كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة طه من الآية( 121) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

121 - (فَأَكَلَا مِنْهَا ) أي من شجرة توت العلّيق ، يعني آدم وحوّاء (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) بعد أن تمزّقت ثيابهما بأشواك الشجرة ، يعني بدت عورة حوّاء لآدم وعورة حوّاء لآدم ، لأنّ آدم لم يدخل بها قبل ذلك الوقت (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ ) ثيابهما ، أي يُرقّعان ثيابهما وهيَ (عَلَيْهِمَا) دون أن ينزعاها (مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي من ورق التين (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ) باقترابهِ من الشجرة وأكله من ثمرتها (فَغَوَى) زوجتهُ حوّاء بمدحهِ ثمرتها فأكلت هي أيضاً من توت الشجرة . ومضمون القِصّة إنّ الله تعالى يُحذّر الناس من اتّباع إبليس لئلاّ يمنعهم من دخول الجنّة في الآخرة كما أخرج أبويهم من الجنّة في الدنيا .

122 - (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ ) أي اختارهُ للنبوّة (فَتَابَ عَلَيْهِ ) أي قبِلَ توبتهُ (وَهَدَى) أي هداهُ إلى الكلمات الّتي دعا بها فتاب عليهِ .

123 - (قَالَ) الله تعالى لآدم وحوّاء بعد ذلك (اهْبِطَا مِنْهَا ) أي من البستان وكانت فوق جبل (جَمِيعًا) يعني آدم وحوّاء والأنعام والطيور الّتي كانت فوق ذلك الجبل ، لأنّ المياه الّتي كانت تسقي الأشجار وجدت طريقاً لها في باطن الجبل فصارت تنبع من أسفلهِ ، وسقطت بذور من تلك الأشجار في الوادي فنبتت ، فأصبحت أشجار وأنهار وخضار في ذلك الوادي بسبب المياه المنحدرة أوّلاً من الجبل والمنبعثة من الينابيع الّتي انفجرت من أسفلهِ أخيراً ، أمّا الأشجار الّتي فوق الجبل فقد يبست ولم يبقَ فيها أثمار للأكل ولا ماء فوق الجبل للشرب ، فشكى آدم إلى ربّهِ جوعه وعطشه ، فقال الله تعالى إهبطا منها إلى الأرض المنبسطة يعني إلى الوادي تجدون ما تأكلون وتشربون ، فنزلوا كلّهم إلى أسفل الجبل . وقوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) أي سيكون بعضكم لبعض عدوّاً ، فصار أولاد آدم بعضهم يُعادي بعضاً ، وصار إبليس عدوّاً لهم يُريد إهلاكهم وتعذيبهم (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ) بواسطة الأنبياء والرُسُل (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ) الّذي جاءت بهِ الرُسُل (فَلَا يَضِلُّ ) في الدنيا (وَلَا يَشْقَى ) في الآخرة .

124 - (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ) أي عن موعظتي الّتي جاءت بها الرُسُل ولم يؤمن بها (فَإِنَّ لَهُ ) في عالم البرزخ (مَعِيشَةً ضَنكًا ) أي عيشاً ضيّقاً مُكدّراً مُنغصّاً بالعذاب والآلام ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                   أبني سُلَيْمٍ إنْ لَقِيتُمْ فَقْعَساً      في مَحْبَسٍ ضَنْكٍ إلى وَعْرِ

وقال عنترة :

                                     إنَّ المنِيَّةَ لو تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ      مِثْلِي إذا نَزَلُوا بِضَنكِ المنزلِ

(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) عن طريق الخروج من جهنّم .

125 - (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ ) في الدنيا (بَصِيرًا) أرى جميع الأشياء ؟

126 - (قَالَ) الملَك في جوابهِ (كَذَلِكَ) أي كما أخبرناك في الدنيا على ألسُن الرُسُل وقلنا لك إن لم تؤمن بآيات ربّكَ فستُحشَر أعمى ، وكما وعدناك وافيناك ، ولقد (أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ) لإعراضك عنها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) فنعرض عنك مهما دعَوتنا لنجاتك من العذاب .

127 - (وَكَذَلِكَ) أي مِثل جزاء المعرِض عن آياتنا (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ) أي من أكثرَ المعاصي (وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ) الّتي جاءت بها رُسُلُهُ (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ ) من عذاب البرزخ (وَأَبْقَى) أي وأدوَم .

128 - (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ) يعني ألم يُبيّن القرآن لأهل مكّة (كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ ) الماضية الّتي كذّبت بالرُسُل ، والقرن مائة سنة (يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) ولا يعتبرون بقِصَصَهم وآثارهم ، يعني أهل مكّة يمشون في مساكن هؤلاء المكذّبين للرُسُل ، وذلك حين يُسافرون من مكّة إلى الشام للتجارة فيمرّون بمساكن عاد وثمود وينظرون آثارهم (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) الأثر والمنظر (لَآيَاتٍ) على هلاك أهلها (لِّأُوْلِي النُّهَى ) أي لذوي العقول المتناهِية .

129 - (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ) بتأخير العذاب (لَكَانَ) الهلاك (لِزَامًا) لهم كما أهلكنا من سبقهم من الاُمَم السالفة الّتي كذّبت رُسُلنا (وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) أي ولأعطيناهم أجلاً مُعيّناً لإهلاكهم ونزول العذاب عليهم ولكن لا نُريد ذلك .

130 - (فَاصْبِرْ) يا محمّد (عَلَى مَا يَقُولُونَ ) من التكذيب والسخرية (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللّيل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ) يعني سبّحهُ على الدوام (لَعَلَّكَ تَرْضَى ) بما وعدك ربّك من النصر وإعزاز الدين في الدنيا ومن الكرامة والشفاعة للموحِّدين من اُمّتكَ في الآخرة .

131 - وُلِدَ للنبيّ (ع) أربعة بنين وماتوا صِغاراً ، فكان إذا رأى أولاد المشركين يُطيل النظر إليهم ، فنزل قوله تعالى (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ ) أي بالأولاد (أَزْوَاجًا) يعني الزوج والزوجة (مِّنْهُمْ) أي من المشركين (زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا ) يعني الأطفال هم زهرة الدنيا يأنس بهم أبواهم (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) أي لنختبرهم في هذا المتاع فنرى هل يشكرون أم يكفرون (وَرِزْقُ رَبِّكَ ) في الآخرة (خَيْرٌ) لك (وَأَبْقَى) من رزق الدنيا . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة الحجر آية 88 .

132 - (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) أي داوِم عليها (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ) لعبادنا بل الإرشاد والهداية إلى طريق الحقّ (نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ) لا تهتمّ بأمر معاشك (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) أي لأهل التقوى .

133 - (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ ) أي بمعجزةٍ (مِّن رَّبِّهِ ) كعصا موسى وناقة صالح فنؤمن بهِ ، فردّ الله عليهم قولهم وكذّبهم فقال تعالى (أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ) في التوراة والزبور والإنجيل ، والمعنى : ألم تأتِهم أخبار الماضين الّذينَ طلبوا المعجزات من أنبيائهم ولَمّا حصل ما طلبوا كذّبوا بها وقالوا هذا سِحرٌ مُبين ، فأهلكناهم بسبب كفرهم وتكذيبهم ، وحال أهل مكّة كحال الماضين بالكفر والتكذيب . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم