كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 114) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

114 - (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحدهُ لا يُشركون بهِ (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني ويؤمنون بيوم القيامة ، لأنّه يكون في آخر يوم من أيّام الأرض لأنّها تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك فيها ليلٌ أو نهار (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ ) في عمل (الْخَيْرَاتِ) وأدائها للفقراء والمحتاجين (وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) وليسوا من جملة اليهود الفاسقين . فقالت اليهود لا يؤجَر هؤلاء مهما صلّوا وصاموا لأنّهم تركوا دين موسى واتّبعوا دين محمّد . فنزلت هذه الآية :

115 - (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ ) أي فلن نجحدهُ بل نجازيهم عليه أضعافاً مُضاعفة (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) فلا نلتفت إلى قول اليهود فيهم .

116 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن وبمحمّد (لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ ) أي لن تدفع عنهم (أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ) عذاب (اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .

117 - (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ ) لغير الله (فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ ) تقديره : مثَل إهلاك ما ينفقون كمثَل إهلاك ريح (فِيهَا صِرٌّ ) أي فيها برد شديد ، ومن ذلك قول الخنساء :

                        والمشْبِعُ القومَ إنْ هَبّتْ مُصرْصِرَةٌ      نَكْباءُ مُغْبَرّةٌ هَبّتْ بِصُرّادِ

وقال امرؤ القيس يصف فَرَسَه :

                                     لَها غُدُرٌ كقرونِ النسا === ءِ رُكّبنَ في يومِ ريحٍ وصِرْ

فالرياح الباردة تُسمّى "صِرٌّ" وجمعها "أصرار" ، ومن ذلك قول جرير يصف امرأةً ترعى الإبل ليلاً :

                             قَدْ طالَ رعيتُها العَواشِي بعدَما      سقطَ الجليدُ وهبّتِ الأصرارُ

(أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ) أي زرعهم (ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) بقطع الزكاة عن مستحقّيها (فَأَهْلَكَتْهُ) فخسِروا زرعهم وذهبت أتعابهم أدراج الرياح (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ ) في إهلاك زرعهم (وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) لأنّهم حرموا الفقير من الزكاة فحُرِموا من زرعهم . فكذلك الذي يُنفق مالَهُ لغير الله فلا يُجزَى عليه ولا تُصيبه إلاّ الندامة والخسران .

118 - نزلت هذه الآية في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالاً من اليهود لِما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار قبل الإسلام (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ) أي لا تتّخذوا صداقة وخِلّة من غير أهل مِلّتكم تُفشون إليهم أسراركم . فالبِطانة هم خاصّة الرجُل ، ومن ذلك قول الشاعر :

                             أُولَئِكَ خُلْصَانِي نَعَمْ وَبِطَانَتِي      وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ 

ثمّ بيّن العلّة في المنع من مواصلتهم فقال تعالى (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ) أي لا يُقصّرون فيما يُؤدّي إلى فساد اُموركم وتشويش أفكاركم ، ومن ذلك قول زُهير :

                           سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ === فلم يفعلوا ولم يُلِيمُوا ولم يَأْلُوا

أي ولم يُقصّروا في السعي ، وقال الأعشى :

                                فَكُلُّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ === نَاءٍ ودَانٍ وَمَخْبُولٌ وَمُخْتَبَلُ

فالمخبول من كان في تشويش من أفكاره واختلاف في آرائه ، والدليل على ذلك قوله "يهذي بصاحبِهِ" . وقال لبيد :

                           كُبَيْشَة ُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدِكَ عاقِلا      وكانَتْ لهُ خَبْلاً على النّأيِ خابِلا

وعاقِل إسم جبل ، وقال جرير :

                               لَعَمرُكَ ما يَزيدُكَ قُربُ هِندٍ === إِذا ما زُرتَها إِلّا خَبالا

(وَدُّواْ) أي تمنّوا (مَا عَنِتُّمْ ) أي ما أصابكم من عَنَت ، يعني من انكسار ووهن يوم اُحُد ، وفرحوا بذلك (قَدْ بَدَتِ ) اي ظهرت وبانت (الْبَغْضَاءُ) لكم (مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ومعناهُ قد بانت إمارات العداوة لكم على ألسنتهم وفي فحوى أقوالهم وفلتات كلامهم (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ ) من البغضاء لكم (أَكْبَرُ) مِمّا يبدون بألسنتهم (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ) أي قد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي يتميّز بِها الموالي من المعادي فاتركوا موالاتهم (إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) وتعرفون عاقبة ذلك .

119 - (هَاأَنتُمْ )134 أيّها المسلمون تُواصِلون (أُوْلاء) اليهود (تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ) أي بالكتُب السماويّة كلّها ولا يؤمنون بكتابكم (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا ) بدينكم وكتابكم (وَإِذَا خَلَوْاْ ) فيما بينهم (عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) أي عضّوا أطراف الأصابع من الغضب والحِقد لِما يرَون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ونُصرة الله لهم (قُلْ ) لهم يا محمّد (مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي عليمٌ بما يضمرونه في قلوبهم من النفاق والغيظ على المسلمين فيخبر بذلك رسوله .

120 - (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ) يعني إن يُصبْكم خيرٌ ورفاهية يحزنوا (وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ ) أي مِحنة (يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ ) على أذاهم (وَتَتَّقُواْ ) موالاتهم وتتركوهم (لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) لا يفوتهُ شيء من أعمالهم .

121 - ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ) معناهُ واذكر يا محمّد إذ خرجتَ من أهلك غدوةً ، يعني صباحاً من المدينة (تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ ) اي تهيّء وتُوطّن للمؤمنين أماكن (لِلْقِتَالِ) وذلك في وقعة اُحُد ، ومن ذلك قول الأعشى :

                               وما بوّأ الرحمانُ بيتَكَ في العُلا      بأجيادِ شرقيِّ الصّفا والْمُحرّمِ

(وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأحوالكم .

------------------------------------

134 :(تُستعمَل كلمة (ها) للعتاب مرّةً وللتنبيه اُخرى ، ومن ذلك قول عنترة يوجّه عتاباً إلى قومهِ فيقول : (وها قَدْ رَحَلْتُ اليَوْمَ عنهُمْ وأمرُنا...... إلى مَنْ لهُ في خَلْقِهِ النّهْيُ وَالأمْرُ) (سيَذكرُني قَومِي إذا الخَيلُ أقبَلتْ ...... وفي اللّيلةِ الظلْماءِ يُفتَقَدُ البَدْرُ

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم