كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 163) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

163 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الأنبياء على درجات ومراتب وليس كلّهم سواءً في الأخلاق والأعمال فقال (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ ) يعني هم على مراتب ومنازل ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيّينَ عَلَى بَعْضٍ } ، (واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعطي كلاً منهم ما يستحقّه في الآخرة .

164 - (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ ) أي أنعمَ الله (عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) يعني عربي من لسانهم وقرشي من قبيلتهم وحجازي من بلدتهم (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ) أي يقرأ عليهم آيات ربّهم ، وهي القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يُطهّرهم من دنس الشرك وعبادة الأوثان (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) أي يُعلّمهم أحكام الكتاب وما في الكتب السالفة من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذلك بما يوحَى إليهِ من الله (وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ ) أي من قبل مجيء محمّد (لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) أي بيّن لأنّهم كانوا يعبدون الأصنام .

165 - ثمّ عادَ سُبحانهُ إلى ذكر الجهاد فقال (أَوَلَمَّا ) أصلها ولَمّا أصابتكم مصيبة قلتم أنّى هذا ، والألف للاستفهام (أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ ) يوم اُحُد (قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا ) من المشركين يوم بدر ، فقد قُتِل من المسلمين سبعون رجلاً يوم اُحُد ، ولكنّ المشركين قُتِل منهم سبعون واُسِر سبعون يوم بدر ، ثمّ (قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا ) أي كيف يكون هذا الخذلان علينا والنصر للكافرين (قُلْ) يا محمّد (هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ) أي قل لهم إنّ الذي أصابكم من قتل وهزيمة كان سببهُ أصحابكم الّذينَ تركوا أماكنهم وذهبوا وراء السلب والنهب فجاء العدوّ من خلفهم وضربهم (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فقد كان قادراً على نصركم ولكن لم ينصركم في ذلك اليوم لكي تتّعظوا في المستقبل ولا تخالفوا أمرَ نبيّكم .

166 - (وَمَا أَصَابَكُمْ ) أيّها المسلمون (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) جمع المسلمين وجمع المشركين ، يعني ما أصابهم من النكبة والقتل يوم اُحُد (فَبِإِذْنِ اللّهِ ) أي بإرادة الله لأنّكم خالفتم أمر نبيّكم يوم اُحُد وفككتم الأسرى يوم بدر بالفِدية ولم تقتلوهم لكي يقلّ عددهم فتنتصروا عليهم في المستقبل ، فإنّ الله تعالى توعّدهم يوم بدر حين أطلقوا المشركين بالفِدية ولم يقتلوهم فقال تعالى في سورة الأنفال {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فوافاهم بهِ يوم اُحُد ، (وَلِيَعْلَمَ) الله (الْمُؤْمِنِينَ) منكم الّذينَ ثبتوا في مكانهم وقاتَلوا .

167 - (وَلْيَعْلَمَ الّذينَ نَافَقُواْ ) أي ليميّز الله المؤمنين من المنافقين بتلك الحادثة فتنكشف للناس أسرارهم فيعرفون المؤمن من المنافق (وَقِيلَ لَهُمْ ) أي للمنافقين قبل الخروج إلى القتال (تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ ) عن حريمكم وأنفسكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله ، قال لهم ذلك عبد الله وعمرو بن حزام الأنصاري . فأجاب عبد الله بن اُبيّ ومن كان معه من أصحابه وهم ثلاثمائة رجل (قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ ) أي لو نعلم أنّ علينا واجباً يقضي بالقتال لاتّبعناكم في سفركم هذا وقاتلنا معكم ولكن لا نرى واجباً يقضي بذلك ، فكان هذا عُذرهم (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) أي ما بدا منهم في تلك الواقعة هو أقرب للكفر مِمّا هو للإيمان ، وهذا تحذير من الله سُبحانهُ وتعالى للمؤمنين بأنّهم منافقون وليسوا مؤمنين (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) أي يقولون ذلك ليعتذروا لكم ولكنّ الذي يضمرونهُ في قلوبهم ويكتمونهُ من النفاق غير الذي يُظهرونهُ بألسنتهم (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) فلا تخفى عليه خافية .

168 - (الّذينَ قَالُواْ) يعني المنافقون قالوا (لإِخْوَانِهِمْ) في النفاق ، يعني قال بعضهم لبعض ، وهم عبد الله بن اُبيّ وأصحابه قالوا في قتلى اُحُد (وَقَعَدُواْ) عن القتال ، يعني قعدوا في ديارهم ولم يخرجوا مع النبيّ ، قالوا (لَوْ أَطَاعُونَا ) في القعود وترك الخروج إلى القتال (مَا قُتِلُوا قُلْ ) يا محمّد لهم (فَادْرَؤُوا) أي ادفعوا (عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ ) إذا جاء أجلكم (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في هذه المقالة .

169 - لَمّا قُتِلَ جمعٌ من أصحاب النبي يوم اُحُد حزنَ النبيّ عليهم ، فنزل قوله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا ) لأنّ الإنسان الحقيقي هو النفس لا الجسم (بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الجنان الأثيريّة (يُرْزَقُونَ) من ثمارها ويشربون من أنهارها .

170 - (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ ) أي بإخوانهم المجاهدين الّذينَ لم يلحقوا بهم في الشهادة وكذلك يستبشرون بالأولاد الصِّغار الّذينَ ماتوا قبلهم فوجدوهم أمامهم في الجنّة (أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق ذويهم .

171 - (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ ) الّتي أنعم بِها عليهم في الجنّة (وَفَضْلٍ ) منهُ عليهم بغفران ذنوبهم (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

172 - (الّذينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) حين دعاهم إلى الخروج للقتال في الغد من واقعة اُحُد ، يعني في اليوم الثاني من واقعة اُحُد وذلك لَمّا بلغهُ أنّ أبا سفيان وأصحابه أرادوا الرجوع إلى المدينة لاستئصال المسلمين ، فخرج النبيّ (ع) إليهم بأصحابه حتّى بلغوا حمراء الأسد ، وهيَ من المدينة على ثمانية أميال ، فألقَى الله الرُّعبَ في قلوب المشركين فرجعوا إلى مكّة ، ونزل النبيّ مع أصحابه بحمراء الأسد ، وكان الصحابة قد تحاملوا الخروج وقروحهم تشخبُ دماءً كي لا يفوتَهم الأجر كما قال تعالى (مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ) باُحُد (لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ ) بالخروج (وَاتَّقَواْ) مخالفة الرسول (أَجْرٌ عَظِيمٌ ) عند الله .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم