كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 142) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

142 - (أَمْ حَسِبْتُمْ ) هنا تقدير محذوف وهو: أظننتم أن تُثابوا بلا عمل أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) بلا جهاد ولا مشقّات (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ ) فيكتب لهم الجنّة (وَ) كذلك ( يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) على القتال ولم ينهزموا فيكتب لهم الجنّة يدخلونها بعد موتهم .

143 - (وَلَقَدْ كُنتُمْ ) يا أصحاب محمّد (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ) لأعدائكم يوم بدر فأعطيناكم مُناكم فقَتلتم منهم سبعين رجلاً وأسَرتم سبعين لأنّكم صبرتم على القتال ولم تُخالِفوا أمرَ نبيّكم ، وذلك (مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ) يوم اُحُد لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم في هذه الواقعة فحلّ الموت بكم بدل أن يحلّ بهم (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ ) يوم بدر (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) بأعينكم إلى القتلى من أعدائكم .

144 - (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) . بيّن الله تعالى في هذه الآية عن شخصين هاديَين بين أحدهما والآخر فترة من الزمن ، الأوّل يموت والثاني يُقتل وعند فقدهما تنقلب بعض الناس عن الدِين وتعود إلى الكفر والضلال . فالهادي الّذي يموت هو محمّد خاتم الأنبياء ، والثاني الّذي يُقتل هو محمّد المهدي المنتظر ، وتقدير الآية يكون كما يلي : أفإنْ مات محمّد أو قُتِل المهدي انقلبتم على أعقابكم ؟ وإنّما جمع الإثنين بجملةٍ واحدة لأنّ الإثنين إسمهما محمّد وقد سبق ذكره في أوّل الآية ، وهذا من البلاغة والإيجاز .

وقد أوضح الله سُبحانهُ لرسولهِ في آيةٍ اُخرى بأنّه يموت ولا يُقتَل وذلك في سورة الزمر قوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } ، وقال تعالى في سورة يونس {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } ، وقد نفَى عنهُ القتل بقوله تعالى {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، وذلك في سورة المائدة ، أي يحفظك من القتل . (وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) .

145 - (وَمَا كَانَ ) الموت قادماً (لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ) فلماذا تخافون من القتال وتنهزمون من الأعداء (كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) يعني كتب الله لكلّ إنسان أجَلاً ووقتاً لحياته ووقتاً لموته لا يتقدّم ولا يتأخّر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي ومن يُقاتل لأجل الغنيمة نؤتهِ من الغنيمة وليس له في الآخرة من أجر (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ) أي نُعطِهِ من الغنيمة أيضاً وأجرهُ عند الله في الآخرة ، وذلك قوله تعالى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) على أعمالهم في الآخرة . لأنّ الشكر نوعان نوع باللسان ونوع بالأعمال . ونظير هذه الآية في سورة الشورى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } .

146 - (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ ) أي وكم من نبيٍّ مِمّن كان قبلكم ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                وكأيٍّ دفعُنا عنكم مِنْ مُلِمّةٍ      وكُربةِ مَوتٍ قدْ بَتَتْنا عِقالَها

(قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ) أي قاتلوا الأعداء مع نبيّهم ، والربيّون هم المعلّمون الّذينَ يربّون الأولاد وُيعلّمونهم أمور دينهم ، والكلمة مشتقّة من التربية ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } (فَمَا وَهَنُواْ ) أي فما جبُنوا (لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) من الأذى والجراح والقتل (وَمَا ضَعُفُواْ ) عن الجهاد (وَمَا اسْتَكَانُواْ ) أي وماخضعوا لعدوّهم (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) في ساحة القتال لنُصرةِ دينهِ .

147 - (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ ) عند لقاء العدوّ (إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ) أي وكثرة سيئاتنا (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بالمواظبة على القتال (وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

148 - (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ) كما شاؤوا وطلبوا من الله (وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ) يعني وثواب الآخرة أحسن مِمّا أعطاهم في الدنيا (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) مع الفقراء والمحتاجين .

149 - لَمّا كانت الهزيمة لِلمسلمين يوم اُحُد قال بعض المشركين للمسلمين إرجعوا إلى دينكم ودين آبائكم ولا تقتلوا أنفسكم مع محمّد ، فنزل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذينَ كَفَرُواْ ) في أقوالهم (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) كفّاراً (فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ) بعد أن كنتم رابحين .

150 - (بَل) أطيعوا (اللّهُ مَوْلاَكُمْ ) أي الّذي يتولّى أموركم وشؤونَكم ويرعاكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) لكم .

151 - (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ) في الحرب القادمة (بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ ) أي بسبب أنّهم أشركوا بعبادة الله (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) أي لم ينزّل في الكتب السماويّة شيئاً من ذلك ليكون لهم برهاناً وحجّةً على قولهم واعتقادهم بل أمرَ الله بنبذ الأصنام واجتناب الأنداد ، فلهم اللّعنة على إشراكهم (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) الّذينَ يظلمون الضعفاء .

152 - (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ ) بالنُصرة على أعدائكم (إِذْ تَحُسُّونَهُم ) في بادئ الأمر ، أي تستأصلونهم من أرض اُحُد مُدبِرينَ عنكم . لأنّ المشركين انهزموا في بادئ الأمر والمسلمون خلفهم ، ومن ذلك قول جرير :

                             تَحُسُّهُمُ السُيوفُ كَما تَسامَى      حَريقُ النّارِ في أَجَمِ الحَصِيدِ

وقال أوس :
                                 فما جَبُنُوا أَنَّا نَشُدُّ عليهِمُ      ولكن لَقُوا ناراً تَحُسُّ وتَسْفَعُ

(بِإِذْنِهِ) أي بإذنٍ من الله لكم ، وذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } ، (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ) في أمر عبد الله بن جبير والرُماة من أصحابهِ ولم تنجح هذه الخطّة (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ ) أي وكان الفشل في هذه الخطّة بسبب تنازعكم في الأمر ، لأنّ الرماة تنازعوا مع عبد الله بن جُبير فقالوا نذهب مع إخواننا لنغنم ، فقال لهم ألم يقل لكم رسول الله لا تبرحوا مكانكم ؟ (وَعَصَيْتُم) أمر نبيّكم (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم ) الله (مَّا تُحِبُّونَ ) من النُّصرة على أعدائكم وهزيمتهم والغنيمة من أموالِهم ، ثمّ تغلّبت عليكم أعداؤكم لأنّكم انقسمتم قِسمَين (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ) فيترك مكانه ويذهب وراء الغنيمة (وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) فيثبت مكانه ولا يلتفت إلى الغنيمة وهم عبد الله بن جُبير ومن قُتِلَ معه (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ) إلى المدينة لينجيكم من شرّهم ولتشفى جروحكم ولتسكن نفوسكم ، والمعنى : ثمّ أرجعكم إلى المدينة وألقى الرعب في قلوب المشركين ليرجعوا إلى مكّة وينتهي القتال فيما بينكم وبينهم في ذلك اليوم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ليختبركم هل تصبرون أم تضجرون (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ) في هذه المرّة إذْ ندمتم على ما فرط منكم وذلك بفضلٍ منه عليكم (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) إذْ هداهم إلى دين الإسلام فآمَنوا .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم