كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
138 - (هَـذَا) القرآن (بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) يُبيّن لهم الحلال والحرام والخير والشرّ (وَهُدًى) إلى طريق الحقّ (وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) الّذينَ يتّقون عذاب الله بطاعته ويحيون قلوبَهم بموعظتهِ .
139 - نزلت هذه الآية بعد وقعة اُحُد بعد ما أصاب المسلمين من القتل والهزيمة ليثبّتهم الله ويقوّي قلوبهم ويشدّ عزمهم فقال تعالى (وَلاَ تَهِنُوا ) أي لا تضعفوا في طلب المشركين وقتالهم (وَلاَ تَحْزَنُوا ) على ما أصابكم من القتل والهزيمة (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ ) عليهم في المستقبَل بالنصر والظفَر (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) يعني إن كنتم مصدّقين .
140 - (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ) يعني إن مسّكم جِراح يوم اُحُد (فَقَدْ مَسَّ ) أي أصاب (الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ) يوم بدر ، وكان سبب هذهِ الجراح من أيديكم لأنّكم خالفتم أمر رسول الله فتركتم أماكنكم وذهبتم وراء الغنيمة فأصابكم ما أصابكم من جراح (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) أي بين المشركين ، يعني أيّام قلائل تزول منهم فلا تلتفتوا إلى كثرتهم ولا تهتمّوا بمالِهم وسلاحهم فإنّ مالَهم سيزول وكثرتهم ستقلّ وجمعهم يتفرّق ويكون النصر لكم (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذينَ آمَنُواْ ) منكم ، يعني الّذينَ ثبتوا على إيمانهم ولم تتزعزع عقائدهم (وَيَتَّخِذَ) الله (مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) بالكرامة عند ربّهم ، وهم الّذينَ قُتِلوا يوم اُحُد (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ ظلموا قومهم بتركِ مواقعهم وذهابهم وراء السلب والغنائم فأصاب قومهم القتل والهزيمة .
141 - (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ ) في هذه الواقعة (الّذينَ آمَنُواْ ) اي يُطهّرهم من هذه العادات الذميمة بأن لا يعودوا لِمثلها ، وهي إسراعهم وراء السلب والغنائم وتركهم مواقعهم فيأتي العدوّ منها ويضربهم ، يُقال محّص الذهب بالنار ، أي خلّصه مِمّا يشوبهُ من الغشّ . وقوله (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) أي يُهلكهم بالتدريج شيئاً فشيئاً ، فالمحق هو النقص في المال والجاه والأنفُس ، ومن ذلك قول عنترة:
أنا العبدُ الّذي يلقى المنايا غداة الرّوعِ لا يخشى المحاقا
والمحاق يكون في آخر ليلة من الشهر القمري ، لأنّ القمر يأخذ في النقصان إلى آخر ليلة فلا يُرى فيها القمر لضعفه فيُقال حينئذٍ القمر في المحاق.
142 - (أَمْ حَسِبْتُمْ ) هنا تقدير محذوف وهو: أظننتم أن تُثابوا بلا عمل أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) بلا جهاد ولا مشقّات (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ ) فيكتب لهم الجنّة (وَ) كذلك ( يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) على القتال ولم ينهزموا فيكتب لهم الجنّة يدخلونها بعد موتهم .
143 - (وَلَقَدْ كُنتُمْ ) يا أصحاب محمّد (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ) لأعدائكم يوم بدر فأعطيناكم مُناكم فقَتلتم منهم سبعين رجلاً وأسَرتم سبعين لأنّكم صبرتم على القتال ولم تُخالِفوا أمرَ نبيّكم ، وذلك (مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ) يوم اُحُد لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم في هذه الواقعة فحلّ الموت بكم بدل أن يحلّ بهم (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ ) يوم بدر (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) بأعينكم إلى القتلى من أعدائكم .
144 - (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) . بيّن الله تعالى في هذه الآية عن شخصين هاديَين بين أحدهما والآخر فترة من الزمن ، الأوّل يموت والثاني يُقتل وعند فقدهما تنقلب بعض الناس عن الدِين وتعود إلى الكفر والضلال . فالهادي الّذي يموت هو محمّد خاتم الأنبياء ، والثاني الّذي يُقتل هو محمّد المهدي المنتظر ، وتقدير الآية يكون كما يلي : أفإنْ مات محمّد أو قُتِل المهدي انقلبتم على أعقابكم ؟ وإنّما جمع الإثنين بجملةٍ واحدة لأنّ الإثنين إسمهما محمّد وقد سبق ذكره في أوّل الآية ، وهذا من البلاغة والإيجاز .
وقد أوضح الله سُبحانهُ لرسولهِ في آيةٍ اُخرى بأنّه يموت ولا يُقتَل وذلك في سورة الزمر قوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } ، وقال تعالى في سورة يونس {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } ، وقد نفَى عنهُ القتل بقوله تعالى {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، وذلك في سورة المائدة ، أي يحفظك من القتل .
(وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) .
145 - (وَمَا كَانَ ) الموت قادماً (لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ) فلماذا تخافون من القتال وتنهزمون من الأعداء (كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) يعني كتب الله لكلّ إنسان أجَلاً ووقتاً لحياته ووقتاً لموته لا يتقدّم ولا يتأخّر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي ومن يُقاتل لأجل الغنيمة نؤتهِ من الغنيمة وليس له في الآخرة من أجر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي نُعطِهِ من الغنيمة أيضاً وأجرهُ عند الله في الآخرة ، وذلك قوله تعالى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) على أعمالهم في الآخرة . لأنّ الشكر نوعان نوع باللسان ونوع بالأعمال . ونظير هذه الآية في سورة الشورى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } .
146 - (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ ) أي وكم من نبيٍّ مِمّن كان قبلكم ، ومن ذلك قول الأعشى :
وكأيٍّ دفعُنا عنكم مِنْ مُلِمّةٍ وكُربةِ مَوتٍ قدْ بَتَتْنا عِقالَها
(قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ) أي قاتلوا الأعداء مع نبيّهم ، والربيّون هم المعلّمون الّذينَ يربّون الأولاد وُيعلّمونهم أمور دينهم ، والكلمة مشتقّة من التربية ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } (فَمَا وَهَنُواْ ) أي فما جبُنوا (لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) من الأذى والجراح والقتل (وَمَا ضَعُفُواْ ) عن الجهاد (وَمَا اسْتَكَانُواْ ) أي وماخضعوا لعدوّهم (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) في ساحة القتال لنُصرةِ دينهِ .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |