كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
159 - (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ ) أي جماعة كانوا يؤمنون بالله أيضاً وكلماتهِ العشر كما آمن محمّد بها ، وكانوا (يَهْدُونَ) قومهم (بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) بين المتخاصِمين ، يعني وبالحقّ يحكمون بين المتخاصِمين ، وهم الأنبياء الّذينَ جاؤوا بعد موسى .
160 - (وَقَطَّعْنَاهُمُ) أي فرّقنا قوم موسى وقسّمناهم (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا ) والأسباط هم أولاد يعقوب كانوا اثنَي عشرَ ولداً ، فكلّ سِبط من بني إسرائيل ينتمي إلى أحد أولاد يعقوب لأنّهم من نسلهِ ، فكانوا (أُمَمًا) كثيرة ، يعني جماعات (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ ) يعني طلبوا منه الماء ليشربوا (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ) البارز من الجبل فضربهُ موسى (فَانبَجَسَتْ مِنْهُ ) أي من الحجر ، و"الانبجاس" خروج الماء بقلّة ، و"الانفجار" خروجه بكثرة ، وكان يبتدئ الماء من الحجر بقلّة ثمّ يتّسع حتّى يصير إلى الكثرة ، فلذلك ذكرَ الله سُبحانهُ في هذه الآية الإنبجاس وذكرَ في سورة البقرة الإنفجار ، والآية مفسّرة في سورة البقرة ، وهي (اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) من الماء ، وهذه العيون تقع بالبرّ من القناة قريبة من السويس وهي شهيرة بِ"عيون موسى" وقلّ اليوم ماء هذه العيون وبعضها طمست آثاره . (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ ) من تلك الأسباط (مَّشْرَبَهُمْ) أي موضع شربهم (وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) وقلنا لهم (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) بسوء أعمالهم وعصيانهم أمرَ ربّهم .
161 - (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ )
162 - (فَبَدَّلَ الّذينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ )
سبق تفسير مِثل هاتين الآيتين في سورة البقرة آية 58 و59 .
163 - (واَسْأَلْهُمْ) أي واسأل قوم موسى يا محمّد سؤال توبيخ (عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ) أي على شاطئ البحر وهي قرية إيلات (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) أي يعتدون ويُجاوزون الحدّ في صيد الأسماك يوم السبت وكان محرّماً عليهم الصيد فيهِ (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ) أي تأتيهم الأسماك قاصدات نحوهم ليرموا لهنّ طعاماً ، والشاهد على ذلك قول لبيد بن ربيعة يصف الخيل :
وإذا الأسِنَّةُ أُشْرِعَتْ لنُحُورِها أبْدَيْنَ حَدَّ نَواجِذِ الأنْيابِ
وقال حسان :
وَمُرَنَّحٍ فِيهِ الأسِنَّةُ شُرَّعاً كَالجَفْرِ غَيْرِ مُقَابَلِ الأَعْمَامِ
وقال عنترة :
ودَنَا الشُّجاعُ من الشُّجاعِ وأُشرِعَتْ سُمْرُ الرِّماحِ علَى اخْتِلافِ قَنَاهَا
(وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ ) وذلك لنختبرهم هل يصيدون السمك أم يمتثلون أوامر ربّهم (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم ) أي نختبرهم بهذا (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) .
164 - ولَمّا صادوا السمك ، إفترقوا فصاروا ثلاث فِرَق : فرقة صادوا وفرقة نهَوا عن ذلك وفرقة سكتوا ولم يصيدوا (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ ) أي فرقة منهم ، وهم الّذينَ سكتوا ولم يصيدوا قالوا لِلّذينَ نهَوا عن الصيد (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ ) يعنون من صاد السمك (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) أي مهلكهم بالطاعون أو معذّبهم في الآخرة إن لم يهلكوا بالطاعون (قَالُواْ) أي قالت الفرقة الناهية (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) يعني نهَيناهم عن ذلك ليكون لنا عذرٌ عند ربّكم إذا سألنا عن ذلك يوم القيامة فنقول نهَيناهم فلم ينتهوا (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) يعني ولعلّ الصيّادين يتّقون عقاب الله فينتهوا عن صيد السمك يوم السبت إذا نهَيناهم .
165 - (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ) يعني فلَمّا استمرّوا على ذلك حتّى نسوا ما وُعِظوا به من النهي عن الصيد في أيّام السبت ، حينئذٍ سلّطنا عليهم أعداءهم فقهروهم وقتلوهم وأسروهم و(أَنجَيْنَا الّذينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الّذينَ ظَلَمُواْ ) أنفسهم ، يعني الّذينَ صادوا (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) أي مُخزٍ مُذلٍّ بأيدي أعدائهم ، ومن ذلك قول حسّان :
ما يقسِمِ اللهُ أقبَلْ غيرَ مُبْتَئِسٍ مِنْهُ وأقْعُدْ كَرِيماً ناعِمَ البالِ
فقول الشاعر " غيرَ مُبْتَئِسٍ " يعني غير حزين ولا ذليل ، وقال الحُطيئة :
لا يَصْبِرونَ ولا تَزالُ نِساؤُهُمْ تَشْكُو الهَوانَ إلَى البَئِيسِ الأَبْأَسِ
رَهْطُ ابنِ جَحْشٍ في الخُطُوبِ أذِلَّةٌ دُسْمُ الثِّيابِ قَناتُهُمْ لَمْ تُضَرّسِ
وقال حسّان :
فَكُلُّ مَعَدٍّ قَدْ جَزَيْنَا بِصُنْعِهِ فَبُؤْسَى بِبُؤْسَاهَا وَبِالنُّعْمِ أَنْعُمَا
(بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) بين قومهم .
166 - (فَلَمَّا عَتَوْاْ ) فلمّا خالفوا أمرَ ربّهم وازدادوا في عصيانهم (عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ) من الصيد والبيع والشراء في أيّام السبت (قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين حقيرين كالقِرَدَة . وهذه كناية عن إذلالهم وتحقيرهم وليس معناه مُسِخوا قِرَدَة . فكلّ جملة تأتي في القرآن بهذه العبارة هي كناية عن إذلالهم ، وهي (كُونُواْ) ونظيرها قوله تعالى في سورة البقرة {فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثمّ أَحْيَاهُمْ } فكلمة {مُوتُواْ} كناية عن ذلّهم ، {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } يعني أعزّهم . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهي قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . وسبقت قصّة نحميا بن حكليا معها .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |