسريّ هو النهر الجاري ، ومن ذلك قول لبيد :

                            فَمَضَى وَضَاحِي الماءِ فَوْقَ لَبَانِهِ      وَرَمَى بها عُرْضَ السَّرِيّ يَعُومُ

وقال الآخر :
                                  سَهْلُ الْخَلِيقَةِ مَاجِدٌ ذُو نَائِلٍ      مِثْلُ السَّرِيِّ تُمِدُّهُ الْأَنْهَارُ

25 - (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) الّذي إلى جنبكِ (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) أي جنَتهُ الحظيرة ، لأنّ الوقت كان خريفاً وكان وقت قصاص التمر من النخيل ، فلمّا جنَوا تمرها سقط بعض التمر على تلك الحظيرة ، فلمّا هزّت الجذع سقط الرُطَب الّذي كان فوق الحظيرة فتناولت مريم منه وأكلت .

26 - (فَكُلِي) من الرُطَب (وَاشْرَبِي) من ماء النهر (وَقَرِّي عَيْنًا ) أي طيبي نفساً ولا تخافي عاراً (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ) فسألكِ عنّي (فَقُولِي) لهُ بالإشارة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) إمساكاً عن الكلام (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) يعني أحداً من الإنس ، وأنا اُكلّمهم عنك ليعلموا أنّكِ بريئة من الزِنا.

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم