كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
148 - (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ ) يعني إن أصابكم سوء من مرض أو فقر أو غير ذلك من هموم الدنيا فلا تجاهِروا بِها عند الناس فتظهروا لهم سوء أحوالكم ومعاشكم وما أصابكم من ضيق وحُزن ، فإنّكم إن فعلتم ذلك فكأنّما شكوتم الله عند الناس (مِنَ الْقَوْلِ ) الّذي لا يحبّ الله أن تجهروا بهِ (إِلاَّ مَن ظُلِمَ) من جهة الناس فلا بأس عليه أن يجهر بالقول فيقول سرقني فلان ، وأهانني زيد ، وغصبَ حقّي عمرو ، وذلك لكي تُساعدهُ الناس على إرجاع حقّهِ (وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا) لأقوالكم (عَلِيمًا) بأحوالكم .
149 - (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا ) للناس من القول بدل الجهر بالسوء فتقولوا لمن سألكم عن أحوالكم : الحمدُ لله نحن في خير وعافية (أَوْ تُخْفُوهُ ) يعني أو تُخفوا السوء الّذي أصابكم إن لم تُبدوا للناس خيراً (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ ) أصابكم من الناس (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا) لِمَن يعفو الناس عن سوءٍ أصابهُ منهم (قَدِيرًا) على الانتقام مِمّن ظلمكم .
150 - دعا النبيّ أهل الكتاب إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأنكر الآخرون نبوّتهُ وطلبوا منهُ المستحيلات ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات (إِنَّ الّذينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ ) يعني اليهود الّذينَ عبدوا الأصنام . أمّا النصارَى كفروا بالله أيضاً لأنّهم قالوا بالثالوث ، وقالوا المسيح إبن الله 52، وقال بعضهم المسيح هو الله ، فهذا كفرهم بالله (وَرُسُلِهِ) أمّا كفرهم برُسُله هو إنكارهم رسالة محمّد ، واليهود أنكروا رسالة عيسى ومحمّد وكثير مِمّن سبق عيسى من الأنبياء (وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ ) بإنكارهم بعض الرُسُل (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ) الأنبياء (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) فاليهود يؤمنون بموسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل ويكفرون بعيسى ومحمّد ، والنصارى يؤمنون بعيسى ومن جاء قبله من الأنبياء ويكفرون بِمحمّد (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) أي يتّخذوا طريقاً بين الضلال والحقّ بأهوائهم .
151 - (أُوْلَـئِكَ) الّذينَ سبق ذكرهم (هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) .
152 - (وَالّذينَ آمَنُواْ بِاللّهِ) من أهل الكتاب (وَرُسُلِهِ) كلّهم (وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) في الآخرة (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا ) لذنوبهم (رَّحِيمًا) بهم .
153 - قال كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود : يا محمّد إن كنتَ نبيّاً كما تدّعي فأنزِل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في ألواح حجريّة كما جاء بها موسى فنصدّقك ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) يعني اليهود (أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء ) مكتوباً كما جاء موسى بالألواح مكتوبة ، فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ ) يعني أعظم من سؤالهم هذا (فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَة ) أي مُعاينةً ( فَأخذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) فوق جبل الطور وماتوا (بِظُلْمِهِمْ) أي بسبب ظلمهم (ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ ) معبوداً يعبدونه (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) على يد موسى نبيّهم (فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ ) ليستقيموا على التوحيد ويُصلحوا أعمالهم ولكنّهم ازدادوا بعد ذلك عِناداً وتعنّتاً (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي حُجّةً ظاهرة تبيّن صِدقهُ وصحّة رسالته . والمعنى : إنّ الّذينَ سألوك أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء لم ينقادوا لموسى نبيّهم بعد أن رأوا منهُ تلك المعجزات ولَمّا جاء بالألواح كذّبوهُ وقالوا من يُصدّق أنّها من عند الله ، فلا تطمع يا محمّد بإيمانهم ولا تصدّق بقولهم .
154 - (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ) أي بنقضهم ميثاقهم ، وذلك لَمّا ذهب موسى إلى جبل الطور ليأتي بالتوراة وكان معه جماعة من قومه قال لهم إنتظروني هنا في أسفل الجبل وأنا أصعد وآتيكم بالتوراة ، فلَمّا رجع إليهم وفي يده لوحان من حجر مكتوب فيهما التوراة قال هؤلاء الّذينَ كانوا ينتظرونه مَن يُصدّق أنّ هذه التوراة من عند الله . وكانوا قد أعطوه العهود والمواثيق بأن يقبلوها منه ويعملوا بِما فيها من أحكام ، فلمّا قالوا هذا الكلام انشقّ الجبل الذي كانوا تحتهُ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تقع عليهم فتقتلهم جميعاً فلمّا رأوها خافوا وصاحوا آمنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشقّة في مكانها ولم تقع عليهم ، وقد جاء ذكرها في سورة الأعراف أيضاً وذلك قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِم } . ثمّ ذكرَ سُبحانهُ جهلهم وعنادهم في حادثةٍ اُخرى فقال (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ ) أي باب القرية وهي أريحا (سُجَّدًا) أي مُطيعين مُنقادين ، ولكنّهم لم يدخلوها بل عصَوا وعاندوا وقالوا لِموسى إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . ثمّ ذكر سُبحانهُ عصيانهم في أمرٍ آخر فقال (وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ ) أي لا تتعدّوا الأوامر التي أوصيناكم بِها ونهاكم عنها ، ولكنّهم اعتدَوا وخالَفوا أمر الله فأخذوا يبيعون ويشترون ويصيدون السمك في السبت (وَأخذَنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) على أن يطيعوا الله ولا يعصوهُ وأن يعبدوهُ ولا يُشركوا بهِ أحداً ، ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم وعشتاروث وعصَوا أمر ربّهم ، فهذه أفعالهم وهذه مخازيهم فلا تلتفت يا محمّد إلى قولهم إذْ طلبوا منك المستحيل ولا يهمّكَ شأنهم .
155 - (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ) أي فبسبب نقضهم ميثاقهم ، وكلمة "ما" للكثرة والتنوّع ، والمعنى : لعنّاهم بسبب نقضهم كثرة المواثيق وأنواع العهود54 الّتي أخذَناها عليهم (وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ ) التي جاءت بها أنبياؤهم والمسيح والتي جاء بِها محمّد (وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) يعني بغير ذنبٍ استوجبوا عليه القتل (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي عليها أغلِفة لا تعي كلامك يا محمّد (بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا) أي ختمَ عليها (بِكُفْرِهِمْ ) أي بسبب كفرهم فلا تعي وعظاً (فَلاَ يُؤْمِنُونَ ) بك يا محمّد (إِلاَّ قَلِيلاً ) منهم .
------------------------------------52 :حالة أنّ المسيح نفسه زجر بطرس وطرده لأنه قال عنه : إنّك المسيح ابن الله ولم يقبله إلاّ بعد شفاعة التلاميذ له ، وذلك قول المسيح : « ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ . أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ »إنجيل متّى 16: 23 ويجب أن تكون ترجمته : « ﭐبتعِدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ » فإنّها تصدق على بطرس القائل : « ﭐبْعدْ عنّي يَا سيّد فإنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ » إنجيل لوقا 5: 8 - المراجع .54 :لا يخلو سفر من أسفار التوراة من تكرار العهد عليهم بالتوحيد والعبادة الخالصة لله وترك الأصنام وعبادةالأوثان . – المراجع .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |