كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
115 - رويَ عن جابر قال بعث رسول الله (ع) سريّة كنتُ فيها فأصابتنا ظُلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منّا قد عرفنا القبلة هي هاهُنا قِبَلَ الشمال فصلّوا وخطّوا خُطوطاً ، وقال بعضنا القبلة هاهُنا قِبَلَ الجنوب فصلّوا وخطّوا خطوطاً ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمسُ أصبحت تلك الخطوط لغير القِبلة ، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا النبيّ عن ذلك فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، والمعنى : إذا اختلف عليكم أمر القِبلة في الصحراء أو في مكانٍ آخر فإلى أيّ جهةٍ تتوجّهون فالصلاة لهُ وهو يراكم ولا مانع من ذلك ، فكلمة " ثَمَّ " معناها هنالكَ ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني يصف جيشاً :
غَداةَ تَعاوَرَتْه ثَمَّ بِيضٌ شَرَعْنَ إِليهِ في الرَّهْجِ الْمُكِنِّ
وقال أيضاً :
وَلا زالَ رَيحانٌ وَمِسكٌ وَعَنبَرٌ عَلى مُنتَهاهُ دِيمَةٌ ثَمَّ هاطِلُ
116 - (وَقَالُواْ ) أي النصارى (اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا ) هو المسيح بزعمهم (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً له عن اتّخاذ الولد ، لأنّهُ غنيٌّ عن ذلك فلا يحتاج مُساعدة ولد ولا مُساعدة غيره (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي له ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض من ميراث (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) أي كلّ مَن في الكواكب السيّارة ومَن في الأرض لله مُنقطِعون من الدُنيا ومنتقِلون إلى الآخرة بعد موتهم ، فالقنوت معناه الانقطاع إلى الله ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :
قانتاً لِلهِ يَتْلُو كُتْبَهُ وعلَى عَمْدٍ مِنَ الناسِ اعتَزَلْ
117 - (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي أبدعَ في خلقهنّ وأتقنَ صُنعهُنّ ، ومن إتقانه جعلها تسبح في الفضاء وتدور حول الشمس ولا تسقط بل تسير بإتقان وتحدّد لنا الزمان ونحنُ ننتقل عليها بأمان من مكانٍ إلى مكان (وَإِذَا قَضَى أَمْراً ) أي إذا قرّر أن يفعل شيئاً من تخريب بعد الإتقان وتهديم بعد الإبداع (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ) خراباً (فَيَكُونُ) كما أراد . فقد أهلك في إيران في جهة خراسان في هذه السنة في شهر آب خمسين ألف نسمة ، وبقي مائة ألف نسمة بلا مأوى ، وذلك كلّهُ بدقيقة واحدة بهزّةٍ أرضيّة . وقد شرحتُ عن السماوات في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً .
118 - (وَقَالَ الّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) وهم مشركو العرب لأنّهم ليسوا أهل كتاب فيعلمون أحكام دينهم به (لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ ) فيقول لنا إنّ محمّداً صادق في دعواهُ فاتّبعوه (أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ) أي معجزةٌ تكون دلالة على صِدقهِ كما جاء موسى بالعصا ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (كَذَلِكَ قَالَ الّذينَ مِن قَبْلِهِم ) أي من تقدّمهم من الاُمَم الماضية الّذينَ اعترضوا على الرُسُل وطلبوا منهم المحالات (مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ) أي قالوا مثل قول المشركين من العرب ، ولكنّ هؤلاء الماضين لَمّا رأوا الآيات التي طلبوها من رُسُلهم قد حصلت لم يصدّقوا بِها ولم يؤمنوا بل قالوا هذا سِحرٌ مُبين ، وكذلك أنتم أيّها المشركون لو أعطيناكم ما طلبتم من محمّد من المعجزات لَما آمنتم بل لقلتم هذا سِحرٌ مُبين . لقد تشابهت في ذلك آراؤكم واتّفقتْ أقوالكم وما ذلك إلاّ لجهلكم وعنادكم .
أمّا الّذينَ يفهمون ويعقلون فإنّهم يوقنون بمجرّد النظر إلى ما خلقَ الله في الكون من شمس وقمر ، وماء وشجر ، وشعر ووبر ، وطين ومدر . فكيف لا يؤمنون وقد أنزلنا القرآن آيات بيّنات تدلّ على صدق محمّد ، ألا تكفي هذهِ الآيات دلالة فتفكّروا فيها وتتدبّروا معانيها ؟ وقوله ( تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) يعني تشابهت في الكفر والقسوة والاعتراض على الأنبياء والتعنّت والعناد (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ ) أي آيات القرآن الدالّة على صدق محمّد (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) بِها .
119 - (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ) يا محمّد (بِالْحَقِّ) أي بدين الحقّ (بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) أي بشيراً بالجنّة لمن أطاع الله ولم يُشرك به شيئاً ، ونذيراً بالعذاب لمن عصَى أوامر الله وأشرك به (وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) يعني لستَ مسؤولاً عن إشراكهم وعن أعمالهم وإنّما عليك إنذارهم .
120 - كان النبيّ يُسامح اليهود والنصارى ويتطلّب رضاهم ليدخلوا في دين الإسلام ، فعاتبهُ الله على ذلك فقال تعالى (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) أي لا يرضَون عنك مهما سامحتهم حتّى تتّبع دينهم (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى ) أي إنّ القرآن هو الهدى ، ومعناه إنّ القرآن هو الذي يهديكم إلى طريق الحقّ فاتّبعوه ، فالهدى يريد به القرآن ، والدليل على ذلك قوله تعالى في أوّل السورة {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ يحذّر رسوله من كيدهم فقال (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) الّذي أعلمناك به (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمرك (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصرك عليهم .
وملخّص الآية يقول الله تعالى: يا محمّد لا تتطلّب رضا اليهود والنصارى لكي يدينوا بدِين الإسلام ولكن ادعُهم إلى القرآن وجادلهم بالحكمة والموعظة فمن اهتدى فلنفسه ومن عميَ فعليها .
121 - (الّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يريد بهم الّذينَ أسلموا من علماء اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام وشعبة بن عمرو وتمّام بن يهوذا وأسد وأسيد ابنَي كعب وبنيامين هؤلاء من اليهود ، وأمّا النصارى فهم الرُّهبان الثمانية الّذينَ ركبوا مع جعفر بن أبي طالب في السفينة وقدموا إلى الحجاز وغيرهم ، والكتاب يريد به القرآن (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ) أي يقرؤونه على الناس ويعطونهُ حقّهُ ولا يخافون أحداً (أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) ويوقنون أنّهُ مُنزَل من الله (وَمن يَكْفُرْ بِهِ ) من اليهود أو النصارى أو غيرهم (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) في الآخرة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |