كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
155 - (إِنَّ الّذينَ تَوَلَّوْاْ ) عن القتال وانهزموا يوم اُحُد (مِنكُمْ) أي من المسلمين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) للقتال ، جمع المسلمين وجمع المشركين (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ ) أي طلب زلّتهم بخطّةٍ خطّها لهم فنجحت بيدهِ ، وكان سبب تلك الزلّة (بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ) من الإثم ، والمعنى : وكانت تلك الزلّة بسبب بعض أصحابهم الّذينَ كسبوا إثماً بمخالفتهم أمر رسول الله حيث قال لهم لا تبرحوا مكانكم ، فخالفوا أمرهُ وتركوا مكانهم وذهبوا وراء الغنيمة من أموال المشركين فجاء العدوّ من ذلك المكان الّذي تركوه وضربهم من خلفهم فوقعت الهزيمة في جيش المسلمين (وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ ) لأنّهم ندموا على ما فرطَ منهم واستغفَروا الله وتابوا (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للموحِّدين لمن تاب منهم (حَلِيمٌ ) لا يعجل بالعقوبة على من عصاه .
156 - ثمّ نهى الله المؤمنين عن الاقتداء بالكافرين والمنافقين في أقوالهم وأفعالهم فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالّذينَ كَفَرُواْ ) في اتّخاذهم العقائد الفاسدة (وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ) من أهل الكفر والإشراك (إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ ) أي سافَروا فيها للتجارة أو طلب معاش أو هجرة وماتوا بأجلهم (أَوْ كَانُواْ غُزًّى ) أي غزاة مُحاربين فقُتِلوا ، فيقول بعض الكافرين لبعض (لَّوْ كَانُواْ ) مقيمين (عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ) يعني ما مات المسافرون وما قُتِل الغُزاة . فلا تكونوا أيّها المسلمون مِثلَهم ولا تعتقدوا بِهذه العقائد الفاسدة (لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ ) القول (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ) أي في قلوب الكافرين ، والمعنى : لكي يجعل الله تلك المقالة سبباً لإلزام الحسرة والحُزن في قلوبهم (وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ ) عند حضور الأجل في السفر والحضر لا مُقدّم لِما أخّر ولا مؤخّرَ لِما قدّم (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) لا يفوته شيء من أعمالكم .
157 - (وَلَئِن قُتِلْتُمْ ) أيّها المسلمون (فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ ) بآجالكم وكنتم قاصدين الجهاد أو مهاجرين في سبيل الله (لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ ) تنالونَها ، فإنّه تعالى يغفر ذنوبكم (وَرَحْمَةٌ) تحصلون عليها ، فإنّ الله تعالى يرحمكم بدخول جنّاته ، وهاتان (خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) من الأموال والمقاصد الدنيوية .
158 - (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ ) أي تُجمَعون ، والمعنى : سواءً مُتّم أو قُتِلتم فإنّ مرجعكم إلى الله فيجازي كلاً منكم ما يستحقّه المحسِن على إحسانه والمسِيء على إساءته ، فآثِروا ما يقرّبكم منه ويوجب لكم رضاهُ من العمل بطاعتهِ والجهاد في سبيلهِ ولا تركنوا إلى الدنيا فتخسروا .
159 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ مسامحة النبيّ إيّاهم وتجاوزه عن سيّئاتهم من تعداد رحمتهِ تعالى إذْ جعلهُ ليّن العطف حسَن الخُلُق فقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ ) أي فبرحمةٍ وكلمة (ما) للتنوّع ، والمعنى : ومن بعض أنواع النِعَم التي أنعم الله بِها عليهم أن جعلكَ ليّن القلب غير قاسٍ لكي ينقادوا لك ولا ينفروا منك (مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ) معناهُ أنّ لينك لهم مِمّا يوجب دخولهم في الدين (وَلَوْ كُنتَ ) يا محمّد (فَظًّا) أي جافياً سيّء الخلق (غَلِيظَ الْقَلْبِ ) أي قاسي القلب ، فالغِلظة عكس اللّين ، ومن ذلك قول حاتم الطائي :
كَسَيْنَا صُرُوفَ الدَّهْرِ لِينَاً وَغِلْظَـةً وَكُلاًّ سَقَانَاهُ بِكَأْسَيْهِمَا الدَّهْـرُ
(لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) أي لتفرّق أصحابك عنك ونفروا منك ، ومن ذلك قول حسّان :
فاجتمَعْنا فَفَضَضْنا جمعَهمْ بالصُّعيداءِ وفي يومِ الدّرَكْ
(فَاعْفُ عَنْهُمْ ) زلّتهم يوم اُحُد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) أي اُطلب لهم المغفرة من الله (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) أي في أمر الحرب وغيره مِمّا لم ينزل به وحي ، وذلك لتقتدي بك اُمّتكَ في المشورة ، وقال تعالى في سورة الشورى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } . (فَإِذَا عَزَمْتَ ) على عمل شيء بعد المشورة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) عليه فينصرهم ويقضي حوائجهم .
160 - (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ ) على أعدائكم (فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ ) بسبب عصيانكم (فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ) أي من بعد خِذلانهِ ، والمعنى : إستعينوا بالله على عدوّكم واسألوه النصر لكي ينصرَكم ولا تستعينوا بغيره فيخذلَكم ، ولذلك قال بعدها (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .
161 - ولَمّا رجع المنهزمون من أصحاب النبيّ يوم اُحُد واعتذروا إليهِ (ع) قَبِلَ عذرهم وعفا عنهم ، فقال بعضهم لبعض لو كنّا في جيش المشركين وكانت هذه الهزيمة منّا لم يقبل عذرنا أبو سفيان بل لأهاننا عليها وحقدَ قلبه علينا ولكنّ النبيّ قبلَ عُذرنا وعفا عنّا . فنزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ) وتقديره ما كان لنبيٍّ أن يُهين أصحابه وما كان له أن يَغِلّ ، يعني وليس له أن يكون حقوداً عليهم . فالغِلّ معناهُ الحِقد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف في وصف أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } يعني من حِقدٍ . وقال أيضاً في سورة الحشر{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا } . وقوله (وَمَن يَغْلُلْ ) يعني ومن يحمل قلبه حِقداً وغيظاً على قومه (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يعني يأتي بِحِقدهِ عليهم فلا يشفع لهم ، ولكنّنا لم نختر للرسالة اُناساً حقودين بل جعلناهم مُسامحين ، ومن ذلك قول عنترة :
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ وَلا يَنالُ العُلا مَنْ طَبعُهُ الغَضَبُ
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ) من قومه جزاء (مَّا كَسَبَتْ ) في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) في حقّهم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |