كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
116 - (وَإِن تُطِعْ ) آراء (أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ ) من الناس (يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) لأنّهم مُشركون ولكلِّ فرقةٍ منهم عقيدة باطلة غير عقيدة الفرقة الاُخرى وكلٌّ منهم يدعوك إلى دينهِ ومذهبهِ (إِن يَتَّبِعُونَ ) أي ما يتّبعون (إِلاَّ الظَّنَّ ) في تلك المذاهب ولم يتمسّكوا بكتاب سماوي (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) أي يكذبون ثمّ يقطعون على الكذب ، يعني يُصرّون على عقائدهم الباطلة ولا يعترفون بالحقّ . فالخُرُص هو قِطعة من نبتةٍ أو من شجرةٍ أو من سعف النخيل ، ومن ذلك قول الشاعر :
تَرَى قِصَدَ الْمُرَّانِ تُلْقَى كَأَنهـا تَذَرُعُ خِرْصانٍ بِأَيْدِي الشَّواطِبِ
يعني جريداً من السعف يُقطع طولاً ويُتّخذ منهُ حصران وأسِرّة ، والشطبة هي العودة الطويلة المستقيمة الّتي لا اعوجاج فيها ، والشواطب هم الّذينَ يعملون الحِصران من خوص تلك الأعواد أو يعملون منها أسِرّة .
117 - قالوا للنبيّ (ع) أنتَ ضالّ عن طريق الحقّ لأنّك كفرتَ بآلهتنا ونحنُ مهتدون ، فنزل قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ، والمعنى : إنّ المشركين ضالّون عن طريق الحقّ ويُضلّون الناس أيضاً عن الطريق ، أمّا المسلمون فهم المهتدون .
118 - رمَى أحد المسلمين ظبياً فقتلهُ بسهمهِ بعد أن ذكر اسم الله عليهِ ثمّ ذبحهُ وطبخهُ ودعَى شخصاً آخر من المسلمين ليأكل معهُ ، وكان ذلك الشخص يهوديّاً فأسلم ، ولَمّا حضرَ الوليمة وقدّم له الطعام أخبرهُ بقصّة الظبي وكيف صادهُ ، فامتنع صاحبه عن الأكل منه وقال لا يجوز أكلهُ لأنّهُ مات قبل الذبح ، فقال الصيّاد : "إنّي ذكرتُ اسم الله عليه لَمّا رميتهُ بالسَهم ثمّ ذكرتُ اسم الله عليه عند الذّبح فصار حلالاً ، فقال صاحبهُ : "أنا لا آكل منهُ ." فقصّ الصيّاد حديثهُ على النبيّ ، فنزل قوله تعالى (فَكُلُواْ) أيّها المسلمون من الصيد (مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) وإن مات قبل الذّبح (إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) أي مصدّقين .
119 - (وَمَا لَكُمْ ) أي ما بالكم ؟ يعني أيّ مانعٍ لكم ؟ (أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) من الذبائح (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) يعني وقد بيّنَ لكم على التفصيل كلّ مُحرّم من اللّحوم في القرآن (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) عند المجاعة فلا بأسَ عليكم من أكلهِ (وَإِنَّ كَثِيرًا ) من الناس (لَّيُضِلُّونَ) عن الحقّ (بِأَهْوَائِهِم) أي باتّباع أهوائهم وآرائهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ ) من كتاب سماوي (إِنَّ رَبَّكَ ) يا محمّد (هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) على الدِين فيحرّمون ويُحلّلون بآرائهم .
120 - (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) أي تجنّبوا المحرّمات الظاهرة منها والباطنة ، فالظاهرة الّتي يعملها الإنسان جهاراً ، والباطنة الّتي يعملها سِرّاً فلا يراهُ أحد من الناس (إِنَّ الّذينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ ) بتحريم ما أحلّ الله أو تحليل ما حرّم الله (سَيُجْزَوْنَ) بالعذاب (بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) أي بما كانوا يكسبون من الآثام .
121 - (وَلاَ تَأْكُلُواْ ) أيّها المسلمون (مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) عند الذّبح (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) يعني إنّ أكلهُ خارج عن المحلّلاتِ من الأنعام ، يُقال فسقت النواة من التمرةِ أي خرجت ، (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ ) المشركين بالوسوسة والإغراء (لِيُجَادِلُوكُمْ) في الميتة يقولون لكم كيف تأكلون مِمّا تقتلونهُ أنتم ولا تأكلون مِمّا قتله الله وقتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم . يعنون بذلك الميتة ، فهذهِ مجادلتهم مع المسلمين (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ) في أكل الميتة وما ذُبح لغير الله (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) مثلهم .
122 - ثمّ ضرب الله مثَلاً بالمؤمن والكافر (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) الموت هنا كناية عن الذلّ والفقر والعبوديّة ، والحياة كناية عن العزّ والغنى والحريّة ، والمعنى : أوَ مَن كان فقيراً حقيراً فهديناهُ إلى الإيمان فآمَن وصار حُرّاً عزيزاً ، والألف من قوله (أَوَ مَن ) للاستفهام (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ) وهو نور البصيرة والهداية (يَمْشِي بِهِ فِي ) هداية (النَّاسِ) مُستضيئاً بهِ عاملاً الخير وداعياً إلى الله (كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) أي كمن هو كافر ، والكافر مَثَلهُ كالميّت المدفون في القبر والمختبئ في ظُلماتهِ لا يسمع ولا يبصر ولا يستفيد منه أحد وليس الميّت بخارج من تلك الظُلمات ، والمعنى : أتجعلون المؤمن الذي يُفيد الناس بإرشاداتهِ كالكافر الذي يضرّ الناس بجهلهِ ولا ينفع أحداً كالميّت المدفون في القبر لا يستفيد منه أحد (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) أي زيّنت لهم آباؤهم وأجدادهم هذه الأعمال الباطلة ، وكذلك الشيطان زيّنها لهم .
123 - ونزل في رؤساء مكة لَمّا اجتمعوا في دار الندوة وأرادوا أن يمكروا بالنبيّ فيقتلوهُ (وَكَذَلِكَ) أي كما في مكّة أكابر يعني رؤساء ليحكموا بين الناس بالعدل ويُعاقبوا المجرم ، كذلك (جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ ) فلمّا أرسلنا إليهم رسولَنا ليرشدهم إلى عبادة الله ويُنذرهم عن عبادة الأصنام طغَوا عليهِ وتكبّروا وأصبحوا هم (مُجَرِمِيهَا) أي مُجرمي القرية فتشاوروا فيما بينهم (لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ) برسولنا فيقتلوهُ (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ) لأنّ الله يرعاهُ وملائكتهُ تحرسهُ وجبريل يُخبرهُ بمكرهم فيأخذ الحذر منهم (وَمَا يَشْعُرُونَ ) .
124 - (وَإِذَا جَاءتْهُمْ ) يعني الأكابر الّذينَ سبق ذكرهم (آيَةٌ) أي مُعجزة عِلميّة تثبتُ صدق محمّد ، وهي القرآن (قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ ) بها ولا بالّذي جاء بها (حَتَّى نُؤْتَى ) مُعجزة ماديّة (مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ ) من قبل من المعجزات كعصا موسى وناقة صالح ، فقل يا محمّد (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) يعني الله أعلم بمصالح العباد وبالمعجزة الّتي ينقادون إليها ويؤمنون بها ، وأعلم بمن يقدر أن يقوم بأداء الرسالة ويتحمّل مشاقّها وأتعابها ، فلو أعطيناكم معجزة ماديّة كعصا موسى وناقة صالح لكذّبتم بها وقلتم إن هذا إلاّ سِحرٌ مُبين ، كما كذّب من قبلكم قوم فرعون لَمّا رأوا العصا وكذّب قوم صالح لَمّا رأوا الناقة فعقروها فأهلكناهم بذنوبهم ، فكذلك أنتم تكذّبون إذا رأيتم المعجزة قد حصلت فحينئذٍ يجب علينا إهلاككم ونحن لا نُريد ذلك بل نريد أن يسود دين الإسلام جميع الأديان (سَيُصِيبُ الّذينَ أَجْرَمُواْ ) إلى النبيّ وأرادوا قتلهُ ، وهم الأكابر الّذينَ سبق ذكرهم في الآية السابقة (صَغَارٌ) أي ذلٌّ وخزيٌ ، ومن ذلك قول حسّان يهجو عبد الدار :
وإذا ما سَمَتْ قُرَيْشٌ لِمَجْدٍ خَلَّفَتْها في دارِها بِصَغارِ
أي بذلٍّ وخزيٍ بدل المجد ، وقال أيضاً :
وَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ صَغاراً وَتابَعُوْا فَأَوْلَى لَكُمْ أَوْلَى حُداةَ الزَّوامِلِ
(عِندَ اللّهِ ) في عالم البرزخ (وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ) في الآخرة (بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ) برسولنا وبالمؤمنين من أصحابهِ .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |