كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
12 - (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ) الإنسان يريد به آدم ، وقوله من سلالة، أي متسلسلاً ممن كان قبله ، يعني من جسم إنسان مات وصار طيناً فخلق الله آدم من ذلك الطين . فالسلالة هي تعاقب النسل الواحد بعد الآخر ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :
وهلْ أنتِ إلّا مُهرةٌ عربيةٌ سليلةُ أفراسٍ تحلّلَها بغلُ
13 - (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) أي جعلنا نسله من نطفةٍ تستقرّ في بيت الأرحام ، والنطفة ماء قليل ، ومن ذلك قول كعب بن زهير يصف قطى وأفراخها :
جَوَانحُ كالأَفَانِي في أَفاحِصِها ينظُرْنَ خَلْفَ رَوَايَا تَسْتَقِي نُطَفَا
والنطفة هو المني. وقد سبق هذا الموضوع في كتابي الكون والقرآن تحت موضوع الحياة إنتقالية .
14 - (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ، وقد سبق شرح كلمة "تبارك" في سورة الأعراف في آية 54 ، وإليك ما قاله أحد العلماء : "لقد ذكر الله تعالى الأدوار الّتي يمرّ بها الجنين وهو في عالم الغيب ، وقبل أن تتمكّن علوم التشريح والطب من تصوير هذا الجنين فيقول الله تعالى (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ) ... وقد أوضح علم التشريح والأجنّة أنّ ما وردَ في القرآن هو ترتيب خلق الجنين ، وأنّهُ لم يمكن الاستعاضة عن ألفاظ القرآن بغيرها . فعند التناسل يفرز الرجل 26 مليون حيوان منوي صغير الحجم ، للحيوان رأس مُفلطَح وذيل طويل ، وتتمّ حركتهُ بواسطة قوّة اندفاع ولولبيّة ذيله ، ومتَى وصلت إلى مهبل الاُنثى قابلت بويضة الاُنثى فيندمج فيها حيوان واحد ، وتأخذ البويضة الملقّحة في الانقسام إلى إثنين ثمّ أربع فثمان فستّ عشرة ، وهكذا يكوّن شكلاً مُستطيلاً مُشابهاً لعلقة الناموس الّتي تُعرف باليرقان ، ويستمرّ الجنين علقة بشكلهِ المستطيل مُدّة تقرب من الأربعين يوماً ، وبعد ذلك تستدير هذه العلقة الّتي زادت بانقسامها وتكون كرويّة بغير انتظام ، وتشابه عندئذٍ قِطع اللّحم الممضوغة في كرويّتها وليونتها ، وتُسمّى بالمضغة ، ولا يزيد طولها عن ربع بوصة ، وبذلك يكون قد زادَ حجم البويضة الملقّحة خمسين ضعفاً ، ويزداد وزنها ثمانية آلاف ضعف !!
وتأخذ بعد ذلك المضغة في الانقسام إلى عديد من الخلايا ، وتتّحد فئات هذه الخلايا ، إذْ تتخصّص كلّ فئة منها لإنتاج أجزاء مُعيّنة من الجنين .. فالجزء الخارجي من المضغة يقوم بعمل الجلد والجهاز العصبي ، والجزء الأوسط منها يكوّن العظام والعضلات والأوعية ، والجزء الداخلي يكوّن الأحشاء . وهكذا يمرّ خلق الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة وبعد ذلك تنشأ العضلات ومعها العظام . وفي معظم أحوال النموّ العظمي ينشأ أوّلاً طراز من العظم أكثر شفّافيّة منهُ وأقلّ صلابة وأشدّ رخاوة هو الغضروف الّذي يترسّب حولهُ مادّة العظم ، وفي الشهر الثالث تنشأ أماكن الأسنان في عظام الفكّين وتتكوّن براعم الأسنان اللّبنية ، وتتكوّن عظام الأصداغ والعظام الأنفيّة ، وتنشط الخلايا في كافّة أجزاء المضغة مكوّنةً الأجهزة والأنسجة الّتي تكسو العظام المتكوّنة لحماً . وبذلك يتكوّن الجنين على الصورة الّتي أوردها القرآن دون تغيير أو تبديل.
أمّا "القرار المكين" الّذي وردَ في هذه الآية فلا يشهد بدقّتهِ إلا من درسَ علم التشريح والأجنّة ، إذ يقول العِلم: أنّ المضغة تتكوّن من " قُرص مضغي" ، أسفلهُ كهف يسمّى "الكيس الصفاري" الّذي ينفصل في الشهر الثاني للمضغة ، وأعلاهُ كهف آخر تنشأ منهُ قِربة مُمتلئة بالماء تسمّى "السلى" تحيط بالمضغة إحاطة تامّة إلا حيث يتّصل بها الحبل السري الغليظ ، وهكذا تسبح المضغة في غلاف مائي يمنع عنها الصدمات أو الارتطامات !!
15 - (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ) أي بعد إتمام الخلقة (لَمَيِّتُونَ) عند انقضاء آجالكم .
16 - (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) للحساب والجزاء .
17 - (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) أي سبع طبقات غازيّة لسكنى الجن ، ولكلّ طبقة منهم طريقة يسيرون عليها ، أي مذهباً يدينون به . فكلمة طرائق جمع ومفردها طريقة وهي الشريعة والمذهب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الجن حاكياً عن لسانهم : { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي كنّا مذاهب مختلفة متقطّعة . (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) لا عن الجن ولا عن الإنس .
18 - (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ ) أي من الطبقات الغازيّة (مَاءً بِقَدَرٍ ) أي بقدر الحاجة (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) على الجبال بهيئة ثلوج وفي داخلها على هيئة ينابيع وبين الجبال يجري على هيئة أنهار وما زادَ يذهب إلى المنخفضات فيكون أبحراً (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) بأن نبخّرهُ بحرارة الشمس ولا نعيده مطراً أو نُلقيهِ على الأقطاب الباردة على هيئة ثلوج مُتراكمة بعيداً عنكم ، ولكن من رحمتنا بكم لم نفعل ذلك .
19 - (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ ) أي بالماء (جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يعني ومن البساتين تأكلون أثماراً اُخرى غير الفواكه الّتي في الأشجار ، ويريد بذلك المخضّرات كالخيار والقِثاء والبطّيخ والطماطة وغير ذلك .
20 - (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ ) وهي شجرة الزيتون ، وسيناء إسم الصحراء الّتي فيها جبل الطور ، وقوله (تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ ) يعني أصلها من ذلك الجبل ثمّ سقطت ثمرتها في الوادي القريب من الجبل فنبتت نواتها في الوادي وتكاثرت فيه ، وقوله (تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ) "الدهن" هي النُقر والمنخفضات بين الجبال تجتمع فيها مياه الأمطار وكلمة "دهن" هي عامّية وليست فصيحة حيث أنّ الكلمة الفصيحة هي كلمة "زيت" والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النــور {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ } ، وقوله (وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ) يعني وزيتها صبغ للآكلين ، أي يصبغ اللّقمة بغمسها فيهِ وهو الزيت ، وفي ذلك قال الراجز :
تَزَجَّ مِنْ دُنْياكَ بالبَلاغِ وباكِرِ المِعْدَةَ بالدِّباغِ
بِكِسْـرَةٍ لَـيِّنَةِ الـمَـضـاغِ بالمِلْحِ أوْ ما خَفَّ مِنْ صِبَاغِ
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |