كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
17 - (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ ) كمرض أو فقر أو مكروه (فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ) وحده (وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ) كسعةٍ من الرزق أو صِحّةٍ في الجسم أو شيء آخر من خيرات الدنيا (فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ) .
18 - (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ ) قهرِ (عِبَادِهِ) يعني قدرة الله على الإنتقام من الظالمين للضعفاء والمساكين فوق قدرتهم على الظُلم ، فليعلموا ذلك ولا يظلموا الضعفاء فإنّ الله أقوى منهم فينتقم منهم (وَهُوَ الْحَكِيمُ ) في أفعالهِ (الْخَبِيرُ) بظُلم عبادهِ .
19 - أتى أهل مكّة رسول الله فقالوا : "أما وجد الله رسولاً غيرك؟ ما نرى أحداً يُصدّقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فقالوا ليس لك عندهم ذِكرٌ ، فأرِنا من يشهد أنّك رسول الله كما تزعم!" فنزلت هذه الآية (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء الكافرين (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً )62 على صدقي كلام الله أم كلام الناس؟ (قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وهو الذي أرسلني إليكم والقرآن كلامهُ يشهدُ لي بأنّي رسول الله إليكم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ ) من عذاب الله وعقابه إن لم تؤمنوا وتتركوا عبادة الأوثان (وَمَن بَلَغَ ) الرُشد ، أي واُنذِرُ جميع من بلَغهُ القرآن وسمعهُ من البالغين الّذينَ وجب عليهم التكليف من اليوم إلى يوم القيامة (أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً اُخرى ) هذا سؤال على وجه الإنكار والتوبيخ وتقديرهُ كيف تشهدون أنّ مع الله آلهةً اُخرى بعد وضوح الأدلّة وقيام الحُجّة على وحدانيّتهِ ؟ (قُل لاَّ أَشْهَدُ ) كما تشهدون (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) بهِ .
20 - (الّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني أعطيناهم التوراة ، وهم علماء اليهود (يَعْرِفُونَهُ) أي يعرفون القرآن153 مُنزَل من الله لِما يرَون فيهِ من الأدلّة والبراهين على صِدقهِ وبما جاء مُخبِراً عن توراتهم مع أنّ محمّداً اُمّي لا يكتب ولا يقرأ الكتاب ثمّ إنّهُ رجل عربي لا يعرف اللّغة العِبريّة وإنّ التوراة مكتوبة بالعِبريّة وبهذهِ الأدلّة عرفوا محمّداً على حقّ (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ) أنّهم من نسلهم ، ولكن يجحدونهُ حسَداً منهم لكونه عربي وليس منهم ، فأولائك (الّذينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ) لأنّهم أبدلوا آخرتهم بدنياهم (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) لأنّهم آثروا الرئاسة على الإيمان . وقد سبق تفسيرها في سورة البقرة في آية 146 .
21 - (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ) بادّعائه الولد لله أو الشريك أو الشفيع بغير إذنٍ من الله (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) الّتي جاءت بها رُسُلُهُ فلم يؤمن بها ، يعني لا أحدَ أظلمُ منهُ (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) بدخول الجنّة بل يخسرونها ويدخلون النار .
22 - (وَيَوْمَ) القيامة (نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ) أي جميع الناس (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) منهم (أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الّذينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) أنّهم يشفعون لكم عند الله ؟
23 - (ثُمَّ لَمْ تَكُن ) نتيجة (فِتْنَتُهُمْ) بالأصنام ، أي افتتانهم بِها وحُبّهم لها ، فالفتنة كثرة المحبّة ، ومن ذلك قول الشاعر :
لَئِنْ أَفْتَنَتْنِي لَهيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ عَقِيلاً فَأَمْسَى قَدْ قَلا كُلَّ مُسْلِمِ
(إِلاَّ أَن قَالُواْ ) بعد موتهم (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهذا على اعتقادهم بأنّهم لم يجعلوها آلهة بل عبدوها لتشفع لهم عند الله ، وذلك من قولهم هؤلاء شُفعاؤنا عند الله .
24 - (انظُرْ) يا محمّد إلى هؤلاء المشركين (كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) بقولهم هؤلاء شُفعاؤنا عند الله (وَضَلَّ عَنْهُم ) أي غاب عنهم وضاعَ منهم (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) بهِ على الناس من أمر الشفاعة .
25 - (وَمِنْهُم) أي من المشركين (مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) القرآن حين تقرأه عليهِ فيلين قلبُهُ ، ولكن أكثرهم مُتكبّرون لا تشملهم رحمتنا بسبب ظُلمهم وتكبّرهم (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) أي أغطية (أَن يَفْقَهُوهُ ) يعني لئلاّ يفقهوا القرآن ويفهموهُ (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) أي ثقلاً لئلّا يسمعوهُ (وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ ) أي كلّ علامةٍ تدلُّ على صدق محمّد وكلّ بيّنةٍ (لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) تكبّراً منهم عليك وحسَداً لكَ (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ ) والتقَوا معك (يُجَادِلُونَكَ) في القرآن (يَقُولُ الّذينَ كَفَرُواْ ) منهم (إِنْ هَذَآ ) أي ما هذا القرآن (إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) سطّروها في الكتب من أقوال لا صِحّةَ لها .
26 - (وَهُمْ) أي المشركون الّذينَ سبق ذكرهم (يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) أي ينهَون الناس عن استماع القرآن (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) أي ويبتعدون عنهُ لئلّا يقع في قلوبهم صِحّتهُ فيؤمنوا (وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ ) يعني وما يُهلكون إلاّ أنفسهم بهذا الابتعاد عن استماع القرآن فيلقونها في النار (وَمَا يَشْعُرُونَ ) بذلك .
27 - ثمّ أخبرَ اللهُ رسولهُ عن حال من مات منهم فقال تعالى (وَلَوْ تَرَىَ ) يا محمّد (إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ) أي وقفوا على حقيقتها وأطلعتهم الملائكة عليها (فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ) إلى الدنيا (وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) بِها ، أي من المصدّقين ، فردّ الله عليهم أمانيّهم وكذّبهم فقال تعالى :
28 - (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ) أي ظهرت لهم مخازيهم وانكشفت للناس أسرارهم وأعمالهم السيّئة ، ثمّ أخبر الله عنهم بأنّهم إذا رجعوا إلى الدنيا كما تمنّوا يعودون إلى عاداتهم وأفعالهم المخزية ، لأنّ الإنسان إذا تعوّد على شيء يصعب عليه تركهُ وتغييره ، وأنّ النفوس إذا دخلت في الأجسام تنسى ما كانت عليه في عالم النفوس وإذا ذكرت شيئاً منه تظنّه رؤيا وليس حقيقياً إلاّ نادراً ولذلك يعودون إلى ما تعوّدوهُ ، فقال تعالى (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) فيما تمنّوا .
------------------------------------62 :قال المفسّرون وفي الآية دلالة على أنّ الله تعالى يجوز أن يسمّى شيء . أقول : لا يجوز ذلك لأنّ لفظة شيء معناها المادّة ، وإنّ الله تعالى يجلّ عن المادّة ، فقد قال تعالى في سورة الشورى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } .153 :وإنّما لم يأتِ ذكر القرآن في هذه الآية لأنّ ذكرهُ سبق في الآية الّتي قبلها وذلك قوله (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ ) .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |