كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
11 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما فعلهُ بالمكذّبين فقال (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ) بالزلزال ، والقصم معناه التكسير ، يُقال "قصمهُ نصفَين" أي كسرهُ ، قطعهُ (كَانَتْ ظَالِمَةً ) يعني كان أهلها ظالمين مكذّبين للرُسُل (وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا ) قرية اُخرى و (قَوْمًا آخَرِينَ ) .
12 - (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ) يعني فلمّا شعروا بالزلزال (إِذَا هُم مِّنْهَا ) أي من القريةِ (يَرْكُضُونَ) إلى خارج القرية يُريدون النجاة بأنفسهم دون أموالهم وبنيهم . فقالت لهم الملائكة على وجه السُخرية :
13 - (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ) يعني إرجعوا إلى أموالكم الّتي تنعّمتم بها (وَمَسَاكِنِكُمْ) الّتي كنتم تسكنون فيها (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) عن أموالكم من أنعمَ بها عليكم نحن أم أصنامكم ، فإن اعترفتم بأنّ الله أنعمَ بها عليكم فلماذا عبدتم غيرهُ وإن قلتم إنّ الأصنام أعطتكم إيّاها فقد كذبتم .
14 - حينئذٍ (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) للرُسُل إذ كذّبناهم وسخرنا منهم .
15 - (فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ ) أي فما زالوا يُردّدون تلك الكلمة فيقولون (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) ، (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ) كما تحصدون الحنطة والشعير (خَامِدِينَ) يعني حتّى أهلكناهم عن آخرهم فأصبحوا موتَى لا حراك بهم ، ومن ذلك قول لبيد يصفُ قتلَى :
خَلُّوا ثِيابَهُمُ على عَوْراتِهِمْ فهُمُ بأفنِيَةِ البُيُوتِ خُمُودُ
16 - (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ) من سُحُب ورياح (لَاعِبِينَ) يعني بدون غاية ، وهذا تهديد للمشركين ، والمعنى : هل تظنّون أنّ الله خلق السماوات والأرض وخلق من فيهما ليلهوَ بها دون غاية منها فتظنّون لا حساب عليكم ولا عِقاب فتعملون بما تهوى أنفسكم . ومِثلها في المعنى قوله تعالى في سورة المؤمنون {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } .
17 - (لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا) أي من الذين عندنا في السماوات الأثيرية ، يعني من الملائكة فنلهو بمحادثتهم وتعليمهم بما لا يعلمون ، والمعنى : من يعمل أعمالاً لا فائدة منها أو يصنع أشياء لا يستفاد بها فهو يلهو بها مع نفسه ، وهؤلاء اللّاهون غير مفكرين ولم تنضج عقولهم ، وقوله (إِن كُنَّا فَاعِلِينَ) يعني إن كنّا خلقنا أشياء لا فائدة فيها حينئذٍ نكون لاهين ، ولكن لم نخلق شيئاً بلا فائدة ولا مخلوقاً بغير إتقان .
18 - (بَلْ نَقْذِفُ ) القذفُ والإلقاء والرمي بمعنى واحد ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة طا ها حاكياً عن لسان بني إسرائيل {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا } ثمّ فسّر هذه الكلمة بقوله تعالى {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ } . فتكون كلمة "نقذفُ " معناها نُلقي أي نُنزّل . ومِثلها قوله تعالى في سورة غافر {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } .
(بِالْحَقِّ) أي ملَك الموت (عَلَى الْبَاطِلِ ) أي رئيس الكفر (فَيَدْمَغُهُ) أي يضربهُ على دماغهِ (فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) أي تزهق نفسه فيموت كمَداً ، والمعنى : لا نترك المكذّبين للرُسُل يتمتّعون إلى الأبد بل نُنزّل عليهم العذاب فنهلكهم (وَلَكُمُ الْوَيْلُ ) أيّها المشركون ، أي شِدّة العذاب لكم (مِمَّا تَصِفُونَ ) لله من بنات وشركاء .
19 - (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) مُلكاً وعبيداً إن شاءَ أماتهم وإن شاء أبقاهم ، يعني مَن في الكواكب السيّارة والأرض من جملتها (وَمَنْ عِندَهُ ) في السماوات الأثيريّة ، وهم الملائكة والأنبياء (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) كما تستكبرون أنتم أيّها المشركون (وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ) على فوات الوقت كما ستأخذكم الحسرة والندامة على كفركم وإشراككم ، وذلك بعد الموت وذهاب الوقت منكم .
20 - (يُسَبِّحُونَ اللّيل وَالنَّهَارَ ) أي على الدوام (لَا يَفْتُرُونَ ) عن التسبيح .
21 - (أَمِ اتَّخَذُوا ) أي الملائكة (آلِهَةً) مادّية (مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ) الأموات ويُحيونها فقلّدتم الملائكة في ذلك ، كلاّ إنّ الملائكة لم تتّخذْ إلاهاً غير الله .
22 - (لَوْ كَانَ فِيهِمَا ) أي في السماوات والأرض ، وهي الكواكب السيّارة (آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) بسبب تناقض آراء الآلهة وإراداتها لمخلوقاتها ، كما تفسد الرعيّة إذا تعدّدت مُلوكها (فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) أي تنزيهاً لهُ عن ما ينسبون لهُ من شُركاء وأولاد .
23 - (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) لعظمتهِ وتفرّدهِ بالاُلوهيّة (وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) يعني الأنبياء يُسألون يوم القيامة عن تبليغ الرسالة .
24 - (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ) يعني هل الأنبياء اتّخذت إلاهاً غير الله فقلّدتموهم في ذلك؟ كلّا بل هم عبدوا الله وحده لم يُشركوا بهِ شيئاً (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) على ذلك ، (هَـٰذَا) القرآن (ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ) أي هو موعظة وتذكير لمن معي من الاُمَم وموعظة لمن قبلي إن عملوا بما فيهِ ، يعني اليهود والنصارى والصابئة الّذينَ كانوا على دينهم قبل دين الإسلام (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ) لإنّهم مقلِّدون لآبائهم (فَهُم مُّعْرِضُونَ ) عن الحقّ والحقيقة .
25 - (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ) يا محمّد (مِن رَّسُولٍ ) إلى قومهِ (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ ) في الكون (إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) ولا تعبدوا غيري .
26 - (وَقَالُوا) أي المشركون (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) وهم مُشركو العرب قالوا الملائكة بنات الله ، وكلمة "ولد" تُطلق على الذكر والاُنثى ، أي كلّ مولود يُسمّى ولد (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً له عن اتّخاذ الولد (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) يعني ليست الملائكة بنات الله كما يزعم المشركون بل هم عِباد الله أكرمهم الله وأسكنهم جنّاتهِ .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |