كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
128 - (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ) أي من زوجها (نُشُوزًا) أي تكبّراً عليها وتجافياً عنها (أَوْ إِعْرَاضًا ) عنها إلى غيرها بسبب كبر سنّها أو دمامتها أو طموح عينهِ إلى أجمل منها وخافت أن يُطلّقها (فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ) يعني فلا حرجَ على الزوج والزوجة أن يتصالحا بينهما على أن تترك لهُ شيئاً من حقِّها من المبيت عندها أو من الكِسوة أو النفَقة إن كانت غنيّة كي لا يُطلّقها (صُلْحًا) أي على شرط أن يكون ذلك صُلحاً لا جبراً (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) من الفراق بالطلاق . ثمّ توعّد الله سُبحانهُ البُخلاء والحريصين على المال توعّدهم بالعذاب فقال (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحّ ) الّذينَ كانوا قبلكم وماتوا اُحضِروا للعذاب فهم اليوم مُعذّبون فلا تكونوا أنتم مثلهم بُخلاء فتتعذّبوا في الآخرة ، فكلمة "اُحْضِرَتْ" معناها اُحضِرت للعذاب ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة مريم {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا } ، والشُحّ جمع شحيح وهو البخيل والحريص على المال وفي ذلك قال الشاعر :
فلا الجُودُ يُفْنِي الْمَالَ قَبْلَ فَنَائِهِ وَلا البُخْلُ فِي مالِ الشَّحِيحِ يَزِيدُ
(وَإِن تُحْسِنُواْ ) مع زوجاتكم بالنفَقة والكِسوة وغير ذلك (وَتَتَّقُواْ) عقاب الله في صدودكم عنهنّ والأذى لهنّ بلا ذنبٍ منهنّ (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ ) من إحسان أو إساءة (خَبِيرًا) فيجازي كلّ إنسان على أعماله في الآخرة .
129 - (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء ) في المحبّة إذ ذاك مُتعذّر في الحُبّ والجِماع ، فقد ينشط لواحدةٍ ما لا ينشط للاُخرى ، إذا لم يكن ذلك بقصدٍ منهُ فلا حرجَ عليه (وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) على العدل . وكان النبيّ (ع) يَقسِم بين نسائِهِ ثمّ يقول يا ربّ هذا قِسم ما أملك فلا تلمني فيما لا أملك (فَلاَ تَمِيلُواْ ) إلى الّتي تحبّونها (كُلَّ الْمَيْلِ ) في القِسمة والنفقة والكِسوة وحُسن المعاشرة فما لا يُدرك كُلّهُ لا يُترك كلّه (فَتَذَرُوهَا) أي فتتركوها الْمُمال عنها (كَالْمُعَلَّقَةِ) الّتي ليست ذات زوج ولا مُطلّقة ، وهي الّتي غاب عنها زوجها أو سُجِنَ فلا تستفيد منه (وَإِن تُصْلِحُواْ ) ما وقع منكم من خطأ (وَتَتَّقُواْ) في المستقبل عن اقتراف مثله ( فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا ) لِما مضَى من مَيلكم (رَّحِيمًا) بهنّ إذ أوصَى لهنّ .
130 - (وَإِن يَتَفَرَّقَا ) الزوجان بالطلاق ولم يُصلحا بينهما (يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ ) عن صاحبهِ ببدلٍ ورزقٍ (مِّن سَعَتِهِ ) أي من فضلهِ الواسع (وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا ) أي واسعَ الفضل والعطاء على خلقه (حَكِيمًا) فيما دبّرهُ لهم .
131 - (وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيورٍ تطير ورزقٍ كثير (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من أشجار وأثمار وبساتين وأنهار فيهبُ منها للمنفِقين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ) أي الّذينَ أعطيناهم الكتُب السماويّة وهيَ صُحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داوُد وإنجيل عيسى (مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ ) يعني وأنتم أيضاً وصّيناكم في القرآن (أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ) في قطع الزكاة عن الفقراء والمحتاجين ولا تبخلوا عليهم لأنّ البُخل كفرٌ لنعمةِ الله (وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من صواعق ونيازك وشُهُب ورعود وعواصف وأمطار وبَرَد 140 (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من براكين وزلازل وبحار وسيول وحشرات وميكروبات وأفاعي ووحوش فيسلّطها عليكم وعلى أنعامكم وبساتينكم وزروعكم عقاباً على كفركم . ونظير هذه الآية في سورة إبراهيم قوله تعالى {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ، (وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا ) عن زكاتكم (حَمِيدًا) أي مستوجباً للحمد بصنائعهِ الحميدة إليكم وبكثرةِ إنعامهِ عليكم .
132 - (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من رزقٍ دائم (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من مالٍ ومُلكٍ قائم فيهبُ منه للمُنفقين في سبيله والْمُطعمين المساكين على حُبّهِ (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) أي حافظاً ومُدبّراً لشؤونهم وراعياً لمصالحهم .
133 - ثمّ توعّد الله الكافرين والمشركين بالهلاك إن لم يؤمنوا ويصلحوا أعمالهم فقال تعالى (إِن يَشَأْ ) الله (يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ) أي بقومٍ آخرين مؤمنين صالحين مُنفقين (وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ) أي لم يزل ولا يزال قادراً على الإفناء والإبدال .
134 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ من يتّقِ الله ويعمل صالحاً يكسب ثواب الدارَين أمّا في الدنيا فيكون له الصيت الحسَن بين الناس والذِكر الطيّب إلى يوم القيامة وأمّا في الآخرة فله الجنّة والنعيم الدائم ، فقال (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) يعني فليتّقِ الله وليكسب الإثنين (وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا ) لدعائهِ (بَصِيرًا) بأعمالهِ فيجازيهِ عليها بعد موتِهِ وانتقالهِ للآخرة .
135 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ ) للناس (بِالْقِسْطِ) أي كونوا مُصلحين ومُرشدين الناس ومُقوّميهم على العدل والإنصاف ، وقد سبق معنى "قوّامون" في آية 34 من هذه السورة . وإذا أدّيتم الشهادة لأحدٍ فكونوا (شُهَدَاء لِلّهِ ) لا تميلوا في شهادتكم إلى أحد وقولوا الحقّ (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِين ) ولا تراقبوا غنيّاً ولا فقيراً (إِن يَكُنْ ) المشهود عليه ( غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا ) منكم وأعلمُ بمصالحهما (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى ) في شهادتكم بأن تشهدوا للغنيّ لأجلِ مالهِ أو للفقير رحمةً بهِ ( أَن تَعْدِلُواْ ) يعني فلا تتّبعوا الهوى أن لا تعدلوا في شهاداتكم (وَإِن تَلْوُواْ ) ألسنتكم عن النطق بالحقّ وتحريف الشهادة (أَوْ تُعْرِضُواْ ) عن الشهادة إذا دُعيتم إليها (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) فيعاقبكم على ذلك في الآخرة .
------------------------------------140 :إنّما أعطَى أوّل الآية معنى الرزق الواسع والمال الكثير وأعطى آخر الآية معنى الصواعق والنيازك ، لأنّ أوّل الآية ترغيب للمتّقين والمنفقين وآخر الآية تهديد ووعيد للكافرين .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |