كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 138) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

138 - (هَـذَا) القرآن (بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) يُبيّن لهم الحلال والحرام والخير والشرّ (وَهُدًى) إلى طريق الحقّ (وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) الّذينَ يتّقون عذاب الله بطاعته ويحيون قلوبَهم بموعظتهِ .

139 - نزلت هذه الآية بعد وقعة اُحُد بعد ما أصاب المسلمين من القتل والهزيمة ليثبّتهم الله ويقوّي قلوبهم ويشدّ عزمهم فقال تعالى (وَلاَ تَهِنُوا ) أي لا تضعفوا في طلب المشركين وقتالهم (وَلاَ تَحْزَنُوا ) على ما أصابكم من القتل والهزيمة (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ ) عليهم في المستقبَل بالنصر والظفَر (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) يعني إن كنتم مصدّقين .

140 - (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ) يعني إن مسّكم جِراح يوم اُحُد (فَقَدْ مَسَّ ) أي أصاب (الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ) يوم بدر ، وكان سبب هذهِ الجراح من أيديكم لأنّكم خالفتم أمر رسول الله فتركتم أماكنكم وذهبتم وراء الغنيمة فأصابكم ما أصابكم من جراح (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) أي بين المشركين ، يعني أيّام قلائل تزول منهم فلا تلتفتوا إلى كثرتهم ولا تهتمّوا بمالِهم وسلاحهم فإنّ مالَهم سيزول وكثرتهم ستقلّ وجمعهم يتفرّق ويكون النصر لكم (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذينَ آمَنُواْ ) منكم ، يعني الّذينَ ثبتوا على إيمانهم ولم تتزعزع عقائدهم (وَيَتَّخِذَ) الله (مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) بالكرامة عند ربّهم ، وهم الّذينَ قُتِلوا يوم اُحُد (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الّذينَ ظلموا قومهم بتركِ مواقعهم وذهابهم وراء السلب والغنائم فأصاب قومهم القتل والهزيمة .

141 - (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ ) في هذه الواقعة (الّذينَ آمَنُواْ ) اي يُطهّرهم من هذه العادات الذميمة بأن لا يعودوا لِمثلها ، وهي إسراعهم وراء السلب والغنائم وتركهم مواقعهم فيأتي العدوّ منها ويضربهم ، يُقال محّص الذهب بالنار ، أي خلّصه مِمّا يشوبهُ من الغشّ . وقوله (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) أي يُهلكهم بالتدريج شيئاً فشيئاً ، فالمحق هو النقص في المال والجاه والأنفُس ، ومن ذلك قول عنترة:

                                 أنا العبدُ الّذي يلقى المنايا      غداة الرّوعِ لا يخشى المحاقا

والمحاق يكون في آخر ليلة من الشهر القمري ، لأنّ القمر يأخذ في النقصان إلى آخر ليلة فلا يُرى فيها القمر لضعفه فيُقال حينئذٍ القمر في المحاق.

142 - (أَمْ حَسِبْتُمْ ) هنا تقدير محذوف وهو: أظننتم أن تُثابوا بلا عمل أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) بلا جهاد ولا مشقّات (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ ) فيكتب لهم الجنّة (وَ) كذلك ( يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) على القتال ولم ينهزموا فيكتب لهم الجنّة يدخلونها بعد موتهم .

143 - (وَلَقَدْ كُنتُمْ ) يا أصحاب محمّد (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ) لأعدائكم يوم بدر فأعطيناكم مُناكم فقَتلتم منهم سبعين رجلاً وأسَرتم سبعين لأنّكم صبرتم على القتال ولم تُخالِفوا أمرَ نبيّكم ، وذلك (مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ) يوم اُحُد لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم في هذه الواقعة فحلّ الموت بكم بدل أن يحلّ بهم (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ ) يوم بدر (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) بأعينكم إلى القتلى من أعدائكم .

144 - (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) . بيّن الله تعالى في هذه الآية عن شخصين هاديَين بين أحدهما والآخر فترة من الزمن ، الأوّل يموت والثاني يُقتل وعند فقدهما تنقلب بعض الناس عن الدِين وتعود إلى الكفر والضلال . فالهادي الّذي يموت هو محمّد خاتم الأنبياء ، والثاني الّذي يُقتل هو محمّد المهدي المنتظر ، وتقدير الآية يكون كما يلي : أفإنْ مات محمّد أو قُتِل المهدي انقلبتم على أعقابكم ؟ وإنّما جمع الإثنين بجملةٍ واحدة لأنّ الإثنين إسمهما محمّد وقد سبق ذكره في أوّل الآية ، وهذا من البلاغة والإيجاز .

وقد أوضح الله سُبحانهُ لرسولهِ في آيةٍ اُخرى بأنّه يموت ولا يُقتَل وذلك في سورة الزمر قوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } ، وقال تعالى في سورة يونس {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } ، وقد نفَى عنهُ القتل بقوله تعالى {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، وذلك في سورة المائدة ، أي يحفظك من القتل . (وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) .

145 - (وَمَا كَانَ ) الموت قادماً (لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ) فلماذا تخافون من القتال وتنهزمون من الأعداء (كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) يعني كتب الله لكلّ إنسان أجَلاً ووقتاً لحياته ووقتاً لموته لا يتقدّم ولا يتأخّر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي ومن يُقاتل لأجل الغنيمة نؤتهِ من الغنيمة وليس له في الآخرة من أجر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي نُعطِهِ من الغنيمة أيضاً وأجرهُ عند الله في الآخرة ، وذلك قوله تعالى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) على أعمالهم في الآخرة . لأنّ الشكر نوعان نوع باللسان ونوع بالأعمال . ونظير هذه الآية في سورة الشورى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } .

146 - (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ ) أي وكم من نبيٍّ مِمّن كان قبلكم ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                وكأيٍّ دفعُنا عنكم مِنْ مُلِمّةٍ      وكُربةِ مَوتٍ قدْ بَتَتْنا عِقالَها

(قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ) أي قاتلوا الأعداء مع نبيّهم ، والربيّون هم المعلّمون الّذينَ يربّون الأولاد وُيعلّمونهم أمور دينهم ، والكلمة مشتقّة من التربية ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } (فَمَا وَهَنُواْ ) أي فما جبُنوا (لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) من الأذى والجراح والقتل (وَمَا ضَعُفُواْ ) عن الجهاد (وَمَا اسْتَكَانُواْ ) أي وماخضعوا لعدوّهم (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) في ساحة القتال لنُصرةِ دينهِ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم