كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 13) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

13 - (وَكُلَّ إِنسَانٍ ) كافر (أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) أي كفره وأعماله السيئة ، فكلمة "طائر" يعنون بها التشاؤم ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة يــاء سين {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } ، و"الإلزام" هو تحميل الإنسان ما لا يُطيقهُ جبراً ، والمعنى : كلّ إنسان مُسيء تُحيط بهِ سيّئاته كما يُحيط الطّوق في عُنُق المرأة فيؤنّب ضميرهُ ويلوم نفسهُ على ما فاته من نعيم الآخرة وما أصابه من العذاب بسبب سيئاته . ونظيرها في سورة فاطر قوله تعالى {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } ، وهذا الإلزام بالطائر يكون بعد الموت ، والشاهد على ذلك قوله تعالى (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا ) كُتِبتْ فيه أعماله (يَلْقَاهُ مَنشُورًا ) أي مفتوحاً ليقرأهُ ، فيُقال لهُ :

14 - (اقْرَأْ كَتَابَكَ ) أي كتاب الأعمال (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ) أي يوم القيامة (عَلَيْكَ حَسِيبًا ) أي مُحاسِباً ، والمعنى : نحن لا نُحاسبك يكفي أن تُحاسب نفسك وتعترف بجرائمك وتعلم بأنّ الله لم يظلمك بدخولك النار بل أنتَ ظلمتَ نفسك .

15 - (مَّنِ اهْتَدَى ) إلى طريق الحقّ (فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ ) يعني فالنفع في ذلك يعودُ عليهِ (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) يعني ضرر ضلاله راجع إلى نفسهِ (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخرى ) يعني لا يحمل أحدٌ ذنب غيره (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ) قوماً بعذاب الاستئصال (حَتَّى نَبْعَثَ ) فيهم (رَسُولاً) يُنذرهم عن عبادة الأوثان ويدعوهم إلى إطاعة الرحمان ، فإن لم يسمعوا لقولهِ ولم يعملوا بأمره أهلكناهم بذنوبهم .

16 - (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً) من القرى بسبب ظلمهم وكفرهم (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أي أمرّنا مترفيها ، وهو من الإمرة وليس من الأمر الذي هو ضد النهي ، والمعنى : جعلنا مترفيها أمراء على ساكنيها (فَفَسَقُوا فِيهَا) أي في تلك القرية ووقعت العداوة بين أمرائها فتقاتلوا (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) بالعذاب والدمار (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) .

17 - (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ ) أي من القرون الماضية ، والقرن مائة سنة ، وكلّ رئيس يُسمّى قرن (مِن بَعْدِ نُوحٍ ) بسبب تكذيبهم للرُسُل (وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيرًا ) فيعاقبهم عليها لا يفوتهُ شيء منها .

18 - (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ) أي النِعم العاجلة مُكافأةً لأعماله ، يعني يريد الدنيا (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ) أي نُعطيهِ من المال والأولاد غير ذلك وليس لهُ في الآخرة من نصيب ، ولكن (لِمَن نُّرِيدُ ) أي نُعطي الدنيا ونُعجّل لهُ في العطاء لمن نُريد أن نُعذّبهُ في الآخرة بسبب نفاقهِ وسوء أخلاقهِ وظُلمهِ للناس (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا ) أي يُعذّب بنارها (مَذْمُومًا) بين النفوس (مَّدْحُورًا) من قَبَل ملائكة العذاب ، أي مدفوعاً إلى النار . ومِثلها في سورة الزمر قوله تعالى {وَسِيقَ الّذينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا } .

19 - (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ) أي ومن أراد نعيم الآخرة (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) يعني وعملَ الأعمال الصالحة وأطاع الله في أوامرِه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) يعني سعيهم مقبول وأجرهم موفور .

20 - (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء ) يعني كلّاً من الفريقين الكافرين والمؤمنين نمدّهم بالخيرات ولكن الكافر نُعطيه في الدنيا ، والمؤمن نُعطيه في الدنيا ونزيده في الآخرة (مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ) أي محصورا ، يعني عطاؤهُ في الدنيا عامّ للكافرين والمؤمنين ، ولكن في الآخرة خاصّ للمؤمنين .

21 - (انظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) بالرزق ، فجعلنا بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء وبعضهم موالي وبعضهم عبيداً ، كذلك في الآخرة (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ) للمؤمنين (وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) من مراتب الدنيا ، فينبغي أن تكون رغبتهم في الآخرة وسعيهم لها أكثر مِمّا يسعَون لدنياهم لينالوا الدرجات الرفيعة والمقام المحمود في الجنان العالية .

22 - (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ ) أيّها الإنسان (فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا ) في الآخرة بين النفوس (مَّخْذُولاً) بين الشياطين . قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } ، يعني : تبقَى حقيراً ذليلاً لا مُساعد لك ولا ناصر ينصرك ويُخلّصك من عذاب الله .

23 - (وَقَضَى رَبُّكَ ) أي وحكم ربّك حُكماً قطعيّاً ، ومن ذلك قول عنترة :

                                جارُوا فَحَكَّمْنا الصَّوارِمَ بَيْنَنا      فَقَضَتْ وأَطْرافُ الرِّماحِ شُهُودُ

(أَلاَّ تَعْبُدُواْ ) أحداً (إِلاَّ إِيَّاهُ ) وحدهُ ، يعني لا تعبدوا غيرهُ (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) يعني وحكم أيضاً أن تُحسِنوا مع الوالدينِ إحساناً (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ) يعني كبر السنّ بطول العُمر (أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ) وهي كلمة تضجّر ، والمعنى : لا تؤذِهِما بقليل ولا بكثير ولا بالكلام (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ) أي ولا تزجرهما بكلمةٍ غليظة ولا صياح (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) أي وخاطبهما بكلامٍ رقيق جميل بتأدّب يكون فيهِ كرامة لهما .

24 - (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) أي وبالغ في التواضع والخضوع لهما قولاً وفعلاً بِرّاً بهما وشفقةً عليهما (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) يعني اُدعُ لهما بالمغفرة والرحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاءً لتربيتهما إيّاك .

25 - (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ) أي بما تضمرونهُ من البِرّ لهما أو العُقوق (إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ) في أعمالكم طائعين لله فيما أمركم (فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ) أي للتائبين النادمين الراجعين إلى بِرّ الوالدَين غفوراً ، فالأوّابين يعني الراجعين ، ومن ذلك قول كعب بن سعد :

                                بِعَيْنّي أَوْ يُمَنَى يَدَيّ وقِيْلَ لِي      هُوَ الغَانِمُ الجَذْلاَنُ يَوْمَ يَؤُوْبُ

يعني حين يرجعُ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم