كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
110 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وعظ المسلمين وحثّهم على إقامة الصلاة فقال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) بأوقاتها (وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) لمستحقّيها (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ ) للفقراء والمحتاجين (تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ ) في الآخرة (إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فلا يخفَى عليهِ شيء من أعمالكم .
111 - (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ) أي قالت اليهود لن يدخل الجنّة إلاّ من كان يهوديّاً ، وقالت النصارى لن يدخل الجنّة إلاّ من كان نصرانيّاً . فكذّبهم الله تعالى فقال (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ) يعني ما هيَ إلاّ أماني فكلٌّ منهم يتمنّى أن يدخل الجنّة لأنّه منسوب إلى ذلك الدين ولكن بغير عمل يستحقّ عليه دخول الجنّة (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ) بأنكم تدخلون الجنّة دون غيركم (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في دعواكم .
112 - (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ ) يعني من استسلمَ لأوامر الله وصدّق برُسُلِهِ وكتبهِ وملائكتهِ وثوابه وعقابه ولم يُشرك بهِ شيئاً (وَهُوَ مُحْسِنٌ ) مع الفقراء والمساكين (فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ ) في الجنان الأثيريّة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الأهل والأحباب .
113 - (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ ) من الصواب بل هم على خطأ (وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ) من الصواب لأنّهم لم يؤمنوا بعيسى (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) أي الفرقتان يقرأون التوراة ، فالنصارى يؤمنون بالتوراة ويقرأونها ويُسمّونها "العهد القديم" ، ويُسمّون الإنجيل "العهد الجديد"، ويقرأون في "التوراة" قول الله تعالى [لا تصنعْ لك تمثالاً منحوتاً ولا صورةً ما مِمّا في السماءِ من فوق ، وما في الأرضِ من تحت ، وما في الماءِ من تحتِ الأرضِ ، لا تسجُدْ لَهُنّ ولا تعبدْهنّ ، لأنّي أنا الربُّ إلاهٌ غيورٌ . ] ومع ذلك فإنّهم صنعوا التماثيل وعبدوا الأصنام وجعلوها واسطة إلى الله وشفعاء بزعمهم .
وقوله (كَذَلِكَ قَالَ الّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) أي الّذينَ لا يعلمون ما في الكتب السماويّة ، وهم مشركو العرب (مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) أي قالوا مثل قول اليهود والنصارى في الشفاعة والوساطة فعبدوا الملائكة وقالوا هؤلاء شُفعاؤنا عند الله ، واتّخذوا أصناماً وجعلوها رمزاً للملائكة ، كما قالت اليهود في البعليم وعشتاروث وفي الشِّعرى اليمانيّة ، وكما قالت النصارى في المسيح إنّه ربُّنا ومُخلّصنا ، وعبدوا الصليب وتمثال مريم وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) فيعفو عن الموحِدين الصالحين ويُعذّب المشركين والمنافقين والجاحدين . وكذلك أصبح أكثر المسلمين في هذا العصر يعبدون قبور المشايخ والأئمّة ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله .
114 - (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ويريد بذلك مشركي العرب الّذينَ منعوا النبيّ ومن معه من الحجّ والدخول إلى مكّة عام الحديبية (وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) . خراب المساجد قِلّة المصلِّين فيها ، وعمارتها كثرة المصلّين ، ولَمّا منعوا المؤمنين من الدخول إلى المسجد والعبادة فيه لله فقد سعَوا في خراب المسجد ، وكذلك كلّ من يمنع الناس من الصلاة والعبادة في أحد المساجد أو يكون سبباً في منع الناس فقد سعى هو أيضاً في خرابها (أُوْلَـئِكَ) المخرّبون يجب أن يُطرَدوا من المساجد (مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا ) يعني يجب أن يُمنعوا من دخولها ولا يدخلوها (إِلاَّ خَآئِفِينَ ) من أن يُعاقَبوا أو يُهانوا ، وذلك إذا دخلوا خُفية بغير إذنٍ من المؤمنين (لهُمْ فِي الدُنيا خِزْيٌ ) بسبب طردهم منها (وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
115 - رويَ عن جابر قال بعث رسول الله (ع) سريّة كنتُ فيها فأصابتنا ظُلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منّا قد عرفنا القبلة هي هاهُنا قِبَلَ الشمال فصلّوا وخطّوا خُطوطاً ، وقال بعضنا القبلة هاهُنا قِبَلَ الجنوب فصلّوا وخطّوا خطوطاً ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمسُ أصبحت تلك الخطوط لغير القِبلة ، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا النبيّ عن ذلك فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، والمعنى : إذا اختلف عليكم أمر القِبلة في الصحراء أو في مكانٍ آخر فإلى أيّ جهةٍ تتوجّهون فالصلاة لهُ وهو يراكم ولا مانع من ذلك ، فكلمة " ثَمَّ " معناها هنالكَ ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني يصف جيشاً :
غَداةَ تَعاوَرَتْه ثَمَّ بِيضٌ شَرَعْنَ إِليهِ في الرَّهْجِ الْمُكِنِّ
وقال أيضاً :
وَلا زالَ رَيحانٌ وَمِسكٌ وَعَنبَرٌ عَلى مُنتَهاهُ دِيمَةٌ ثَمَّ هاطِلُ
116 - (وَقَالُواْ ) أي النصارى (اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا ) هو المسيح بزعمهم (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً له عن اتّخاذ الولد ، لأنّهُ غنيٌّ عن ذلك فلا يحتاج مُساعدة ولد ولا مُساعدة غيره (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي له ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض من ميراث (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) أي كلّ مَن في الكواكب السيّارة ومَن في الأرض لله مُنقطِعون من الدُنيا ومنتقِلون إلى الآخرة بعد موتهم ، فالقنوت معناه الانقطاع إلى الله ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :
قانتاً لِلهِ يَتْلُو كُتْبَهُ وعلَى عَمْدٍ مِنَ الناسِ اعتَزَلْ
117 - (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي أبدعَ في خلقهنّ وأتقنَ صُنعهُنّ ، ومن إتقانه جعلها تسبح في الفضاء وتدور حول الشمس ولا تسقط بل تسير بإتقان وتحدّد لنا الزمان ونحنُ ننتقل عليها بأمان من مكانٍ إلى مكان (وَإِذَا قَضَى أَمْراً ) أي إذا قرّر أن يفعل شيئاً من تخريب بعد الإتقان وتهديم بعد الإبداع (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ) خراباً (فَيَكُونُ) كما أراد . فقد أهلك في إيران في جهة خراسان في هذه السنة في شهر آب خمسين ألف نسمة ، وبقي مائة ألف نسمة بلا مأوى ، وذلك كلّهُ بدقيقة واحدة بهزّةٍ أرضيّة . وقد شرحتُ عن السماوات في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |