كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة التوبة من الآية( 112) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

112 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في وصف هؤلاء المؤمنين وأعمالهم فقال (التَّائِبُونَ) من السيئات (الْعَابِدُونَ) لله وحده لا يُشركون في عبادتهِ أحداً (الْحَامِدُونَ) لله نعماءَهُ (السَّائِحُونَ) في الأرض للتبشير بدينهِ (الرَّاكِعُونَ) في صلاتهم (السَّاجِدونَ) لله خضوعاً وخشوعاً وانقياداً لطاعتهِ (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ ) أي القائمون بطاعة الله فلا يُخالفون ما أمرهم بهِ (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) يا محمّد بالحياة الأبديّة والنعيم الدائم .

113 - قال بعض المسلمين للنبيّ (ع) : " ألا تستغفر لآبائنا الّذينَ ماتوا في الجاهليّة؟ " فنزل قوله تعالى (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِلنَّبِيِّ وَالّذينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ) يعني ولو كانوا من أقرب الناس إليهم (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ) إشراكهم و (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) . فلَمّا نزلت هذه الآية قالوا : "إذاً كيف استغفرَ إبراهيم لأبيهِ وهو مُشرك؟ " فنزل قوله تعالى :

114 - (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) أي وعدها أبوهُ بها ، وهي قوله [كما] في سورة مريم {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } أي اتركني مدّةً من الزمن كي اُفكّر في ذلك وأرى صِحّة قولك من عدمهِ ، ولَمّا وعدهُ بذلك ظنَّ إبراهيم أنَّ أباهُ سيهتدي إلى طريق الحقّ إذا فكّرَ فيما دعاهُ إليه فقال لهُ {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } ، ثمَّ قال تعالى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) يعني لإبراهيم (أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ ) لأنَّهُ لم يؤمن ولم يترك عبادة الأصنام (تَبَرَّأَ مِنْهُ ) أي تبرّأ من أبيهِ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ ) أي كثير التأوّه على أبيهِ وقومهِ ، والمعنى : كثير التأسّف عليهم إذ لم يتركوا عبادة الأصنام ولم يسمعوا لقولهِ (حَلِيمٌ) في الاُمور لا يعجل .

115 - (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ) عن طريق الحقّ (بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ) إليهِ كإبراهيم وغيره (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) يعني لا يحكم الله بإضلال أحد من المؤمنين حتّى يُبيّن لهُ ما يجب عليه أن يتجنّبهُ فإذا عصَى أمر الله ولم يتجنّب المحرّمات فحينئذٍ يحكم عليه بأنَّهُ ضالّ ، والمعنى : إنَّ إبراهيم لم يكن يعلم بأنَّ الاستغفار للمشركين لا يجوز ولَمّا بيّنا له ذلك تبرّأ من أبيهِ ، وذلك قوله تعالى {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } ، (إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

116 - (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي له مُلك الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (يُحْيِـي) فيهنَّ ما يشاء (وَيُمِيتُ) فيهنَّ من الأحياء ما يشاء (وَمَا لَكُم ) أيُّها الناس (مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمركم وشؤونكم (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصركم على أعدائكم غير الله .

117 - (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) عن تباطئهم في الخروج (الّذينَ اتَّبَعُوهُ ) في الخروج إلى تبوك (فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) أي في الوقت العسِر حيث كان الوقت شديد الحرِّ ولم يكن لهم من زادٍ يكفيهم ولا من دواب لركوبها إلاّ القليل ، ثمَّ أصابهم العطش فسأل النبيّ من الله أن يُنزّل عليهم الغيث فأمطرت السماء عليهم فشربوا وأرووا قِرَبهم (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ) عن الجهاد فهمّوا بالانصراف من غزوتهم من غير إذنٍ فثبّتهم الله بالمطر ومضَوا مع النبيّ (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ) من بعد ذلك (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .

118 - (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الّذينَ خُلِّفُواْ ) عن غزوة تبوك ، يعني تاب عليهم وهم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن اُميّة ، وذلك أنَّهم تخلّفوا عن رسول الله ولم يخرجوا معه وكان تخلّفهم عن توانٍ لا عن نفاق ثم ندموا ، فلَمّا قدِمَ النبيّ المدينة جاؤوا إليهِ يعتذرون فلم يُكلّمهم النبيّ وأمرَ المسلمين بأن لا يُكلّموهم ، فهجرهم الناس حتّى الصبيان فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى الجبال وبقوا خمسين يوماً يتضرّعون إلى الله ويتوبون إليهِ فقَبِلَ توبتهم ، وذلك قوله تعالى (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ) أي ضاقت عليهم مع سِعتها (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ) فخرجوا إلى الجبال (وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ) في المستقبل عن تكرار مثل ذلك (إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

119 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ ) في التخلّف عن النبيّ (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) الّذينَ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فقاتِلوا المشركين في سبيله واخرجوا مع النبيّ في غزواتهِ .

120 - (مَا كَانَ ) أي لا ينبغي (لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ ) عند خروجه إلى تبوك (وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ ) عن الحرِّ ومشقّة السفر (عَن نَّفْسِهِ ) بل يجب أن يواسوهُ ويُساعدوهُ ولا يتخلّفوا عنهُ (ذَلِكَ) النهي عن التخلّف (بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ) أي عطش (وَلاَ نَصَبٌ ) أي تعب (وَلاَ مَخْمَصَةٌ ) أي مجاعة (فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ ) يعني ولا يطؤون أرضاً أو بلداً يغيظ الكفّار وطؤهم لهُ (وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً ) يعني ولا يُصيبون من المشركين أمراً من قتلٍ أو جروحٍ أو مالٍ (إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) .

121 - (وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً ) في سبيل الله (صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ ) بالمسير (وَادِيًا) من الأوديةِ (إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ ) عملٌ صالح (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ ) في الآخرة (أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم