كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
161 - ولَمّا رجع المنهزمون من أصحاب النبيّ يوم اُحُد واعتذروا إليهِ (ع) قَبِلَ عذرهم وعفا عنهم ، فقال بعضهم لبعض لو كنّا في جيش المشركين وكانت هذه الهزيمة منّا لم يقبل عذرنا أبو سفيان بل لأهاننا عليها وحقدَ قلبه علينا ولكنّ النبيّ قبلَ عُذرنا وعفا عنّا . فنزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ) وتقديره ما كان لنبيٍّ أن يُهين أصحابه وما كان له أن يَغِلّ ، يعني وليس له أن يكون حقوداً عليهم . فالغِلّ معناهُ الحِقد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف في وصف أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } يعني من حِقدٍ . وقال أيضاً في سورة الحشر{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا } . وقوله (وَمَن يَغْلُلْ ) يعني ومن يحمل قلبه حِقداً وغيظاً على قومه (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يعني يأتي بِحِقدهِ عليهم فلا يشفع لهم ، ولكنّنا لم نختر للرسالة اُناساً حقودين بل جعلناهم مُسامحين ، ومن ذلك قول عنترة :
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ وَلا يَنالُ العُلا مَنْ طَبعُهُ الغَضَبُ
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ) من قومه جزاء (مَّا كَسَبَتْ ) في دار الدنيا من خير أو شرّ (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) في حقّهم .
162 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الأنبياء لا تُقاس بالكفرة والمشركين فقال (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ ) وهو محمّد (كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ ) وهو أبو سفيان ، والمعنى : أتقيسون محمّداً الذي اتّبع رضا الله بأبي سفيان الذي باء بسخط من الله فتقولون لوكنّا من أصحابه وحدثت هذه الحادثة في معسكره لأهاننا وحقد قلبه علينا (وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ) يوم القيامة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) يكون مصيره
وأظنّك تقول أنّ النبيّ قد عفا عن أبي سفيان يوم فتح مكّة وقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن . أقول هذا صحيح ولكنّ النبيّ من سجاياه الكرم والعفو والشفقة على قومه ولذلك عفا عنه ، ولقد عفا عن كثير من الناس ليس أبو سفيان وحده ، ولكنّ أعمال أبي سفيان وجرائمه لا تغتفر فقد كان رأس الفتنة وسبب العداوة وقائد جيش الكفر ، فقد أهان المسلمين وقتلهم وشرّدهم ، ولكنّ النبيّ عفا عنه بحسن أخلاقه وكريم سجاياه كما قال الشاعر :
مَلَكْنا فَكانَ العَفْوُ مِنّا سَجيَّةً فَلَمّا مَلَكتُمْ سالَ بالدَّمِ أبطَحُ
فَحَسبُكُمُ هذا التّفاوُتُ بَينَنا وكلُّ إناءٍ بِالَّذِي فيهِ يَنضَحُ
فقد قال الله تعالى في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاء الّذينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ ...الخ} ثمّ يقول {إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فالتوبة تقبل قبل المقدرة لا بعد المقدرة .
163 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الأنبياء على درجات ومراتب وليس كلّهم سواءً في الأخلاق والأعمال فقال (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ ) يعني هم على مراتب ومنازل ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيّينَ عَلَى بَعْضٍ } ، (واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعطي كلاً منهم ما يستحقّه في الآخرة .
164 - (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ ) أي أنعمَ الله (عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) يعني عربي من لسانهم وقرشي من قبيلتهم وحجازي من بلدتهم (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) أي يقرأ عليهم آيات ربّهم ، وهي القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يُطهّرهم من دنس الشرك وعبادة الأوثان (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أي يُعلّمهم أحكام الكتاب وما في الكتب السالفة من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذلك بما يوحَى إليهِ من الله (وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ ) أي من قبل مجيء محمّد (لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) أي بيّن لأنّهم كانوا يعبدون الأصنام .
165 - ثمّ عادَ سُبحانهُ إلى ذكر الجهاد فقال (أَوَلَمَّا ) أصلها ولَمّا أصابتكم مصيبة قلتم أنّى هذا ، والألف للاستفهام (أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ ) يوم اُحُد (قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا ) من المشركين يوم بدر ، فقد قُتِل من المسلمين سبعون رجلاً يوم اُحُد ، ولكنّ المشركين قُتِل منهم سبعون واُسِر سبعون يوم بدر ، ثمّ (قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا ) أي كيف يكون هذا الخذلان علينا والنصر للكافرين (قُلْ) يا محمّد (هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ) أي قل لهم إنّ الذي أصابكم من قتل وهزيمة كان سببهُ أصحابكم الّذينَ تركوا أماكنهم وذهبوا وراء السلب والنهب فجاء العدوّ من خلفهم وضربهم (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فقد كان قادراً على نصركم ولكن لم ينصركم في ذلك اليوم لكي تتّعظوا في المستقبل ولا تخالفوا أمرَ نبيّكم .
166 - (وَمَا أَصَابَكُمْ ) أيّها المسلمون (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) جمع المسلمين وجمع المشركين ، يعني ما أصابهم من النكبة والقتل يوم اُحُد (فَبِإِذْنِ اللّهِ ) أي بإرادة الله لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم يوم اُحُد وفككتم الأسرى يوم بدر بالفِدية ولم تقتلوهم لكي يقلّ عددهم فتنتصروا عليهم في المستقبل ، فإنّ الله تعالى توعّدهم يوم بدر حين أطلقوا المشركين بالفِدية ولم يقتلوهم فقال تعالى في سورة الأنفال {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فوافاهم بهِ يوم اُحُد ، (وَلِيَعْلَمَ) الله (الْمُؤْمِنِينَ) منكم الّذينَ ثبتوا في مكانهم وقاتَلوا .
167 - (وَلْيَعْلَمَ الّذينَ نَافَقُواْ ) أي ليميّز الله المؤمنين من المنافقين بتلك الحادثة فتنكشف للناس أسرارهم فيعرفون المؤمن من المنافق (وَقِيلَ لَهُمْ ) أي للمنافقين قبل الخروج إلى القتال (تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ ) عن حريمكم وأنفسكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله ، قال لهم ذلك عبد الله وعمرو بن حزام الأنصاري . فأجاب عبد الله بن اُبيّ ومن كان معه من أصحابه وهم ثلاثمائة رجل (قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ ) أي لو نعلم أنّ علينا واجباً يقضي بالقتال لاتّبعناكم في سفركم هذا وقاتلنا معكم ولكن لا نرى واجباً يقضي بذلك ، فكان هذا عُذرهم (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) أي ما بدا منهم في تلك الواقعة هو أقرب للكفر مِمّا هو للإيمان ، وهذا تحذير من الله سُبحانهُ وتعالى للمؤمنين بأنّهم منافقون وليسوا مؤمنين (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) أي يقولون ذلك ليعتذروا لكم ولكنّ الذي يضمرونهُ في قلوبهم ويكتمونهُ من النفاق غير الذي يُظهرونهُ بألسنتهم (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) فلا تخفى عليه خافية .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |